أثار قرار الحكومة المصرية في وقت مبكر صباح السبت بسحب السفير المصري من تل أبيب، إثر مقتل ضابط بالقوات المسلحة واثنين من جنود الأمن المركزي بنيران طائرة إسرائيلية الخميس، رود فعل في الأوساط الإسرائيلية التي تخشى من أن تكون هذه الخطوة بداية لتدهور في العلاقات المصرية – الإسرائيلية، التي تمر بأسوأ فتراتها منذ إبرام معاهدة السلام بين الجانبين قبل أكثر من 30 عامًا. وعكست عناوين الصحف الإسرائيلية حالة من القلق الشديد من تداعيات القرار المصري، وعنونت "يديعوت أحرونوت" و"معاريف" و"عنيان مركازي": "نحن نشهد مأساة كبرى"، "إسرائيل تدفع ثمن أخطائها"، "القاهرة ستغلق معابرها التجارية معنا"، "مصر غاضبة كالعاصفة"، ورأت أن القرار بسحب السفير يعكس غضبا عاصفا في أعقاب مقتل الجنود المصريين على الحدود، بالتزامن مع استدعاء مصر لإسحاق لفانون السفير الإسرائيلي بالقاهرة وتوجيه رسالة غاضبة له. وكانت القاهرة قدمت الجمعة احتجاجا رسميا لإسرائيل تزامنا مع محاولة المئات من المتظاهرين الوصول إلى سفارة إسرائيل الكائنة في عقار أسفل كوبري جامعة القاهرة، منددين بالهجوم الإسرائيلي على الحدود المصرية، وحاولوا تحطيم حواجز حديدية لدخول المبنى والوصول إلى مقر السفارة. لكن طال روسو قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلي نأى بإسرائيل عن قتل الجنود المصريين، زاعما في تصريحات للقناة العاشرة بالتلفزيون الإسرائيلي، أن القتلى المصريين داسوا على عبوات ناسفة كان قد تركها منفذو الهجمات في إيلات. وأكد بساكال افراهامي مقتا قناص حرس الحدود في الهجمات التي وقعت الخميس، نتيجة "نيران أطلقت من الجانب المصري"، على حد زعمه. وأضاف "قواتنا فتحت النيران وبعد ساعة قمنا بمحادثات مع المصريين ونجحنا في وقف النيران من الجانبين، وأثناء الليل استمرت المحادثات مع المصريين لتحسين التنسيق والاتصال بيننا وفي الصباح قمنا بعمليات تفتيش وتمشيط في الجانب المصري والجانب الإسرائيلي من الحدود". وفي أعقاب الإعلان عن قرار سحب السفير المصري، أعلنت الخارجية الإسرائيلية أنها تجري مشاورات بشأن القرار، ومن المقرر أن تعقد اجتماعا طارئا في وقت لاحق السبت، بمشاركة ممثلين عن وزارة الأمن ومجلس الأمن القومي. ووصف مصدر بالخارجية الإسرائيلية قرار مصر بأنه "مؤسف جدا لأن إسرائيل معنية بمواصلة العلاقات الجيدة مع مصر، وإسرائيل لن تعيد سفيرها من القاهرة لأن معنى هذه الخطوة خفض التمثيل بين البلدين وإسرائيل غير معنية بذلك". وهذه المرة الثانية التي تسحب فيها مصر سفيرها من اسرائيل منذ توقيع اتفاق السلام في 1979،. بعد أن استدعته للمرة الأولى في نوفمبر 2000 احتجاجا على "الاستخدام المفرط للقوة" من قبل "إسرائيل" ضد الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية. غير أن الخارجية الإسرائيلية قالت إن تل أبيب لم تتلق أي بلاغ مصري رسمي بهذا الشأن، مضيفة أن الخارجية الأمريكية وجهات أوروبية أجرت من جانبها اتصالات مع مصر لاستيضاح طبيعة الامر، بينما أعلن مصدر سياسي إسرائيلي للإذاعة الإسرائيلية العامة، أن إسرائيل غير معنية باصابة رجال شرطة مصريين وأنها ستوضح ذلك لجميع الجهات ذات الشأن. من جانبه، حاول عاموس جلعاد رئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية تبرئة ساحة الإسرائيليين، قائلا إنه لا توجد أي نية لدى الدوائر الأمنية والجيش الإسرائيلي التعرض لقوات الأمن المصرية. وأضاف إن قوات الجيش كانت ترد بإطلاق النار على "مخربين" قتلوا قبل ذلك مدنيين اسرائيليين وكانوا ينوون قتل عدد آخر منهم، مضيفا أن حكومته لم تتلق أي طلب مصري بشأن إعادة النظر في معاهدة كامب ديفيد، واصفًا العلاقات معها بأنها علاقات سلام تعتمد على التحاور المستمر وتعتبر ذخرًا استراتيجيًا بالنسبة لإسرائيل". وجاء ذلك في الوقت الذي أنحى فيه تسيبي مازائيل سفير إسرائيل الأسبق لدى مصر على إيران باللائمة وراء الهجمات الأخيرة بإيلات. وادعى في تقرير نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" أمس أن "هناك قاعدة إيرانية في سيناء تعتمد على مجموعات إسلامية متشددة وتقوم بتجنيد البدو بالسلاح وتفرض الرعب على المواطنين هناك"، مشيرا إلى تزايد الهجمات على أهداف سيادية في سيناء، وعلى رأسها خطوط أنابيب الغاز، قائلا إن "السيطرة المصرية على سيناء انهارت منذ إسقاط نظام حسني مبارك". واعتبر مازائيل أن الدليل على وجود تلك المجموعات ما حدث في أواخر يوليو الماضي حينما حاولت إسلاميون مزودون بعشرات السيارات من نوع الجيب والدراجات البخارية احتلال مدينة العريش حاملين لافتات مكتوب عليها "لا اله إلا الله " و"سيناء إمارة إسلامية" مستوحين طريقتهم من تنظيم "القاعدة". وأوضح أنه خلال الأيام الأولى من الثورة المصرية هرب من سجن المرج بشمال القاهرة أيمن نوفل وسامي شهاب القياديان ب "حماس" و"حزب الله" متهما المنظمتين اللبنانية والفلسطينية وحرس الثورة الإيراني بتهريب السلاح لقطاع عزة عبر السودان وسيناء، من خلال البدو. ونسب إلى مصادر اسرائيلية إن "حماس" نقلت عددا من عملياتها إلى سيناء لأن الجيش الاسرائيلي لن يهاجمها هناك، موضحا أن إسرائيل واقعة في معضلة كبيرة فمن ناحية تشاهد قاعدة إسلامية إيرانية تتأسس في سيناء وتهدد أمنها القومي، ومن ناحية أخرى تريد التعاون مع مصر لتحارب هذا التطرف، على حد قوله.