"الديمقراطية تعليم وتعلم.. وفي الممارسة الديمقراطية تجري عملية التمثيل النيابي من خلال الانتخابات، وإذا استطاع أي شخص منتخب سواء كان رئيس دولة أو نائباً في البرلمان أو حتى عضو في اتحاد الطلبة أن يخدع الناخبين بكلام معسول ومبادئ براقة وصورة زائفة جعلتهم يثقون به ويمنحونه أصواتهم، ثم أثبت خلال ممارسته النيابية في الدورة الانتخابية أنه مخادع وغير ملتزم، ولم يحقق مصالح الفئة التي انتخبته، فإنهم يستطيعون تعديل اختياراتهم خلال الانتخابات التالية، بإستبعاد هذا الشخص المخادع والبحث عمن هو أكثر تحقيقاً لأحلام وطموحات ومصالح هذه الفئة.. وقد تأخذ عملية التعليم والتعلم فترة قصيرة أو تستغرق سنوات طويلة حتى يصبح لدى الشعوب والأفراد وعي ونضج سياسي وتشبع بالممارسة الديمقراطية، فينتخبون من المرة الأولى الشخص الأصلح لتمثيلهم. والتطبيقات الديمقراطية متفاوتة في عالمنا المعاصر من قارة إلى أخرى، ومن دولة إلى دولة، ومن فئة إلى فئة، في الدولة نفسها، حسب المستوى الثقافي والتعليمي والاجتماعي. وفي الرياضة وكرة القدم بالذات يتفاوت تطبيق الديمقراطية بين القارات والدول، وربما نجد الغش والاحتيال والخداع في أسوأ صوره عند ممارسة الديمقراطية في العديد من اتحادات كرة القدم في الدول والقارات وحتى الفيفا نفسه، حيث يكثر الطنين والدعاية عن الديمقراطية في الفيفا، بل ويفرضها هذا الاتحاد الدولي بشروط متعسفة على الاتحادات الأهلية في الدول حتى تلك التي تعيش في ظل أنظمة سياسية غير ديمقراطية بالمرة، بينما المتابع لأحوال جمهورية الفيفا وديناميكية القرار في دهاليزها ولجانها وإداراتها، يتأكد بشكل قاطع أن النظام في هذه الجمهورية غير ديمقراطي بالمرة، بل إنه ديكتاتوري وشمولي وعلى رأسه الديكتاتور بلاتر! والسؤال الاستنكاري الذي لا أنتظر إجابة له عند أحد.. هل تسمعون عن أي رأي معارض لبلاتر داخل منظومة الفيفا ؟ وهل يستطيع أي موظف في الفيفا أو عضو في لجانه بداية من اللجنة التنفيذية وحتى أصغر لجنة فرعية أن يجاهر بوجهة نظر معارضة لبلاتر؟! والأنكى من ذلك أن الممارسة الديمقراطية في أبسط صورها ممثلة في اجتماعات الجمعية العمومية للفيفا المكونة من الناخبين أصحاب الأصوات الذين انتخبوا ممثلين لهم لإدارة شؤون الكرة العالمية في الفيفا، هذه الاجتماعات ليس فيها من الديمقراطية شيئاً ، وبدلاً من أن تجد بعض الملاحظات والآراء المعترضة على القرارات والسياسات والمحاسبة الدقيقة عن الشؤون المالية والاستراتيجية والإدارة ، تجد الصمت والخنوع والخوف من الكلام أو إبداء الرأي سواء بالسلب أو الإيجاب، لأن الجميع متحفظون من تسلط بلاتر وسلطاته غير المحدودة ويخشون غضبه أو سخطه حتى لا تنقطع الإعانة المالية السنوية المرصودة لكل اتحاد وقدرها 250 ألف دولار.. وبالطبع ، فمن دون هذه الإعانة قد تتوقف الحياة تماما في أغلب هذه الاتحادات، ورغم أن هذه الإعانة تأتي من أرباح الفيفا ورأسماله واستثماراته وإيراداته من الرعاية و بيع حقوق بث مباريات كأس العالم، فإن أعضاء الجمعية العمومية يشعرون وكأنهم يأخذون منحة من جيب بلاتر!! الجميع إذن يشعرون بغياب الديمقراطية بمعناها الحقيقي وليس الصوري القائم على الشعارات والتصريحات والثرثرة أمام الميكروفونات في المؤتمرات الصحفية.. وتنتهي الجمعيات العمومية للفيفا دائماً بالتصفيق والهتاف والتأييد والمبايعة لبلاتر حتى آخر يوم في حياته.. أليست هذه صورة من صور ديكتاتوريات العالم الرابع والخامس وليس الثالث.. وللأسف هذه الصورة أصبحت كربونية في معظم الاتحادات القارية وبالذات في آسيا وأفريقيا.. كلهم يقلدون العم بلاتر.. ولذلك فإن أحداث الجمعية العمومية الأخيرة للاتحاد الآسيوي في كوالالمبور وما شهدته من محاسبة دقيقة للجنة التنفيذية للاتحاد خلال اجتماعاتها، وكذلك المنافسة الساخنة الشرسة في انتخابات مقعد اللجنة التنفيذية للفيفا عن غرب آسيا وفوز محمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي بصعوبة شديدة وبفارق صوتين على منافسه الشيخ سلمان بن إبراهيم، هذه الجمعية تبشر بعهد جديد في ديمقراطية كرة القدم لكي تحل بصورتها الحقيقية في تنظيمات واتحادات اللعبة في العالم.. هذه الصورة نرجو أن نشاهدها بكل تفاصيلها في كونجرس الفيفا المقبل وفي كونجرس الاتحاد الأفريقي وباقي الاتحادات في كل القارات.. آن الأوان لديمقراطية حقيقية في كرة القدم وليس الديمقراطية الشكلية المبنية على الابتزاز والتخويف والضغوط والتصفيق الحاد وكلمة" موافقوووون" ! **هذا المقال ليس جديدا ، بل هو مقال سابق لي ونشرته في مايو عام 2009 ، في مجلة سوبر الاماراتية ، عقب كونجرس الاتحاد الآسيوي وانتخابات عضو اللجنة التنفيذية عن قارة آسيا ، بين محمد بن همام والشيخ سلمان بن ابراهيم ، وكنت اركز علي الديمقراطية الماسخة المشوهة المزعومة في الفيفا ، وبين ارهاصات الشكل الجديد لديمقراطية وليدة في الاتحاد الآسيوي .. ووقتها لم يكن بن همام يفكر في التقدم لانتخابات رئاسة الفيفا ، ولكني كنت أتوقع للمستقبل وأظن بحدس الناقد، ان العالم بكل قاراته سيرحب ببن همام القادم من المنطقة العربية كحامل لمشعل الديمقراطية الجديدة في مقر الفيفا ، لينتهي عهد "ديمقراطية موافقوووون" وسيطرة بلاتر الحديدة علي الجمعية العمومية للفيفا .. ولكن يؤسفني - من المتابعة العميقة للحملة الانتخابية الرئاسية للفيفا – أن أؤكد أن الديكتاتور الناعم والداهية الساحر صاحب الابتسامة التي تخفي ورائها جبالا من المكر والخداع ، لم يقبل اللعب بروح رياضية خلال حملة انتخابات رئاسة الفيفا الحالية ، واستطاع رويدا رويدا، ومن خلال عمليات الضرب تحت الحزام والتحالف مع الحرس القديم في الاتحادات القارية شركاء الفساد والمتورطين فيه وإن كانوا لم يدانوا بشكل رسمي حتي الان – استطاع ان يسحب البساط من تحت أقدام ابن جلدتنا العربي محمد بن همام ، ويطارده في كل مكان بالعالم ، لكي يسرق أصواته ويخطف مؤيديه ويضرب معاقله وآخرهم الاتحاد الافريقي ، الذي ذهب بن همام لخطب ود جمعيته العمومية بالقاهرة وجلس عدة أيام للتنسيق والتربيط ، ثم فوجيء مساء اليوم الاثنين بقرار للجنة التنفيذية للكاف يعلن عن تأييد العجوز بلاتر ، في خطوة جديدة تزيد الحصار والاحباط والتخاذل العالمي مع بن همام ! عز الدين الكلاوى رئيس تحرير موقع كوورة