على المستوى الشخصي أحترم الدكتور ممدوح حمزة كقيمة هندسية مصرية مبدعة ورجل أعمال ناجح ضمن قلة أفلتت من طوفان الفساد الذي اجتاح عصر مبارك ، كما أقدر له تعاطفه مع ثورة يناير وتكلفه توزيع بعض الأغذية والبطاطين في ميدان التحرير عندما اتسع نطاق الاعتصام ، ولكن على المستوى السياسي أشعر بقلق كبير من سلوك الرجل في الفترة الأخيرة تجاه ثورة مصر وما يمكن أن نقوله باطمئنان كامل أنه محاولة لاختطاف الثورة وفرض الوصاية على الشعب المصري بعد إحساس بالعجز عن التواصل السياسي معه والشعور بالهزيمة المسبقة في مضمار الديمقراطية التي تتأهب مصر له خلال الأشهر المقبلة . لا أعرف سببا لإنفاق ممدوح حمزة ملايين الجنيهات من أجل الدعوة إلى ما أسماه "المجلس الوطني" ، واختيار رموز يسارية لا تمثل أي ثقل سياسي أو حضور شعبي في مصر من أجل زرعها في مشروعه "الاستثماري" الجديد ، مطعما إياهم ببعض رجال القضاء ممن لا يعرف لهم تاريخ نضالي ، مع تعمد مدهش لإبعاد شخصيات قضائية وسياسية رفيعة وشخصيات وطنية لها حضور شعبي وجماهيري طاغ ، لا لشيء إلا لأنها لا تقبل أن تباع أو تشترى أو توضع تحت عباءة أي شخص أو جهة ، أو لأنها تملك رؤية سياسية واجتماعية وثقافية تختلف عن الرؤية التي يتبناها ممدوح حمزة . لا أعرف بداية من الذي فوض ممدوح حمزة لكي يتحدث باسم الثورة المصرية ، ولا أعرف من الذي اختار هذه الشخصيات التي قرر أنها قيادة ثورة مصر وشعب مصر للمرحلة الانتقالية ، ومن الذي فوض هؤلاء الذين اختاروها أساسا بهذا الاختيار ، والحقيقة أن ما فعله ممدوح حمزة بملايينه هو محض محاولة فاشلة لاختطاف الثورة وقطع الطريق على المسار الديمقراطي ، فمصر مقبلة على انتخابات ديمقراطية للمرة الأولى بعد أربعة أشهر ، فلماذا يهرول ممدوح حمزة وتنظيمه من أجل قطع الطريق على هذا المسار ، وقطع الطريق على الشعب المصري نفسه وسرقة أصواته وإرادته بدعوى التأسيس للمجلس الوطني ، لماذا يخاف ممدوح حمزة من الديمقراطية ، لماذا لا يثق في الشعب المصري وقدرته على الاختيار ، لماذا لا يثق ممدوح حمزة في نفسه هو وتنظيمه وفي قدرته على الاحتكام إلى الشعب وليس إلى "لعب الثلاث ورقات" . لقد وضع ممدوح حمزة وتنظيمه معايير مضحكة ومثيرة للغثيان لتقسيم "تورتة" الثورة المصرية وقيادتها من خلال أكذوبته "المجلس الوطني" ، فقد وزع جنابه ثلث مقاعد القيادة على الشباب ، وثلثها على الجمعيات الأهلية وثلثها على الأحزاب والقوى الأخرى ، وهو تقسيم لم يكلف صاحبه أي صبر على مجرد التفكير ، لأن من يفكر في الاختطاف لا يهتم كثيرا بتفاصيل نظافة الفكرة ، فثلث الشباب مثلا الذي افترضه لا يعني به أي شباب ، وإنما المجموعة الملتفة حوله ، لأن أي حزب سياسي يمثل الشباب فيه أكثر من سبعين في المائة من نشطائه وفعالياته ، وهؤلاء مطرودون من شباب ممدوح لأنهم في ثلث الأحزاب ، والجمعيات الأهلية أيضا الغالبية العظمى لنشطائها شباب ، وهم مطرودون طبعا لأنه قد خصص لهم ثلث الهبة ، وهذا يعني في المحصلة أنه لم يقصد الشباب المصري ، وإنما قصد المجموعة التي تلتف حول ملايينه ، والكلام نفسه يمكن أن تقوله على الأثلاث الأخرى التي وضعها . ممدوح حمزة في تبريره لأسباب مشروعه الانتهازي الجديد لم يخف أبدا أنه يقصد منه إقصاء الإسلاميين عن أي مشروع وطني جديد أو تهميشهم ، وكان واضحا في أنه يقصد التيار السلفي وجماعة الإخوان المسلمين بشكل واضح ، كما كان واضحا في اعترافه بأن مشروعه نشأ كرد فعل على هزيمتهم أمام الشعب في معركة التعديلات الدستورية ، فهي خطوة أشبه بمحاولة ثأر متأخر ، بل وحرص ممدوح حمزة على التحريض على المجلس الأعلى للقوات المسلحة والادعاء بأنه يفتقد للشرعية وأنه يتعمد التلاعب بالثورة ، وكلام رخيص لا يليق قاله في ورقته التي أعدها لهذه "المؤامرة" ، كما كان صريحا وواضحا في اعترافه بعجزه عن تشكيل حزب سياسي حقيقي من خمسة آلاف عضو ومن عشر محافظات مصرية على الأقل ، واعتبر ذلك شرطا تعجيزيا ، بينما هو يريد أن يختطف مصر كلها مجانا بصنعة لطافة . مشروع ممدوح حمزة سينتهي بالفشل ، مثلما فشلت كل محاولات اختطاف الثورة سياسيا أو إعلاميا خلال الأشهر الماضية ، ولكن قيمته الأساسية ستبقى في تنبيه المصريين مبكرا إلى أن المخاطر على ثورتهم ليست من قبل الحزب الوطني ، الذي انتهى ، وإنما من بعض القوى الهامشية والمعادية لقيم الشعب المصري ، والمحقرة لوعي المصريين ودينهم وإرادتهم ، تلك القوى التي لا تملك أي بوصلة جادة وحقيقية للتواصل مع ملايين المصريين في المدن والقرى والبوادي والنجوع ، وهؤلاء يشكلون مشروعات استبداد فعلية ، ويستبطنون نفس معايير "الديكتاتوريات" السابقة ، مهما زينوها برطانات ثورية . [email protected]