الذي يحدث حاليا في الساحة الكروية يدعونا إلى أن نطالب بإيقاف الدوري الكروي المصري قبل أن نجد أنفسنا ذات يوم أمام كارثة رياضية وفتنة شعبية قد تشهد سقوط قتلى وجرحى من مشجعين متعصبين يبحثون عن بطولة كروية لا قيمة لها في مرحلة نسعى فيها لبناء وطن جديد. فنحن نشهد حربًا إعلامية كروية وهتافات عدائية وتصريحات نارية لمسئولين كرويين تشير إلى أن القادم سوف يكون أسوأ وأنهم بعيدون تمامًا عن روح وفكر الثورة ولا زالوا يصرون على أن تكون كرة القدم هي ملهاة للشعوب بدلاً من أن تكون نوعًا من الرياضة النظيفة التي تسمو بالنفوس في إطار من التنافس الشديد. ولقد وصل الأمر إلى حد حشد الجماهير للاحتجاج والغضب والتظاهر وهو ما أنعكس في سلوكيات هوجاء ترفض الهزيمة في مباراة وتعتبر ذلك نوعًا من المؤامرة والتآمر ضد فريقها وتعتقد أن من حقها الحرب والنضال للحصول على ما تعتقد أنه حقها المشروع. ويساهم في إذكاء نار الفتنة الكروية عدد من المحللين والمعلقين الرياضيين الذين أصبحوا من الإعلاميين ومن قادة الفكر والرأي أيضًا والذين بتعصبهم البغيض ومصالحهم الشخصية ومكاسبهم المادية الهائلة لا يتورعون عن إشعالها نارًا لكي يفوزوا بتصفيق الجماهير وإعجابهم على حساب المصلحة الوطنية وسلامة المجتمع. ويزيد من الفوضى الكروية والرياضية اتحادات هزيلة أدمنت التراجع أمام الأصوات العالية وأمام الأحزاب الكروية ذات التأثير والنفوذ والمتمثلة في الأندية ذات الشعبية والتي تبحث عن بطولة كروية تعزز بها مواقعها وتضمن بها البقاء. ويقينًا فنحن في مرحلة لا تتحمل كل هذا التهريج والمزايدات، فنحن نعيش فراغًا أمنيًا لازال مستمرًا يمكن منه ومن خلاله أن تتحرك قوى الثورة المضادة لتزيد من حجم العواقب السلبية وهدم ما تحققه الثورة التي باتت خطرًا على مصالح المستفيدين والمتاجرين باهتمامات الناس ورغباتهم. ولن يخسر المجتمع كثيرًا إذا ما توقفت المسابقة الكروية عند هذا الحد لتوفير كل هذا الجهد الذي يبذل من أجل إتمامها والمتمثل في حالة الطوارئ الأمنية التي تصاحب كل مباراة والتي يتم فيها حشد رجال الأمن والجيش لضمان أن تمر بسلام. وإذا كنا قد أوقفنا مؤقتا المهرجانات السينمائية والفنية لانشغالنا في معركة البحث عن الذات واكتشاف مكنونات الشخصية المصرية من جديد في مرحلة إعادة البناء، فإن الأمر ينطبق أيضًا على البطولة الكروية التي أصبحنا نستورد لها حكامًا من الخارج علي حساب حكامنا المحليين الذين لا يجدون أي مساندة أو تقدير أو دعم، وكأن تأمين هذه المباريات وتوفير الدعم المادي لها أهم من التفرغ للقضاء على العشوائيات والتي ظلت عقودًا طويلة بلا أمل في إيجاد حلول لها. ولقد كان للرأي العام كلمته في ذلك عندما لم يشعر أحد بالحزن أو الأسف لخروج الفريق القومي من تصفيات أفريقيا وحيث شعر الناس بحالة من الارتياح لأن كرة القدم لم تعد مشروعًا قوميًا تلتف حوله الأمة، ولأن الناس قد شعروا أن هؤلاء اللاعبين ومدربيهم قد حصلوا علي أكثر مما يستحقوا من تقدير ومزايا جعلت منهم طبقة أخري بعيدة عن معاناة وهموم الأغلبية الساحقة. والأمل يحدونا في أن تكون هناك وقفة صارمة تجاه الذين حولوا الرياضة إلي ساحة للمعارك وتهييج الجماهير، وقيادتها إلى العنف والخروج عن الروح الرياضية وذلك بالشطب أو الإيقاف لكي يمكن أن تستمر المسابقة الرياضية إذا كان ذلك ضروريا وإذا كانت هذه رغبة الذين يعتقدون في ضرورة استمرار المسابقة الكروية من أجل البطولات والمسابقات الخارجية. إن ما سمعناه من هتافات للجماهير المتعصبة، وما قرأناه عن خطوات متطرفة لبعض مجالس إدارات الأندية تهدد بالانسحاب من المسابقة الكروية وتدعو الجماهير إلي تأييد مواقفها لا يعني إلا أن المناخ الكروي أصبح مسممًا وملئ بالقنابل القابلة للانفجار عنه أي مواجهات قادمة لا يعتقد البعض أنها تقبل الخسارة. إننا نعيش أجواء مرحلة لا تتحمل هذا النوع من المراهقة الكروية التي تتلاعب بعقول شبابنا وتدفعهم إلي الغضب والعنف، وهي مرحلة يجب فيها التركيز علي الأولويات المتعلقة بتحسين مجالات الخدمات التعليمية والصحية والارتقاء بمختلف المرافق من اجل تنمية بشرية مستدامة تعيد للمواطن المصري إحساسه بكرامته وقيمته ومكانته في الداخل والخارج، ولن يكون هذا بالتفرغ لتشجيع كرة القدم أو بتحقيق بطولة الدوري العام وإنما سيكون بالاستخدام الأمثل لإمكانيات المجتمع وتوظيف طاقاته من اجل التقدم والإنتاج لتحقيق الرخاء الذي طال انتظاره..! لقد شاهدت جمهورا من " الألتراس " العراة الذين وقفوا في المدرجات يرقصون ويرددون هتافات في جنون عند الفوز بمباراة وتساءلت هل سمع هؤلاء عن الثورة التي ضحي من أجلها شباب طاهر نذر نفسه لقضية الوطن..وهل يدرك هؤلاء معني الثورة وما يمكن أن تحققه لهم وبهم..ولم أجد إجابة إلا أن كل شئ علي ما يبدو يعود لسابق عهده لأن هناك من ظلوا في مواقعهم في مجالات عديدة..وهم لا يؤمنون بالثورة والتغيير..أو لا يسعون إلي بذلك..وهذه هي الثورة المضادة التي لازالت قائمة..وفي الملعب..! [email protected]