«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجذور التاريخية والدينية للأطماع الإسرائيلية في المياه العربية
أرضك يا اسرائيل من الفرات إلى النيل:
نشر في المصريون يوم 15 - 06 - 2014

تذْهَب الدراسات الإستراتيجية المتخصِّصة في قضايا الصراع الشرق الأوسط إلى: أن مستقبل الصِّراع سيكون حول الموارد ا لمائية، وأن النفط رغم أهميته الحيويَّة – فإن الماء سيَفُوقُه أهميةً؛ حيث سيؤدِّي ذلك إلى نهج سياسات للتحكُّم في مصادِرِ المياه، وستَدُور بسببِه صِرَاعَات، وربما حُرُوب عديدة.
فالجديد في قضايا الصراع في منطقةالشرق الأوسط،يَرْتَبِط بالبُعدالمائي للصِّرَاع العربي الإسرائيلي، وانعكاسات ذلك على المِنْطَقة العربية مستقبلاً،وبالتالي سيكون البعدالمائي وجهًاآخرمن أوجه الصراع بين العرب وإسرائيل[1].
إن المِنْطَقة العربية بدأت تدقُّ ناقوسَ خطرِنُدرةِ المَوَارد المائية،كما تَسْعَى جهاتٌ غيرُ عربيةٍ بالتخطيط للتحكم في هذه الموارد المائية بالقوة، وأحيانًا بالتفاهم المتبادَل،وماالصراع العربي الإسرائيلي إلا تعبير عن صراع من أجل الاستيلاءعلى الماء قبل الأرض،ومنذاحتلال إسرائيلَ للأراضي العربية في "يونيو 1967"،وهي تُمَارسسياسةالاستيلاء والسَّيْطَرة على المياه العربية في: الجُولان بسوريا،ونهر الأُرْدُن بالأُرْدُن، ونهر "الليطاني" بلبنان،ونهبها كذلك للمياهِ الجوفية في الضفة الغربية وقطاع غزَّة، كما تسعى إلى مد فرعِ نهرِالنيلِ إلى صحرائها بالنقب
إن المخططات المائية التوسعيةلإسرائيل تعود في أصلهاإلى ماقبل نشأةِ دولة إسرائيل؛ فهي تَعْتَبِر التحكم في مصادر المياه العربية جزءًا من أمنها القَومِي لبناء دولةِ إسرائيل العظمى ،فحين نَجِدغياب صحوة إستراتيجية عربية لصدهذه المخطَّطات ؛نتيجةانشغال العرب (حكام ) بنزاعاتهم العربية – العربية والصراع على اخضاع شعوبهم وتركيعه ،وإهمال القضاياالمصيرية.
وارتباطًا بماتمَّ ذكرُه سوف نحاول أن نَدْرُس انعكاسات الأَطْمَاع المائية الإسرائيليةعلى الأمن القَومِي العربي،على أساس أن الأمن المائي عنصرٌ أساسيٌّ من عناصر الأمن القَومِي العربي في مواجهةالأمن القَومِي الإسرائيلي؛لماسيكون لهذاالبعدالحيوي من دَوْر حَاسم ٍفي تحديد مستَقبل ِالصراع العربي الإسرائيلي.
أولاً: الجذور التاريخية:
لقد كان "لتيودور هِرْتِزل" - مؤسس الصِّهْيَوْنية العالمية - الفضلُ والدَّوْر البارز في الربط بين فكرة الوطن والماء، وزرع هذه القناعة في المدركات اليهودية الفكرية؛ لإقامة دولة إسرائيل الكبرى، وعن طبيعة وحدود الدولة التي يتوقعها "هِرْتِزل"، يقول - في رده على الإمبراطور الألماني -: "لقد سألني الإمبراطور الألماني أيضًا عن الأرض التي نريد، وعن حدودها، وما إذا كانت ستمتَدُّ شمالاً حتى بيروت، أو أبعد من ذلك، ولكننا سنطلب ما نحتاجه.
إن المساحة تزداد مع ازدياد عدد المهاجرين، علينا أن نطل من البحر؛ بسبب مستقبل تجارتنا العالمية، ولابد لنا من مساحة كبيرة للقيام بزراعتنا الحديثة على نطاق واسع، إن إسرائيل التي نريد هي إسرائيل سليمان وداود".
وفعلاً قامت إسرائيل لاحقًا - وبعد تأسيسها - بتنفيذِ ما أعلنه "هِرْتِزل" على أرض الواقعِ، وفي هذا الصدد جَرَت محاولات من "هِرْتِزل" لشراء الأراضي، وأبرز هذه المحاولات كانت إِثْرَ بَعْثِه لوفدٍ يهوديٍّ إلى مصر عام 1903 لشراء صحراء سَيْنَاء؛ لتكون الممر المؤدِّي للحصول على مياه نهر النيل.
نشير إلى أن ضخَّ مياهِ النيل لإسرائيل تكرَّر عدة مرات، وكان آخرها وأخطرها في عهد "أنور السادات" عام 1980.
وتضم هذه البَعْثَة الكولونيل "ليوبولد كسلر"، والمهندس البريطاني "جورج ستفنس"، والمهندس "سوسكين"، والدكتور "هيليل بوف"، و"أوسكار مرموك" زعيم صهيوني بالنمسا[2].
- في عام 1831 تمَّ تأسيس "الجمعية الملكية الجغرافية البريطانية لدراسة الطبيعة المناخية والجغرافية للمستعمَرات البريطانية"، وتحوَّلت إلى هيئة لخدمة اليهودية، بعدها أُنْشِئ البنك المالي اليهودي، وتمخَّض عنه مؤسسات مالية أخرى، أهمها: "صندوق اكتشاف فِلَسطِين"، الذي تعاقد مع "الجمعية الجغرافية البريطانية لدراسة مناخ وجغرافية بلاد الشام".
بينما في عام 1861 دعا الحاخام "تزئي هيرش" إلى إظهار "جمعية استعمار فِلَسطِين"، وإقامة أول مدرسة زراعية يهودية في فِلَسطِين عام 1870، تُدْعَى مكيفة إسرائيل، بالتعاون مع "الاتحاد الإسرائيلي العام - اليهودي - الفرنسي.
- وأثناء انعقاد المؤتمر الصِّهْيَوْني الأول عام 1897، تم التنصيص على دَعْم الهجرة إلى فِلَسطِين؛ للحصول على امتيازاتٍ زراعيةٍ وتِجَارِيةٍ، والسيطرة على الأراضي، وتم تأسيس أول مستعمَرة يهودية في فِلَسطِين، تُدْعَى: "بيتح تكفا - عتبة الأمل"؛ فكانت أرض "مَرْج ابن عامر" أوَّلَ أرض اشتراها اليهود في سهول الأراضي الفِلَسطِينية.
بينما في عام 1911 ادَّعى بعض اليهود المتديِّنين - من خلال بحثهم على الماء في بئر سبع -: أن هناك إشارات تَوْرَاتية تدَّعي أن المِنْطَقة مِلكٌ لهم، تعود إلى عهد النبي إبراهيم - عليه السلام - وأبنائه العبْرَانيِّين، ودارت حرب بينهم وبين ملك فِلَسطِين "ابيمالك" حول بئر الماء في بئر سبع.
وبين عامي 1920 و1930 طَرَد اليهود - بدعم من الانتداب البريطاني - عائلاتٍ عربيةً من أرض "مَرْج ابن عامر"، وإخراج 15500 عربي من أرض "وادي الحوارث"، و15000 عربي من أرض "الحولة"، واستمرت المحاولات والجهود اليهودية لإقامة مشروع وطن قَومِي يعتمد على منابع المياه، وفي هذا الصدد كتب "حاييم وايزمن" رسالة إلى وزير خارجية بريطانية بتاريخ 30 أكتوبر 1920، جاء فيها:
"تُدْرِكون أهمية "الليطاني" الكبرى لفِلَسطِين، فلو تأمَّنت لها جميعُ مياهِ الأُرْدُن واليرموك؛ لن تَفِي بحاجاتها، وإن صيف فِلَسطِين حارٌّ جدًّا، وتبخُّر المياه سريعٌ وكثير.
إن "الليطاني"، هو المصدر الذي يمكنه أن يؤمِّن المياه لرَيِّ الجليل الأعلى ... فإذا حُرِمت فِلَسطِين من مياه "الليطاني" والأُرْدُن واليرموك، لن يكون لها أيُّ استقلال اقتصادي".
وفي عام 1927 مَنَح المندوب السامي البريطاني في فِلَسطِين امتيازًا لليهودي الروسي "بنحاس روتبرغ"، يقضي بالاستثمار في المياه العربية لتوليد الكهرباء برأسمال يهودي ويد عاملة عربية، على أن يَستَفِيد اليهود من هذا الامتياز، وبالتالي استغلال اليهود المياه العربية بشكل مُطلَق.
ثانيًا: الجذور الدينية:
إن الرؤية الدينية لقيام دولة إسرائيل وحدودها، تستند في مرجعيتها الأساسية إلى الكتب الدينية المقدَّسة اليهودية المتشدِّدة، ويَبْقَى الحاخام "صموئيل إيزاكس" أحد المتشدِّدين في تحديدِ حدودِ دولة إسرائيلَ، في كتابه" الحدود الحقَّة الأرض المقدسة"، ويَصِفها في الإصحاح "34" من سفر العدد "1‐ 12" من العهدالقديم،وبهذا التحديد يهدف "إيزاكس" إلى تعيين الحدود التاريخية الصحيحة لدولةإسرائيل.
فالتوراة هي المَرْجِع الديني الأول في تشجيعِ الأطماعِ اليهودية في المياه العربية، فنَجِد في سطورِ صفحاتِ التوراةِ العديدَ من الإشارات والعبارات التي تُحَفِّز اليهودية للسيطرة على مناطق المياه العربية، وبِنَاء دولتِهم؛ لأن ذلك حَسَب مدركاتِ اليهود العقائدية واجبٌ دينيٌّ أولاً، وضرورة حياتيَّة ثانيًا، فهذه العبارات والإشارات الواردة في الكتب الدينية اليهودية ذاتُ طابعٍ عَدَائي مَحْضٍ تَحْمِله العقيدة اليهودية للمياه العربية.
ويمكننا ذكر بعضها:
"...لأن للسيِّد رب الجنود ذَبِيحة في أرض الشمال عند نهر الفُرَات".آرميا 46/10.
"أَعِدُّوا المِجَنَّ والتُّرْسَ، وتقدموا للحرب، أَصْقِلوا الرِّماح، البَسوا الدُّرُوع في الشمال بجانب نهر الفُرَات" آرميا 46/3 /6 /8 /27 /28.
"وجَمَع داود كلَّ إسرائيل من شيحور مصر إلى مدخل حماة" أخبار الأيام الأولى 13 /5.
"... قطع الرب مع إِبْرَام ميثاقًا، قائلاً: لنَسْلِك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى الفُرَات" التكوين 15/18.
الملاحظ في هذه العبارات التوراتية أنها تحمل عداءً دينيًّا للمياه والأرض العربية؛ حيث تبدأ الهجمة على المياه العربية من أول سِفْر في التوراة إلى آخر سِفْر، فالمَزَاعم التوراتية تدَّعي أن الإلهَ يَعدُهم بتأمين المياه لبني إسرائيل؛ لبناء دولتهم، وحرمان الشعوب الأخرى من هذه المياه، حتى تُصبِح دولة إسرائيل الأقوى، والشعوب الأخرى الأضعف[3].
الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية:
ترى العقيدة اليهودية أن بِنَاء دولتها الكبرى يبدأ من نَهْرَيْ النيل بمصر إلى الفُرَات بالعراق، تحت شعار: "أَرْضُك يا إسرائيلُ من النيل إلى الفُرَات".
أولاً: أطماع إسرائيل في مياه النيل والفُرَات:
تعود الأطماع الإسرائيلية في مياه النيل إلى بدايات القرن العشرين، ومع إحساسها بأن المياه ستكون مصدرًا للتوتُّر والنزاع، عَمِلت على إقامة تَنسِيقٍ وتعاونٍ مع الولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا المائية، وهذا التعاون مكمِّل للدَّعْم السياسي والعسكري الأمريكي لإسرائيل، وفي هذا الصَّدد تَرَى مصادر الأبحاث الإسرائيلية: أن نهر النيل هو المصدر المائي الذي يُمْكِنه حلُّ أزمة المياه مستقبلاً في إسرائيل، وهذا ما يشجِّع إسرائيل على تَوْطِيد عَلاقاتها مع الدول التي تَستَفِيد بشكل أساسي من نهر النيل، ولاسيما "مصر" و"إثيوبيا"، ففي منتصف السبعينيات ظَهَرت مقالاتٌ في الصحافة الإسرائيلية تدْعو إلى ضرورة شراء مياه النيل وتحويلها إلى النقب، وقد كان الرئيس المصري الراحل "أنور السادات" طرح فكرة مد مياه النيل إلى صحراء النقب في حالة تحقيق السلام الشامل والكامل مع إسرائيل، إلا أن الفكرة لم تنفَّذ بسبب معارضة الجَبْهَة الداخلية المصرية بقيادة وزير الري "عبدالعظيم أبو العطا"[4].
فمشروع نقلِ المياه من النيل إلى النقب ليس بجديد في الأوساط الإسرائيلية، فقد بَدَا الإعداد العَمَليُّ لذلك قبل طرح "السادات" لفكرته قبل خمسين عامًا، فبعد حرب أكتوبر نشر المهندس "اليشع كالي" مقالاً في جريدة معاريف بتاريخ 17/09/1978، قدَّم فيه مشروعَه بنقل مياهِ النيل إلى صحراء النقب، وقال: "إن مشاكل إسرائيل المائية يمكن أن تُحَلَّ - ولفترةٍ طويلةٍ - باستخدام واحد بالمائة فقط من مياه النيل، بحيث يبدأ المشروع بتوسيع قناة الإسماعيلية من القاهرة إلى قناة السُّوَيس لتصريف 30 مترًا مكعبًا من المياه في الثانية، ثم نقل المياه في أنابيب تحت قناة السُّوَيس بالقرب من الإسماعيلية، ومن هناك في قناة خرسانية إلى شمال الغربي، حتى تقترب من طريق "العريش القاهرة" عبر طريق "العريش غزَّة"، وصولاً إلى خان يونس، تتفرَّع القناة إلى فرعين: أحدهما يتَّجه إلى "غزَّة"، والآخر يتَّجه إلى النقب الغربي باتجاه "اوفكيم" و"بئر السبع"[5].
وبمناسبة مؤتمر "ارماند هامر" للتعاون الاقتصادي في الشرق الأوسط، والذي عُقِد في جامعة تل أبيب عام 1986، أُعِيد طرح فكرة نقل المياه النيل من مصر عبر صحراء سَيْنَاء إلى قطاع "غزَّة" وصحراء "النقب" في الصحف الإسرائيلية، والتي نشرت تفاصيل الموضوعِ في المؤتمر، أما التحرُّك العملي، فيتمثَّل في النشاط الإسرائيلي المكثَّف في دول حوض النيل بشرق إفريقيا، لاسيما في إثيوبيا التي تحصل مصر من مرتفعاتها المعروفة بالهضبة الإثيوبية على نسبة 75% من مياه النيل.
لم تَقَف الأطماع المائية الإسرائيلية عند مياه النيل، بل اتَّجهت إلى دول الفُرَات، والتغلغل داخلها، ومحاولة إشعال فتن الحروب؛ لمنع الدول العربية – لا سيما سوريا والعراق - من الاستفادة من مياه الفُرَات، وبدأ التغلغل اليهودي في تركيا منذ فرار اليهود الإسبان هربًا من الاضطهاد النصراني في الغرب، حتى أصبحوا جزءًا من المجتمع التركي، وهذا ما سيسمح لليهود بالسيطرة على مياه الفُرَات، بالإضافة إلى إمكانية توظيف قضية الأكراد كورقة ضغط على كل من سوريا وتركيا؛ للحصول على مياه الفُرَات؛ بحيث يناضل الأكراد ليقيموا دولتهم على نَهْرَي دِجْلَة والفُرَات.
فالعَلاقات المتميزة بين تركيا وإسرائيل ستسمح لهذه الأخيرة بالحصول مستقبلاً على مياه الفُرَات، في إطار مشروع "أنابيب السلام" الذي أطلقه "تورغت أوزال" سنة 1987، وهذا ما سيقرب إسرائيل من تحقيق حلم إقامة دولتها الكبرى من النيل إلى الفُرَات[6].
ثانيًا: الأطماع الإسرائيلية في مصادر المياه العربية الأخرى:
1- نهر "الليطاني": بدأت إسرائيل تفكر في توفير الموارد المائية اللازمة للمجتمع الصِّهْيَوْني في فِلَسطِين المحتلَّة؛ لتلبية حاجات الاستيطانِ الدائمة، ومن بين هذه المواردِ مياهُ نهر "الليطاني" بالجنوب اللبناني، والتي عَمَدت إسرائيل إلى محاصرتها وسرقتها بعد غزو 1982، وتَكْتِسي مياه نهر "الليطاني" أهمية في السياسة المائية التوسعية الإسرائيلية قبل نشأتها بعشرات سنين، وفي هذا الصدد كتب "حاييم وايزمن" زعيم الصِّهْيَوْنية العالمية رسالةً إلى اللورد "كروزن" وزير خارجية بريطانية، جاء فيها: "إن "الليطاني" هو المصدر الذي يُمْكِنه أن يؤمِّن المياه لرَيِّ الجليل الأعلى ... فإذا حُرِمت فِلَسطِين من مياه "الليطاني" والأُرْدُن واليرموك؛ لن يكون لها أيُّ استقلالٍ اقتصادي.
وزادت المطامع الإسرائيلية في مياه "الليطاني، من خلال المشروع المضاد الذي قدَّمته "لجونستون" عام 1954، والمسمى "مشروع كوتون، والذي تُطَالِب فيه بتحويل 400 مليون متر مكعب من إيراد النهر، وهذا يَعْنِي سيطرة إسرائيل على 55 % من مياه "الليطاني"، ولا تترك للبنان صاحب النهر من منبعه إلى مَصَبِّه إلا 45 %، فالعُدْوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، ومحاولة السيطرة على مياه "الليطاني" - دليل على الأهمية الحيوية لمياه النهر في تلبية حاجات إسرائيل المائية داخل الأراضي الفِلَسطِينية المحتلَّة، حسب ما جاء في رسالة "وايزمان" إلى اللورد "كرزون.
2- مياه نهر الأُرْدُن: تجسِّد المُراسَلات الدبلوماسية الصِّهْيَوْنية الموجَّهة من قبل "وايزمان" إلى "ديفيد لويد جورج" رئيس وزراء بريطانيا في 29 نوفمبر 1919، وكذلك الموجَّهة من "بن غوريون" باسم الاتحاد العمَّالي الصِّهْيَوْني إلى حزب العمال البريطاني عام 1920، وقرار الحركة الصِّهْيَوْنية في نوفمبر 1920 - الأطماعَ الحقيقيةَ للصِّهْيَوْنية للسيطرة على مياه نهر الأُرْدُن وروافده؛ بُغْيَة تأمين الموارد المائية اللازمة لأعمال الاستيطان والتوسُّع لبناء الدولة الصِّهْيَوْنية، ويُعَدُّ مشروع "ايوفيدس" أول دراسة هيدروجرافية لوادي الأُرْدُن قبل قيام إسرائيل، بتكليف من الحكومة البريطانية بعد اقتراح تقسيمِ فِلَسطِين.
وقد قامت إسرائيل بمشاريعَ وترتيباتٍ؛ للاستحواذ على مياه نهر الأُرْدُن، عبر ثلاثِ مراحلَ:
· المرحلة الأولى: تمتدُّ من 1948 إلى 1958، وكانت عِبَارةً عن خطَّة زراعية مائية لإقامة المستوطناتِ الزراعية، وإنتاج الغذاء، وإقامة مشاريعَ مائيةً كبرى بنقل مياه الأُرْدُن إلى صحراء النقب، بواسطة أنبوب يسمَّى "خط المياهالقطري".
· المرحلة الثانية: بدأت من 1958 إلى 1968، وانصبَّ الاهتمام الإسرائيلي على تطوير زراعة المَوَالح، والزهور والقطن، ونَفَّذت أكبر مشروعٍ مائيٍّ بنقل مياه طبرية 200 مليون متر مكعب من المياه إلى جنوب النقب.
· المرحلة الثالثة: تميَّزت بتطوير الإنتاج والتكنولوجيا الزراعية المائية، ولم تُوَاكِب هذه المرحلة إقامةَ مشاريعَ مائيةٍ كبرى؛ حيث جاءت هزيمة 1967؛ لتسيطر إسرائيل على نهر الأُرْدُن بالكامل.
3- مياه الضفة الغربية بفِلَسطِين: تُعَدُّ الضفة الغربية في الأراضي الفِلَسطِينية المحتلَّة المصدرَ المائيَّ الرئيسيَّ، الذي يغذِّيالمياه الجوفية الموجودة تحت الأرض في وسط إسرائيل، والتي تمتدُّ من وادي "بيت شان" وحتى "بئر سبع" جنوبًا، وإن حوالي نصف المصادر المائية العَذْبَة، والتي تقدَّر بحوالي 650 مليون متر مكعب في السنة - تعود إلى الضفة الغربية، وفور اجتياح الضفة الغربية من قبل الجيش الإسرائيلي في حرب يونيو عام 1967، صدرت مجموعةٌ من الإجراءات العسكرية للسيطرة على مياه الضفة، تمَّ بمُوجَبِها نقلُ الصلاحيات المائية في الضفة الغربية إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي والهيئات المائية الإسرائيلية، وتمَّ تطبيقُ القانون الإسرائيلي على حفر الآبار، فالمستوطِنون الإسرائيليون يَسْتَهِلكون 87,5 % من مياه الضفة الغربية، بينما العرب لا يتعدَّى 12,5%.
فإسرائيل ترى في مياه الضفة الغربية مَوْرِدًا أساسيًّا لتلبية حاجاتها المائية السنوية، وبالتالي فإن التخلِّيَ عن موارد الضفة الغربية يُعَدُّ في نظر الإسرائيليين بمثابة انتحار الدولة، وهذا يعني استمرار إسرائيل في التحكم في مصادر المياه بالضفة، مهما كانت التسويات السلمية التي ستعرفها الأوضاع في الضفة الغربية مستقبلاً.
ومنذ تنفيذ اتفاق "مدريد" عام 1991 في إطار: "الأرض مقابل السلام"، عَمِلت إسرائيل على تجنُّب إدراج مياه الضفة في التسوية السلمية، ويقول الكاتب الإسرائيلي "حجاي هوبرمان" في مقال بجريدة "هاتسوفيه" بتاريخ 7 أكتوبر 1991:
" إنَّ مَن يُسَيطر على "يهودا" والسامرة - الضفة الغربية - فإنه يسيطربذلك على مستودَع المياه الرئيسي في باطن الأرض في دولة إسرائيل، وإن تَسلِيم زِمَام السيطرة على مصادر المياه في دولة إسرائيل إلى سلطة أجنبية، سيؤدِّي - إِنْ عاجلاً أو آجلاً - إلى خلق بُؤْرَةٍ من الاحتكاكات المتجدِّدة بين إسرائيل وجاراتها... ستؤدِّي بالتالي إلى اندلاع الحرب مجدَّدًا في الشرق الأوسط".
4- مياه نهر اليرموك: تَعُودُ الأطماع الصِّهْيَوْنية في مياه اليرموك إلى فترةِ دَعْمِ الانتداب البريطاني السابق، وبعد ذلك الدعم الأمريكي؛ حيث بدأت تَقِفُ عقبةً أمام أي مشروع مائي على نهر اليرموك يكون لمصلحة الاقتصاد العربي، فالامتياز الذي منحه البريطانيون لشركة "روتنبرغ" الصِّهْيَوْنية عام 1927 مَنَعَ العربَ من أي مشروع مائي وزراعي في مياه اليرموك، كما عَرْقَلت إسرائيل الاتفاقَ المائي المُبْرَم بين سوريا والأُرْدُن عام 1953 بتدخُّلٍ من الوَلايات المتحدة الأمريكية؛ لتثبيت حقوق إسرائيل في مياه نهر اليرموك.
وأثناء التوقيع على اتفاقية السلام بين الأُرْدُن وإسرائيل في وادي عربة أكتوبر 1994، تمَّ الاتفاق على مبدأ التوزيع العادل للمياه بين الطرفين من مياه نهر اليرموك في فترة الصيف من 15 مايو إلى 15 أكتوبر من كل عام، تحصل إسرائيل على 13 مليون متر مكعب، ويحصل الأُرْدُن على باقي التدفُّق، كما تمَّ التفاهم على حصول إسرائيل على كميات إضافيةٍ مقدارُها 30 مليون متر مكعب من مياه اليرموك شتاءً.


انعكاسات الأطماع المائية الإسرائيلية على الأمن القَومِي العربي:
أولاً: على المستوى السياسي، والوضع الجيوستراتيجي:
1- على المستوى السياسي:
إن الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية هي جزءٌ من مخططاتِها لبناء دولتها الكبرى من النيل إلى الفُرَات، وحماية أمنها القَومِي من أي تهديدات عربية، كما أن هذه الأطماع هي شكلٌ آخر من أشكال ِالصراعِhttp://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=4694 العربي الإسرائيلي، فالمخطَّطات التي وضعها الاستعمار الغربي للمنطقة العربية يتم تنفيذُها حاليًّا من قِبَل إسرائيل خطوةً خطوةً؛ لتجزئة المنطقة العربية، وبَلْقَنَتِها، والاستيلاء على كل مصادر المياه العربية، في كل من: سوريان والأُرْدُن، والأراضي الفِلَسطِينية المحتلَّة، وجنوب لبنان، مما سيمنع من قيام أي مشروع نَهْضَوِي سياسي عربي ضد الأمن القَومِي لإسرائيل، وبالتالي سيكون التحكم الإسرائيلي ورقةَ ضغطٍ رابحةٍ لإسرائيل؛ لفرض سياسة الأمر الواقع تُجَاه الدول العربية؛ لفرض تسويات سلمية تضمن حمايةَ الأمن القَومِي الإسرائيلي على حساب الأمن القَومِي العربي[7].
ويمكن أن نحدِّد بصفة عامة انعكاساتِ الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية على الأمن القَومِي العربي من الناحية السياسية في النقاط التالية:
· تجزئة الدول العربية، وبَلْقَنة الوطن العربي.
· تمكين الدولة اليهودية من التكامُل.
· تفجير النظام القَومِي العربي، ومن ثَمَّ فقْد الجامعة العربية طبيعتَها القَومِية.

2- الوضع الجيوستراتيجي:
يمكن القول: إن سيطرة إسرائيل على المياه الإقليمية العربية سيمنحها دورًا رِيَاديًّا إقليميًّا مستقبلاً، تتحكم وحدها في الوضع الجيوسياسي لمِنْطَقة الشرق الأوسط، وإثارة الخلافات والمشاكل العربية، بَدْءًا بجر العرب إلى الاحتكاك، والتوتر، والتهديد باستخدام العنف، وانتهاءً بالصراع العسكري المسلَّح؛ وذلك للحيلولة دون قيام تعاون عربيٍّ - عربيٍّ مشترك في الأمن القَومِي العربي، هذا الوضع المحتَمَل سيغيِّر الخريطةَ الجيوستراتيجية في مِنْطَقة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، ونُشُوب مشاكل حدودية وإقليمية؛ وبالتالي إمكانية خلق دُوَيلات طائفية وعِرْقِية تهدِّد استقرارَ العالم العربي، وتستغلها إسرائيل لإقامة علاقاتِ تَطْبِيع معها بين الدول العربية عن طريق عملاء جدد بعد ان فقروا عملائهم القدامى الاغبياء وكبيرهم مبارك، وكما حدث في أزمة الخليج الثانية عام 1990، عندما اجتاح العراق الكويت، وانهار وقتهاhttp://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=4694 الأمن العربي، ومفاهيمه الإستراتيجية، وأُصيبت مؤسسات العمل العربي المشترك بصدمة أَوْدَت بها إلى التوقف حينًا من الزمن
ثانيًا: على المستوى الاقتصادي والمائي:
أدَّت الإطماع الإسرائيلية في المياه العربية إلى تحكُّم إسرائيل في كميات المياه المسموح بها لسكان العرب؛ فقد اتَّخذت إجراءات لضبط عملية استخراج المياه من الآبار الإرتوازية، عبر منع سكان الضفة الغربية من حفر آبار جديدة، بقصد استخدام مياهها في الري والشرب، وإجبار العرب على تركيب عدَّادات على آبارهم؛ مما أعطى لإسرائيل حفر هذه الآبار بشكل أعمق، الشيء الذي أثَّر على مستوى المياه في الآبارhttp://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=4694 العربية ونُضُوببعضها
وهكذا حقَّقت الاطماع الإسرائيلية فيhttp://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=4694 المياه العربية أهدافَها بزَعْزَعَةhttp://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=4694 الأمن المائي العربي، حيث تضرَّر من الجفاف والتصحُّر الذي يَكَاد يَغْزُو أرجاء الوطن العربي ككلٍّ، إضافة إلى تلُّوث مياه الأنهار العربية في حوض النيل والرافدين، كما أدَّت الاتفاقية المائية الإسرائيلية المُبْرَمة مع الأُرْدُن في وادي عربة عام 1994 إلى تحكُّم إسرائيل في مياه نهر الأُرْدُن، ومنعِ أيِّ مشروعٍ مائيٍّ وزراعيٍّ بين الدول العربية، الأمر الذي أدَّى إلى قيام أزمة الغِذَاء، وانخفاض الإنتاج الزراعي، وازدياد الطلب المحلي على الأغذية، مع ارتفاع كبير في الإنفاق العام لاستيراد الغذاء من الخارج، أمام تصاعد في عدد السكان؛ كل هذا نتيجة غياب إستراتيجية مائية عربية مشتركة لحماية الموارد المائية من الأطماعوالتوسعات الإسرائيلية، كما أن الاتفاقيات الاقتصادية المتعلِّقة بإقامة سوق اقتصادية عربية مشتركة لا تَزَال غير مفعَّلة لبناء أمن اقتصادي ومائي عربي لسد حاجيات سكان الوطن العربي.
خلاصة وتقييم للموضوع:
يتَّضح لنا من موضوع دراستنا أن الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية واجبٌ دينيٌّ، وشعار تَوْرَاتي لتأسيس الأمنالقَومِي الإسرائيلي من النيل إلى الفُرَات؛ فحياة إسرائيل تقوم على المياه المتوفِّرة في الأراضي العربية المجاورة لفِلَسطِين، وبالتالي الصراعُ على المياه بين إسرائيل والعرب صراعُ وجودٍ، ومَن يُسَيطِر على المياه أكثرَ يَبْقَى أكثرَ، ومن هذا المُنْطَلق ترى إسرائيلُ أن تحكَّم العرب في الموارد المائية يعني قيام مشروع أمن قَومِي عربي، سيكون هدفه القضاءَ على الوجود الإسرائيلي في المنطقة، لذلك تسعى إلى إرباك الأمن القَومِي العربي عن طريق فتح أكثر من جبهة ضدهم: جبهات حدودية مع الكيان الإسرائيلي، جبهات طائفية داخل بعض البلاد العربية، وجبهات أشعلتها أو تتطلَّع لإشعالها مع الدول المجاورة للدول العربية، والغاية من ذلك تقويض بنيان المجتمع العربي، والسيطرة التدريجية على ثرواته، والأخطر من هذا كله أن إسرائيل استطاعت إقامة علاقة تطبيع مع بعض الدول العربية علاوةً إلى مصر والأُرْدُن، الأمر الذي نَسَف فكرةَ بناء أمن قَومِي عربي؛ وبالتالي نجحتْ إسرائيل في احتواء بعض أجزاء الوطن العربيلحماية أمنها القَومِي على حساب الأمن القَومِي العربي، وقد أشار الدكتور "حامد ربيع" في كتابيه "نظرية الأمن القَومِي العربي" و"الحرب النفسية في الوطن العربي" إلى خطورة تغلغل إسرائيل في جسدالأمةhttp://www.shatharat.net/vb/showthread.php?t=4694 العربية، وتوظيفها لقوتها الدبلوماسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية، والإعلامية؛ لضرب أي مشروع وَحْدَوي عربي، واستمرارها في التوسع في الأراضي العربية، وهكذا نَخْلُص إلى أن الحديث عن أمن قَومِي عربي يبدأ أولاً بحماية الثروات المائية، وصدِّ الأطماع الإسرائيلية، وذلك من خلال التوصيات التالية:
1- لابدَّ للأمن القَومِي العربي من تأمين التَّوَازن الإستراتيجي مع إسرائيل في كافَّة المجالات، ولا سيَّما المجال العسكري، وإلا ما معنى إقامة المشروعات المائية دون تغطية عسكرية لحمايتها؟
2- حتى نَفْهَم حقيقة التفكير اليهودي؛ يجب تكثيف الدراسات الإستراتيجية المتعلِّقة بفهم هذا النهج، وتضمينها قيمةً علميةً وفكرية، تجذب الاهتمام، وبالتالي يُصْبِح هذا الأمر إرثًا لمجتمعنا.
3- يجب تشكيل معهد دراسات إستراتيجية عربية، تُدِيره أَدْمِغَةٌ عربيةٌ واعيةٌ، تُدْرِك حجم الخطر المُحْدِق بالأمة، يَهْتَمُّ بقضايا الأمن القَومِي العربي، ولاسيما الأمن المائي، ومن هنا تكون اللَّبِنة الأولى للحديث عن أمن قَومِي عربي موجَّه ضد الأمن القَومِي الإسرائيلي.
4- السَّعْي إلى تحسين العلاقات العربية مع دول النيل والفُرَات؛ كإثيوبيا، وتركيا؛ لتفويت الفرصة على إسرائيل باستخدام الروابط الدينية بين العرب والأتراك، وروابط الجوار بين العرب وإثيوبيا، وتوظيف الأموال العربية في إقامة المشاريع الاقتصادية والمائية في تركيا وإثيوبيا؛ لسد النوافذ على إسرائيل.
5- تأمين الحِزَام البَحْرِي العربي في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط بتعزيزاتٍ أمنية وعسكرية عربية، ضد أي وجود أو اختراق إسرائيلي؛ بإقامةِ قواعدَ عسكريةٍ بحريةٍ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.