المجلس الوطني للاعلام ليس اختراعا مصريا فقد سبقتنا اليه دول كثيرة وهو ضرورة لتنظيم مهنة الاعلام في الدولة المصرية بعد ان طال امد حالة الانفلات واصبحت الساحة الاعلامية متاحة ، مباحة لكل احد ..!! في ظروف صعبة تمر بها البلاد . وقد رأينا تعبيرا واضحا عن مخاوف الاعلاميين قد تمثل في تلك الاجتماعات السريعة المتعجلة التي سمعنا عنها في الصحف السيارة وشارك فيها ثلة من الاعلاميين المخضرمين مثل السيد حمدي قنديل والمهندس اسامة الشيخ والاعلامي عصام الامير رئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون ومحمد الامين أحد كبار ملاك عدد من القنوات الخاصة واخرون وذلك في محاولة لاعداد مشروع قانون للمجلس الوطني للاعلام قبل انعقاد البرلمان القادم وقطع الطريق علي اية جهة رسمية او غير رسمية للنظر في ملف اعلام الدولة المصرية !! . كما لمسنا قلقا لدي صناع القرار في مصر من حالة الاستقطاب الحادة التي يرفع وتيرتها بعض السطحيين والسذج ممن تصدروا المشهد الاعلامي ، كما نلمس قلقا لدي القيادة السياسية من ذلك الانفلات الاعلامي الذي تمثل في اساءات متكررة من بعض جهلة مذيعي ومذيعات الفضائيات الخاصة الي المملكة المغربية ومن قبل شاهدنا اساءات بالغة نالت الجزائر من بعض معلقي المباريات الرياضية مما أضر بالعلاقات بين البلدين ومن بعد مع سفير اثيوبيا مما عرض المصالح العليا للبلاد للخطر فما الحال بعد الغاء وزارة الاعلام..!! لا شك في ان الغاء وزارة الاعلام خطوة نحو تحرير الاعلام المصري وان انشاء المجلس الوطني للاعلام يتجاوب مع ثورتين نادتا بحرية التعبيرولكن كيف نجعل الاستحقاق الدستوري واقعا ؟؟ وكيف نجعل المجلس الوطني معبرا عن جموع المصريين واطيافهم ومعبرا عن التنوع وضمانة لحرية التعبير وحماية للاعلاميين وصونا لمصالح الدولة ؟؟ تلك هي المعادلة التي يجب ان نتحاور حولها كاسرة اعلامية وكيف نجعل للمجلس الوطني للاعلام دورا في ضبط علاقات الاعلام بجمهوره وبالسلطة السياسية أيضا وهو أمر تعرفه كل الدول المتقدمة والمتخلفة علي سواء فقد سبقتنا في انشاء مجلس وطني للاعلام دول عربية مثل : المغرب والاردن والامارات ودول غربية مثل فرنسا والمانيا وكندا وغيرهم كثير. اذن نحن لم نخترع العجلة انما نتحسس الطريق نحو بناء دولة عصرية حديثة تحمي حرية التعبير وترقي بالمنتج الاعلامي وتنقي الساحة من الدخلاء وهذا سر اهتمام الدساتير المصرية بتنظيم المهنة وحرصها علي حماية حق التعبير وتحريره من اية وصاية . ولهذا نص الدستور الحالي علي انشاء المجلس الوطني للاعلام وهيئتين قوميتين واحدة للاذاعة والتليفزيون والثانية للصحافة لمعالجة تشوهات لحقت بالساحة الاعلامية .. غير ان طريقة انشاء هذه الهيئات تركها الدستور للقانون ولم يرسم لنا كيف نبني هذه المؤسسات .. وهنا موطن الخطر الحقيقي حيث وجدنا كل ( شلة) حاولت تفصيل قانون علي مقاسها وكالمعتاد انقسمت الاسرة الاعلامية علي نفسها ونصب بعض اطياف اليسار من انفسهم اوصياء علي الاعلاميين وسمعنا عن اجتماعات ومناقشات تصب في اتجاه واحد وكأن مصر هي فقط هذا الطيف او ذلك التيار . ان قيمة وقوة الاعلام المصري بل والنسيج الوطني المصري كله نابعة من ذلك التنوع التي يتميز بها المجتمع المصري والنظام الإعلامي الذي يعبر عنه حيث يعكس (تعددية سياسية و اقتصادية و ثقافية و دينية ...الخ). باختصار: تنظيم الإعلام بحاجة الي رؤية مجتمعية تشارك فيها كل الاطياف والتيارات دون اقصاء لأحد من أجل حماية التنوع في وسائل الإعلام وتعزيز (أو ضبط) جودة المحتوى الإعلامي وحماية مصالح البلاد وحماية الاعلامي نفسه من اغراءات تجعله اسير توجه واحد !! وبمتابعة التشريعات والاجراءات والقواعد المنظمة للإعلام في العالم وبعد قراءة متانية لاحوال الدول التي مرت بها احداث مشابهة لما جري ويجري علي الساحة السياسية المصرية، امكن التوصل الي بعض تجارب الدول في هذا الشأن وسوف نتناول في مقالة قادمة تجارب الدول في تنظيم الاعلام وانشاء المجالس حتي نعثر من بينها علي ما يناسب الحالة المصرية إننا نحذر من مخاطر الاعتماد الكلي علي المجلس الوطني للاعلام وننسي تفعيل التنظيم الذاتى والمحاسبة الذاتية لدي الاعلاميين المصريين الي جانب سلطة القانون لأن عدم الاستمساك بمواثيق الشرف مثلا سيفتح الباب لتدخل غير المتخصصين لوضع قواعد وقوانين للصحافة والإعلام بما يهدد المهنية والحرية بل يعرض عمل الصحفيين والإعلاميين وكل العاملين فى مؤسسات إعلامية للخطر وللمقال بقية .
* أستاذ الاعلام بجامعة المنيا رئيس جمعية حماية المشاهدين والمستمعين والقراء