عندما أعلن موقع «الفيس بوك» عن ثورة يقوم بها الشباب في موعد محدد وهو يوم "25 يناير"، اعترضت أصوات عديدة، وبعضها تهكم علي ثورة يتم تحديد موعد مسبق لها، لكنها بدأت واستمرت، وأصرّ أصحابها علي تحقيق مطالبهم، وقد تحققت بإعلان رئيس الجمهورية تخليه عن منصبه مساء الجمعة الماضية، وهنا نتعرف علي رأي عدد من المثقفين فيما حققته تلك الثورة. الدكتور حسين حمودة أكد أنه من الصعب الآن في وهج الحدث، إعطاء صورة موضوعية عن ثمار الثورة المقبلة، وقال: ثورة المصريين ولا أقول ثورة الشباب أسهمت في تكريس صورة حقيقية عن الشعب المصري وعن قدرته علي الإبداع، هذه الثورة نفسها كان بها إبداع هائل تجلي في صور متعددة وسوف تمثل وقائع هذه الثورة وتفاصيلها مادة ثرية للمبدعين مثلما مثلت ثورة 1919 مادة ثرية في تجربة نجيب محفوظ، وثقافيا أتصور أن هذه الثورة سوف توسع من دائرة حرية الإبداع ومن جهة أخري سوف تبرز تلك القيم الجميلة والنبيلة التي ظن البعض أنها توارت أو ماتت داخل الشعب المصري، ومن جهة ثالثة سيعلو شأن مفاهيم التعدد والتنوع والتسامح التي تجلت في هذه الثورة، وهي مفاهيم أساسية لكل إبداع حقيقي ولكل ثقافة حقيقية. وقال المترجم الدكتور محمد عناني: الثورة لم يكن لها قائد وهو ما يعد أبرز أسباب نجاحها، خاصة بعدما فشل رجال الحزب الوطني في استقطاب الشباب الذي تصرف بصورة تلقائية لم يسبق لها مثيل في التاريخ، وقد اعترف الرئيس أوباما نفسه بأن المصريون، علّموا البشرية منذ ستة آلاف سنة أساليب الحكم وإدارة الدولة، وهاهم شباب مصر يلقنون العالم درسا في التظاهر السلمي لثورة أبهرت العالم كله في التاريخ الحديث . الروائي فتحي إمبابي الذي شارك في اعتصامات ميدان التحرير رغم وجود مشكلة في ساقه قال: لقد لمست منذ اندلاعها في اليوم الأول إصرار الشباب علي تحقيق مطالبهم مهما كلفتهم، وأبرزها تنحي النظام القائم حتي لو تطلب الأمر حصار قصر العروبة، ورغم اختلاف مراحلهم العمرية ومشاربهم إلا أنهم كانوا علي قلب رجل واحد، وحققوا ما لم نكن نحلم به في جيلنا بل كان لديهم ائتلاف كامل حول الهدف، وهذه الثورة بنيت علي مفاهيم وأفكار ديمقراطية وليبرالية ومدنية وطالبت بالدولة المدنية، مما كان من أهم أسباب نجاحها، ولقد نجح الشباب في التخلص من الشعور بالعار والتغلب علي الاكتئاب الذي أصابهم والمستقبل المجهول الذي كان يواجههم. وقال الشاعر شعبان يوسف الذي حرص علي التواجد هو الآخر في الميدان: لقد كسرت الثورة حاجز الخوف لدي الناس الذين بدأوا يتكلمون بدون رقيب أو قيد، كما رفضوا فكرة الوصاية وإزاحة من يتكلم باسمهم مثلما حدث مع المطرب تامر حسني، لقد كانت ثورة سلمية بكل المقاييس حتي في تعاملها مع البلطجية، ولقد أثبتت الثورة أن الشعب المصري متحضر، لأنها حدثت دون تخريب، بينما كان التخريب الذي حدث بفعل رجال النظام السابق، ولو لم تقم هذه الثورة لما عرفنا هذا الكم الهائل من الفاسدين في الوطن ولما سقطت أسطورة الحاكم المستبد. ومن ناحيته قال المترجم بشير السباعي: الثورة ما زال أمامها الكثير حتي تحقق مطالب الشباب علي أرض الواقع، خاصة حصول الشعب علي حريته وتطبيق العدالة الاجتماعية، ودور الشعب الآن مراقبة المسئولين من أجل تحقيق مطالبهم والثورات الكبري في العالم التي قامت علي أكتاف الشباب. أما الروائي أحمد زغلول الشيطي فقال: هذه الثورة صنعت قطيعة مع نوع معين من السلطة نشأت بعد ثورة يوليو 1952 هذا النوع الذي يحيط نفسه بهالة من القداسة تشبه الفرعون، كما كشفت المسافة الشاسعة بين المواطن والسلطة التي كانت تعمل من أجل مصالحها الخاصة فقط، وهي مسافة كانت تمتليء بالقمع البوليسي والفساد والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد علي أسس إثنية، وكان هذا النمط من السلطة يتعمد تقطيع الروابط بين عناصر الوطن، هذه الثورة قام بها طليعة من أبناء الطبقة الوسطي المصرية لإنهاء الدولة القمعية القائمة علي الفساد والقمع، من أجل إقامة دولة ديمقراطية تحترم القانون وتعتمد علي التعددية وتداول السلطة عبر الصندوق بالمفهوم الغربي الحديث، لقد قدم الوطن عددا من الشهداء لتنجح هذه الثورة وهي دماء طاهرة صنعت دينا في أعماق المجتمع، بحيث يكون من الخيانة التراجع بوصة واحدة عن المطالب التي ثار هؤلاء الشرفاء من أجلها. وأكد الشاعر محمد سليمان أن هذه أهم ثورة تشهدها مصر في العصر الحديث، قائلا: هي ثورة حقيقية فجرها الشباب المصري لاقتلاع نظام أهان مصر والمصريين وجمّد مصر، عندما استبد وأشاع العنف والقهر والفساد وأشاع المحسوبية والواسطة، وعندما دفع بغالبية الموظفين إلي مد أيديهم بسبب ضعف رواتبهم مما أصاب مصر بالشيخوخة في السنوات العشر الأخيرة، وكذلك بعد انقضاض رجال الأعمال علي السلطة، وشعور رجل الشارع بأن النظام يعمل من أجل نفسه وأن الدولة تقريبا تبيع كل شيء بأثمان رمزية لهؤلاء الوحوش. وتابع: الانسان المصري كان ملتصقا بأرضه ومتمسكا بوطنه لكننا شاهدناه في الأيام الأخيرة يفر إلي أوربا علي قوارب متهالكة، ورأينا العديد من المنتحرين الذين ضاقت في وجوههم كل أبواب الحياة، وقد أسهمت وسائل الاتصال الحديثة وثورة المعلومات، بدور كبير في إشعال هذه الثورة، ولم يعد الآن بإمكان أي نظام أن يسجن مواطنيه بسياج حديدي أو يكمم الأفواه، ولم يعد يجدي القمع البوليسي لأن التواصل عبر الفضاء الإلكتروني أصبح قادرا علي تحريك الشعوب وإلهامها ودفعها إلي الثورة. أما الناقد الدكتور محمد عبدالمطلب، فقال: مازال الثوار الشباب يتشككون في تحقيق مطالبهم، وهم مازالوا موجودون في ميدان التحرير، وكان ينبغي تشكيل وزارة انتقالية تسير أمور البلاد بعيدا عن الحزب الوطني، وكان ينبغي حل مجلسي الشعب والشوري وقد تحقق حتي الآن 50 % من مطالب الثورة وهو تنحي الرئيس مبارك عن الحكم أما باقي المطالب فهي مازالت مجرد وعود.