حينما أصدر القاضي قراره في قضية الضباط المتهمين بقتل الثوار في السويس بإخلاء سبيل الضباط قام أهالي الضباط بإطلاق "زغرودة" ..و "الزغرودة" هي ذلك الصوت الحاد الذي يخرج من الفم مع تحريك اللسان و هي تطلق في حالة الفرح..و لكن في نفس الوقت أطلق أهالي الشهداء صوتاً شبيهاً.. مع عدم تحريك اللسان و يطلق عليه إسم " النحيب" أو "الحسرة" و هو صوت يأتي عادة عند الصدمة وعند خيبة الأمل ..فقد تعودنا مثلاً أن تقوم المحاكم بتقديم المتهمين بالقتل إلي حبل المشنقة وهم علي ذمة الحبس الإحتياطي..و لكن يبدو أنه بعد الثورة قد تغيرت الأمور ...فأصبحت المحاكم تمنح القاتل حريته ولا تمنعه من أداء وظيفته لاسيما إن كان ضابطاً بالشرطة يمكنه حبس الشهود إن أراد أو تلفيق القضايا لهم ...و علي العموم لا ينبغي أن نعترض علي قرارات القضاء حتي ولو قرر إخلاء سبيل متهم بالقتل..و لكن من حقنا أن نسأل ..فهل يا تري سوف يقوم القضاء بإخلاء سبيل جميع المتهمين بالقتل من كل الأنواع و الأجناس حتي و لو كان القاتل هو المعلم "شلضم" زعيم عصابة الشرابية؟!..أم أن القاتل إذا كان برتبة بوليسية فهو يكون من النوع الذي علي رأسه "ريشة " كما أنه قد تم تحصينه ضد الحبس بل و يحضر هذا الضابط إلي المحكمة في زيه الرسمي ولا يتم وقفه عن العمل لأن القضاء و النيابة واثقين أن الضابط المتهم بقتل المصريين لن يعبث في الأدلة و لن يؤثر في الشهود و قد حدثتني نفسي التي تؤمن مع الأسف بنظرية المؤامرة و بالذات بعدما شاهدته عقب الثورة المصرية البيضاء ..و بعد أن أكرمت المحكمة السادة الضباط المتهمين بالقتل فإن الشرطة بذلك تكون قد فرضت شروطها و سوف تنزل إلي الميادين لحماية الناس و تأخذ معها العصا و البندقية والعين الحمراء..وأظن أن الضباط لن يجدوا دلعاً أكثر من ذلك .. علي رأي الست دي أمي " مين يلاقي الدلع و مايتدلعش"...فالشرطة كما تعلمون في ظل النظام السابق قد قتلت أكثر من أربعمائة معتقلاً خلال سنوات حكم مبارك..و النيابة العامة مر عليها نائب عام و أتي إليها نائب عام..و لم يحقق أحد في أي جريمة من هذه الجرائم ..ثم أن الشرطة قامت بتعذيب أكثر من ثلاثين ألفاً من المعتقلين ..و مر علي النيابة العامة نائب عام..و أتي نائب عام و لم يتم التحقيق في أي جريمة من جرائم التعذيب و بعد أن قامت الثورة كان الدلع أكثر مما كان فقتلت الشرطة المئات أمام أعين الناس و أمام الكاميرات و لكن الضباط لم يقبلوا أن يدخلوا حتي في دائرة الحبس الإحتياطي..فتم الإفراج عنهم اليوم 4-7 بعد أن أفرج عن زملائهم في الأسكندرية في الأسبوع الماضي "و محدش أحسن من حد" و هذا الإفراج يسمي إخلاء سبيل ..و هو يتم حينما تكون الأدلة ضعيفة..أو أن التحقيقات بها " كروته"..أو أن التهمة تافهه ..و أخيراً تعلمت درساً جديداً في القانون المصري... يقول هذا الدرس أنه إذا قتل ضابط في الشرطة مواطناً مصرياً عمداً مع سبق الإصرار و الترصد فإنها جريمة تافهه..ولا عزاء للثوار... واسمحوا لي إن أعود بخيالي إلي الوراء..قد كانت نيابة أمن الدولة تحبس الناس ستة أشهر كاملة بتهمة توزيع المنشورات التي تحض علي إزدراء نظام الحكم أو إزدراء الأديان..أو إزدراء " أي حاجة غير قابلة للأكل"..ثم كانت تسلمهم للمحاكم بعد ذلك..فكنا نشاهد الأبرياء وهم تحت ظلم الحبس الإحتياطي لأعوام متواصلة ولكن يبدو أن الحبس الإحتياطي بعد الثورة أصبح "دمه خفيف" فلا يزيد عن عدة أيام حتي ولو كانت التهمة قتل أبناء الشعب المصري .. أيها السادة إن بعض جرائم رئيس الدولة ووزير الداخلية و الآلاف الذين لم يقدموا للمحاكمة و مئات الضباط الذين قتلوا الأبرياء في السجون و عذبوا الآلاف من المعتقلين..و أصابوا أكثر من خمسة آلاف منهم بالعاهات المستديمة..فضلاً عن جرائم سرقة مصر كلها..بنيلها و غازها الطبيعي ومصانعها والآلاف من أصحاب المناصب الذين زوروا الأوراق الرسمية في الإنتخابات و المئات من أعضاء اللجان المشرفة علي الإنتخابات الذين زوروا بالصمت أو بأيديهم نتائج الإنتخابات ..كل هؤلاء كانوا يستحقون عشرة إعدامات ..بعضها فوق بعض ...ولكن مع ذلك لم يقدم منهم إلا أفراداً علي سبيل "العينة" و حتي هؤلاء الأفراد تم إخلاء سبيلهم ..في مأتم يستحق معه أن نقف لإسترداد ثورتنا.. و بهذه المناسبة فيروي أن المحاكم المختلطة قبل ثورة 1952 كانت تقضي بالبراءة للمتهم الإنجليزي حتي ولو كان في جريمة قتل..و تحبس المواطن المصري حتي و لو كانت جريمته مخالفة زراعية .فلما نادي الحاجب علي أحد الفلاحين الفصحاء سأله القاضي عن إسمه..فقال له الفلاح الفصيح: " مخمد خسنين يا خبيبي" و يحيا العدل و عجبي