دعوت الأسبوع الماضى من هذا المكان إلى تشكيل لجنة أو هيئة من خبراء الإعلام لضبط الأداء الإعلامى من خلال وضع كود أخلاقى للمهنة، يحمى الجمهور من هذا الإنفلات وهذه التجاوزات الإعلامية . وفى اليوم التالى قرأت خبرا أسعدنى فى البداية عن إطلاق ثلاثين من الإعلاميين والمثقفين لمبادرة تسمى " المبادرة المصرية لتطوير الإعلام " ، ومضيت أقرأ فوجدت كلاما طيبا ، فهى مبادرة لتطوير الإعلام ، وتهدف إلى إزدهار " صناعة الإعلام " ، وتقويم أدائه ، وحماية مصالح الجمهور من " إنحيازاته وإنفلاتاته " . وكانت الصدمة عندما وصلت إلى نهاية الخبر حيث الأسماء الموقعة على هذه المبادرة ، وكان لسان حالى يقول : إزاى؟! " ، فالأسماء تضم بين ما تضم بعض المذيعين والمذيعات من فضائيات مختلفة بعضها يثير الجدل ، وبعضها مثير للشبهات ، وتضم أيضا مديرى بعض الفضائيات ، وبعض الشركاء فى ملكية بعض الفضائيات ، ومن هؤلاء من إكتسب خبراته وثرواته من خلال عمله مع قيادات الإعلام فى النظام السابق وعلاقاته بهم ، بينما تضم الأسماء قلة ممن يطلق عليهم خبراء الإعلام .. وعدت إلى قراءة الخبر مرة أخرى وفى ذهنى تلك الأسماء فتوقفت عند بعض النقاط المطروحه : الإعلان خلال أيام عن وضع مسودة لهيكل تنظيمى للإعلام الإذاعى والتلفزيونى يعرض على مجلس الشعب .. فإن كنا جميعا نريد إلغاء وزارة الإعلام وإعادة هيكلة الإعلام المصرى ، فكيف لطيف واحد من أطياف هذا الإعلام أن يعطى لنفسه حق إقتراح هذا الهيكل الجديد مقصيا بقية الأطياف . إقتراح لقانون هيئه وطنية " مستقلة " للإعلام المسموع والمرئى يعمل تحت مظلتها ويلتزم بقواعدها الإعلام العام والخاص .. فكيف لكم وأنتم فى أغلبكم تمثلون الإعلام الخاص وتوجهاته ومصالحه أن تقترحوا قانون عمل للإعلام العام ، وإن كنتم تقصدون بكلمة " مستقلة " أنها لاتنحاز للحكومة ، فهى أيضا يجب ألا تنحاز إلى الإعلام الخاص الذى تمثلونه . إقتراح أطر لحماية مستهلكى صناعة الإعلام ، وتوفير الحماية للإعلاميين من تحكم رأس المال وبطش السلطة .. فكيف لكم وأنت تمثلون عناصر الإنتاج ورأس المال فى هذه الصناعة أن تضعوا أطار حماية للمستهلك ، وأى إعلاميين هم الذين ستوفرون لهم الحماية من تحكم رأس المال ، وأنتم فى أغلبكم مكلفون بحماية رأس المال والعمل على تعظيم أرباحه . المقترح المطروح بحكم أغلبية الأعضاء الموقعين عليه لايمثل مبادرة إصلاح وتطوير بقدر ما يمثل " إتحاد " يضم القائمين على صناعة الإعلام الفضائى الخاص ، ومن ثم فهو تجمع سيسعى بالضرورة إلى الحفاظ على مصالح الموقعين عليه ، ومصالح أصحاب رؤوس أموال فضائياتهم ، وإلا فماذا سيحدث لوتعارضت مصالح فضائياتهم مع مصالح الجمهور ، وإلى أى طرف سينحازون ، بل وكيف لمدير إحدى الفضائيات أن يحاسب " بحكم عضويتهما بالمبادرة " مدير فضائية أخرى فى حالة حدث تجاوز فى ظل العلاقة المتداخله والمتشابكة بين أصحاب الفضائيتين ، وكيف لأعضاء تلك المبادرة أن يكشفوا لنا مصادر التمويل الحقيقية لبعض الفضائيات الجديدة وبينهم شركاء ومديرين لهذه الفضائيات ، وكيف لهم أن يبرروا لنا ما يفعله " ميردوخ " المصرى من سعى لشراء أسهم فى معظم الشبكات القائمه ، فهل لأعضاء المبادرة القدرة على الإجابة على هذه التساؤلات ؟ وبإختصار شديد : كيف لهم أن يكونوا " خصما وحكما " ؟! إن الإعلان عن هذا الموضوع لم يكن فى شكل فكرة تطرح للنقاش من أهل المهنة ، فيتم تنقيحها وبلورتها فى شكل مبادرة وطنية حقيقية تعبر عن الإعلاميين بكافة إنتماءاتهم ، ويلتف حولها أهل الإعلام الحكومى والخاص ،فتلقى التأييد وتحقق الإجماع المطلوب ، ولكن كان الإعلان فى شكل مبادرة تم إقرارها بالفعل من الموقعين عليها بل وتم توزيع إختصاصات العمل فيما بينهم ، ومن ثم فمن يريد الإنضمام إليها عليه القبول بما تم إقراره ، فلماذا هذا التعجل من جانبكم ؟ ولماذا هذا الإقصاء للشركاء الآخرين فى المهنة ؟ إن النتيجة الحتمية لهذه الخطوة هى خطوات عديدة مماثلة ، بمعنى إننا سنجد مبادرات مماثلة كل منها يعبر عن فئة إعلامية محددة ولكنها ستدعى التمثيل الكامل للإعلام ، ومن ثم تتعد المصالح الضيقة على حساب المصلحه العامة للمهنة وأهلها ، هذا التعدد والتشتت سيهدرالجهود ويعظم الخلافات فتتقلص وتتضاءل الفوائد المرجوة . إن الإعلام المصرى فى الظرف الراهن أحوج ما يكون إلى هيئة مكونة من خبراء المهنة ، من المشهود لهم بالكفاءة ، ومن يتسمون بالحيدة والموضوعية والنزاهة ، ومن الذين لايرتبطون بأى مصالح مع مؤسسات الإعلام العام أوالخاص ، ومن الذين هم فوق مستوى الشبهات ، تقوم هذه الهيئة بوضع إطار عام للعمل الإعلامى المرئى تحديدا ،وتقترح قانونا لتنظيم عمل الفضائيات الخاصة بدءا بشفافية رأس المال ، ووصولا لسبل التصدى للإنفلات الإعلامى ، والتجاوزات الإعلامية بحق الفرد والمجتمع . فهذه الهيئة لابد لها ان تكون بمثابة إطار لتنظيم هذه الصناعة ، وأداة للرقابة على منتجاتها ، وضمانا لحماية مستهلكيها . كما تتولى هذه الهيئة بعد إستطلاع كافة الأراء والإطلاع على التجارب المماثلة مهمة إعادة هيكلة الإعلام الحكومى ممثلا فى إتحاد الإذاعة والتلفزيون ، والهيئة العامة للإستعلامات وكافة مكونات وزارة الإعلام . ياليت أصحاب صناعة الإعلام يركزون على حماية مصالحهم من خلال إتحاد يضمهم ، وهذا حقهم ، كشأن أصحاب صناعات عديدة ، وليتركوا غيرهم من غير أصحاب المصالح يركزون على أدوات ضبط الأداء وتقويمه وسبل حماية المستهلك .