عباس: كلمة الرئيس السيسي في ذكرى تحرير سيناء تجسد قوة مصر وشعبها وقواتها المسلحة    إنفوجراف.. إنجاز تاريخي للتعليم العالي في سيناء    سفير قطر بالقاهرة يهنئ مصر قيادة وشعبا بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    أسعار الذهب في مصر تميل إلي الهبوط مع انخفاض الطلب بالأسواق    محافظ القليوبية يتفقد أعمال النظافة بمدينتي الخصوص وشبرا الخيمة    النور مش هيقطع في بيتك بعد النهارده.. اعرف سعر جهاز مانع انقطاع الكهرباء    ياسمين فؤاد تترأس مع وزيرة ألمانية جلسة النظام العالمي لتمويل المناخ    مصرع وإصابة 36 شخصا إثر اندلاع حريق كبير في فندق شرقي الهند    أخبار الأهلي: شوبير يكشف عن مفاجأة في قائمة الأهلي أمام مازيمبي    فودين عن بيلينجهام: لم أر أحدا في عمره بهذا النضج    القبض على مسن أنهى حياة زوجته بقرية البياضية في المنيا    خبيرة أبراج تبشر "المائيين"    شكرًا لكل شهيد ضحى بروحه.. خالد سليم يحتفل بعيد تحرير سيناء    «هيئة الدواء» توضح طرق انتقال العدوى بمرض الملاريا    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    مواجهة اتحاد جدة تشهد عودة ميتروفيتش لصفوف الهلال    تفاصيل اليوم الأول للبطولة العربية العسكرية للفروسية للألعاب الأولمبية| صور    الهلال الأحمر الفلسطيني يحذر من انتشار كبير للأمراض المعدية في غزة    الداخلية: نواصل جهود مكافحة جرائم السرقات وملاحقة وضبط مرتكبيها    جدول امتحانات الصف الأول الثانوي للفصل الدراسي الثاني 2024 محافظة القاهرة    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    الأردن يدين سماح الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين المتطرفين باقتحام المسجد الأقصى    بنات ألفة لهند صبرى ورسائل الشيخ دراز يفوزان بجوائز لجان تحكيم مهرجان أسوان    عقب سحب «تنظيم الجنازات».. «إمام»: أدعم العمل الصحفي بعيداً عن إجراءات قد تُفهم على أنها تقييد للحريات    شقو يكتسح شباك تذاكر أفلام السينما.. بطولة عمرو يوسف وأمينة خليل    محافظ الفيوم يشهد الجلسة الختامية لورشة عمل مناقشة مخرجات إعداد الخطة الاستراتيجية للمحافظة 2030    أمريكا تطالب إسرائيل بتقديم تفاصيل حول تقارير المقابر الجماعية بغزة    بيلاروسيا: في حال تعرّض بيلاروسيا لهجوم فإن مينسك وموسكو ستردّان بكل أنواع الأسلحة    صرف صحي الإسكندرية تستقبل وفدا أردنيا للوقوف على الإدارة المستدامة    سقوط عصابة تخصصت في سرقة الدراجات النارية بالقاهرة    مصرع عامل تعرض لصعق كهربائي بأكتوبر    انطلاق فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية بمدينة مصر للألعاب    شوشة: كل الخدمات في رفح الجديدة بالمجان ولا يشملها سعر الوحدة السكنية    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    أبورجيلة: فوجئت بتكريم النادي الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    رئيس المنصورة: أتمنى أن يحظى الفريق بدعم كبير.. ونأمل في الصعود للممتاز    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    بكام يا أخضر.. سعر صرف الدولار اليوم الخميس 25 أبريل 2024    «الصحة»: فحص 6 ملايين و389 طفلا ضمن مبادرة الكشف المبكر عن فقدان السمع    انطلاق القافلة الطبية المجانية حياة كريمة بقرى الخير والنماء بمركز الفرافرة    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    حمزة العيلى عن تكريم الراحل أشرف عبد الغفور: ليلة في غاية الرقي    منها طلب أجرة أكثر من المقررة.. 14 مخالفة مرورية لا يجوز فيها التصالح بالقانون (تفاصيل)    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    لبيب يرافق بعثة الزمالك استعداداً للسفر إلى غانا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    هيئة الرعاية بالأقصر تعلن رفع درجة الاستعداد تزامنا مع خطة تأمين ذكرى تحرير سيناء    الين يهبط لأدنى مستوياته في 34 عاما أمام الدولار    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
ثورة واحدة‏..!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 02 - 2011

ما يلي سوف يغضب الكثيرين داخل الدولة والحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ أو ما بقي منه‏,‏ والثوار علي أشكالهم وألوانهم المتنوعة‏,‏ وربما جماعات كثيرة داخل الشعب المصري‏,‏ وربما خارجه أيضا‏.‏ ولكن ما تعودته منذ بدأت الكتابة للرأي العام هو أن أقول كلمتي وأمشي متبعا قاعدة أنه لا خير فينا ما لم نقل ما نعتقد فيه‏,‏ ولا خير في الآخرين ما لم يقرأوا أو يسمعوا‏.‏
الاقتناع بعد ذلك قصة أخري‏,‏ والسير علي طريق هو قرار صاحبه‏,‏ وما جاء في هذا المقال وما سبقه ويلحقه هو محض اجتهادات جاءت بها الخبرة والثقافة والتعلم والتجربة‏,‏ وهي لا تعبر عن‏,‏ ولا تلزم‏,‏ أحدا غير صاحبها‏.‏
ونقطة البداية كانت مقابلة في قناة العربية مع رجل استثمار مصري معروف واشتهر بوطنيته ومواقفه الليبرالية النقية‏,‏ وأستاذ للقانون الدستوري كان وسيظل أستاذنا نعرف عنه الكياسة والحكمة وما يراه في نفسه من وسطية‏.‏ كلاهما‏,‏ رجل المال والفقيه‏,‏ كانا جزءا من إطار أكبر يشكل لجنة للحكماء هدفها رضاء وجه الله وخدمة الوطن في لحظة عصيبة من خلال الوساطة بين السلطة والثورة أو رجالاتها المتجمعين في أماكن شتي أبرزها ميدان التحرير‏.‏ كانت لدي الرجلين مطالب ستة‏,‏ تتراوح ما بين تخلي الرئيس عن سلطاته لنائبه‏,‏ حتي وضع دستور جديد للبلاد‏,‏ ولكنهما لم يكن في جعبتهما مطلب واحد من الثوار‏.‏
سأل المذيع‏-‏ حافظ المرازي‏-‏ السيد نجيب ساويرس والأستاذ الدكتور أحمد كمال أبوالمجد‏:‏ أجب بنعم أم لا‏:‏ هل يبقي المعتصمون علي حالهم من الاعتصام والثورة خلال تنفيذ هذه المطالب أم ينفضون لإيجاد ظرف ملائم لها؟ وجاءت الإجابة صاعقة من كلاهما‏:‏ لا‏.‏ وبينما كان رجل الأعمال قاطعا في كلمة واحدة‏,‏ كان الفقيه يقولها بعد مذكرة تفسيرية‏.‏
بدا الأمر غريبا للغاية ممن يصعب أن تجد للحكمة مكانا بعدهما‏,‏ فلو كان الأمر وساطة بين أطراف متنازعة لكانت الطلبات متوازنة وللطرفين معا‏,‏ خاصة وأن طرفا رئيس الدولة كان قد قبل بالفعل المطالب الأساسية للثوار‏,‏ وربما الأغلبية من الشعب أيضا‏.‏ بدت المسألة برمتها وضع مسدس علي رأس الدولة استمرار التظاهر والثورة والفورة وعدم الاستقرار والشلل الاقتصادي للدولة والمجتمع أو أن تنفذ الدولة مطالب الجماهير الثائرة بحرفيتها التي تفرض رحيل الرئيس عن الوطن من خلال أساليب دستورية‏.‏ كان الحكماء يريدون تنفيذ وتطبيق سيناريو زين العابدين بن علي حرفيا وإلا كان في ذلك إهانة للشعب والثوار والجماهير والأمة ومطالبهم العادلة أيا كانت المسميات التي تختارها‏.‏
كان ذلك من جانب فنون التفاوض والوساطة خاطئا‏;‏ ولكن الأخطر أنه كان يستند إلي قراءة خاطئة للواقع الذي كانت تجري فيه ثورتان لا ثورة واحدة ينبغي استيعاب كليهما في حل سياسي ينقذ الوطن مما وصل إليه من دمار‏.‏ الثورة الأولي باتت معروفة وهي التي اشتعلت يوم الخامس والعشرين من يناير‏,‏ والتي إذا استبعدنا منها شكوك اختيار التاريخ الذي جرت فيه واحدة من أهم الوقفات البطولية للشرطة المصرية ضد الاستعمار الإنجليزي‏,‏ فإنها كانت بالفعل حاملة بالقضية الديمقراطية من مستويات نظرية نتحدث عنها في المقالات والمؤتمرات والندوات إلي مستوي القبول الرسمي من رئيس الدولة‏.‏ وبالنسبة لي شخصيا فقد كان الموقف الذي اتخذته دوما كتابة وقولا‏,‏ وفي مناسبات متعددة سبقت ولحقت التعديلات الدستورية التي جرت في أعوام‏2005‏ و‏2007‏ أن مصر لا تحتاج تعديلات دستورية بقدر ما تحتاج دستورا جديدا أكثر تناسقا واتساقا ومدنية وحداثة‏;‏ وفيما يتعلق بالتعديلات الدستورية فقد كان لي تحفظات عدة خاصة بالنسبة للمواد‏76‏ و‏77‏ و‏88‏ وغيرها من المواد‏.‏
ولم يكن رفع الديمقراطية إلي مستويات جديدة تقرب الحلم من الحقيقة هو الإنجاز الوحيد لثورة عيد الشرطة‏,‏ وإنما نجم عنها مجموعة أخري من الملامح الخاصة التي نوجزها فيما يلي‏:‏
أولا‏:‏ انتهاء الفترة الرئاسية للرئيس مبارك في موعدها وفقا للتقاليد الدستورية كما نأمل حيث سيحافظ ذلك علي تقاليد مصرية أصيلة أشرت إليها في مقال سابق لي بعنوان الكتاب المنشور في‏18‏ سبتمبر‏2010‏ حيث كانت التقاليد الدستورية سواء كانت فرمانا عثمانيا أو إعلانا دستوريا أو دستورا مؤقتا أو دائما هي التي تحكم عملية الانتقال السلمي للسلطة سواء كان رأس الدولة هو الوالي أو الباشا أو الخديو أو السلطان أو الملك أو رئيس الجمهورية‏.‏ وإذا كان الرئيس مبارك قد وافق بالفعل علي تعديل المادة‏77‏ من الدستور بحيث يتم وضع حد زمني لقيادة الدولة فربما لا تكون هناك مبالغة في القول أنه سوف يكون من يضع أسس عهد ما بعد الدولة الفرعونية في مصر‏.‏
ثانيا‏:‏ انتهاء سخافة ما أطلق عليه سيناريو التوريث‏,‏ الذي انشغلت به قوي سياسية ومؤسسات صحفية وقنوات فضائية وجماعات مصلحية وتيارات فكرية‏,‏ علي مدي عقد كامل‏,‏ لدرجة أنه كان البند الأساسي علي أجندتها‏,‏ وتجاهلت القضايا الأخري التي تشغل المواطن المصري‏,‏ سواء سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو اجتماعيا‏.‏
ثالثا‏:‏ بزوغ ما يمكن تسميته بالحراك أو التحول الجيلي في مصر يعبر عن فكرة محورية مفادها سباق البشر مع الزمن‏,‏ وهو ليس حالة مصرية خاصة بقدر ما يعبر عن حالة عالمية عامة‏,‏ في الدول النامية أو المتقدمة‏,‏ مفادها أن الانتقال من جيل إلي آخر يحمل معه عناصر عديدة للتغيير‏.‏ فرؤي وأفكار وتصورات الأجيال الجديدة سواء في مصر أو أية دولة أخري لا تمثل تطورا خطيا للأجيال التي سبقتها‏,‏ ولكنها تمثل نقلة نوعية في طبيعة المجتمع‏.‏ ويضم الجيل الواحد مجموعات مختلفة وشرائح متنوعة من الشباب‏,‏ حيث توجد مجموعتان أو أكثر‏,‏ وقد تكون إحداها يسارية والأخري ليبرالية والثالثة إسلامية والرابعة قومية والخامسة بلا توجه فكري أو انتماء أيديولوجي‏,‏ ولكنها تنتمي لنفس الجيل‏,‏ وتشكل كل منها استجابة فكرية واجتماعية مختلفة لنفس المثير التاريخي الذي يتأثر به جميع الشباب‏,‏ وتمثل كل من تلك المجموعات وحدة جيلية‏generationunit‏ معينة‏,‏ والتي تظهر بدورها حينما يتبني أفرادها عددا من القيم والاتجاهات والأفكار والرؤي والتصورات والمشاعر المتشابهة‏,‏ وهي التي تقوم بصياغة الوعي والإدراك الجيلي لهؤلاء الأفراد‏.‏ وتبرز أهم مظاهر الوعي الجيلي في مصر الآن في النواحي المتعلقة بالتعامل مع تكنولوجيا العصر‏,‏ وتحديدا الكمبيوتر والانترنت والفيس بوك والمحمول‏.‏
ورابعا‏:‏ فقد شهدت السنوات الماضية انحسارا في نشاط المعارضة السياسية التقليدية‏,‏ وتحديدا الأحزاب‏,‏ وظهرت ساحات جديدة لوجود قوي المعارضة في الساحة المصرية‏,‏ للتعبير عن مواقفها وطرح آرائها‏,‏ للحوار والنقاش إزاء قضايا الداخل ومشكلات الخارج‏.‏ وقد كان أبرز هذه الساحات ما يسمي بالفضاء الإلكتروني‏,‏ وخاصة موقع ال‏FaceBook,‏ حيث تزايد اعتماد الأجيال الجديدة بدرجة كبيرة علي هذه الساحة كوسيلة لطرح أفكارها وتشكيل توجهاتها‏,‏ لدرجة أن هذه التكنولوجيا صارت تتمتع بدور المؤسسات السياسية البديلة‏(‏ مثل الأحزاب السياسية‏)‏ التي يستقي منها نشطاء الإنترنت أو المدونون أو البلوجرز خبراتهم وإدراكاتهم تجاه العديد من القضايا‏,‏ سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو حتي شخصية‏.‏ وهكذا جري جذب قطاعات واسعة من الشباب إلي النطاق العام‏,‏ وأصبح الإنترنت بديلا إعلاميا وسياسيا يتجاوز الأطر التي اعتاد عليها المجتمع المصري‏,‏ وبرزت عدة أساليب للتواصل مع الرأي العام ومنها منتديات الحوار والمجموعات البريدية والفيس بوك والمدونون التي ظهر عبرها حالة غير مسبوقة من الاهتمام بالشأن العام بين قطاعات واسعة من الجيل الجديد‏,‏ والذي وجهت دوما انتقادات له من وسائل الإعلام التقليدية والأجيال السابقة بأنه جيل تافه لا يعرف الانتماء ولا يلقي اهتماما لقضايا الوطن والمنطقة‏.‏ واللافت للنظر أن نشطاء الإنترنت يحملون ملامح خاصة‏,‏ فغالبا هم من الشباب ولديهم دراية معقولة باللغة الإنجليزية وأغلبهم مستواهم التعليمي فوق المتوسط وطلبة جامعيون‏,‏ واقتصاديا ينتمي أغلبهم للفئات المختلفة داخل الطبقة الوسطي الجديدة‏.‏ كما أنهم ليسوا منتمين تنظيميا لأحزاب سياسية محددة‏,‏ إلا أن هناك شريحة من هؤلاء ينتمون لتيارات سياسية احتجاجية وقلة منهم تنتمي إلي جماعات محظورة قانونا مثل الإخوان المسلمين‏.‏ وقد أثبتت خبرة الأيام الماضية إن المعارضين الجدد لا يعد بالإمكان ليس فقط إسكات أصواتهم لأنها أصبحت عالية وإنما لا يمكن تجاهل مطالبهم أو التغاضي عن تلبية طموحاتهم‏.‏
وخامسا‏:‏ انتهاء الحزب القائد المسيطر في مصر‏,‏ وهو الحزب الوطني الديمقراطي‏.‏ فلم يعد مقبولا أن تكون الحياة السياسية في مصر قائمة علي عدم وجود توازن في النظام الحزبي بين حزب قائد مهيمن له أغلبية كبيرة في البرلمان منذ بداية الحياة الحزبية في النصف الثاني من السبعينات‏,‏ وأغلبية من الأحزاب الصغيرة والهامشية يتراجع تمثيلها من انتخابات لأخري‏,‏ وهو ما برز جليا في انتخابات مجلس الشعب‏2010,‏ بين حزب تبلغ العضوية فيه ما يقرب من ثلاثة ملايين عضو‏,‏ وأحزاب لا تتجاوز عضويتها العشرات والمئات‏.‏ ولكن الأهم من ذلك كان ما أفرزته الانتخابات المختلفة من غالبية متحكمة في صناعة القوانين‏,‏ كان آخرها الانتخابات الأخيرة التي لم ينجح الحزب في إقناع المواطنين بنزاهتها‏.‏
كان ذلك هو الناتج الإيجابي لثورة الخامس والعشرين من يناير وجري عليه ما جري لكل الثورات في التاريخ مع خصائص سلبية خاصة بها‏.‏ أولها أن قلب هذه الثورة الذي شكله الشباب كان عاجزا تماما عن وضع إطار تنظيمي يسمح بتحويل أفكار الثورة إلي إطار عمل يمكن السعي لتنفيذه أو التفاوض حوله أو فرضه إذا ما لاحت القدرة والإمكانية‏.‏ كان واضحا أن التنظيمات المختلفة التي كونت الحركة الثورية كلها حشد‏,‏ حملة دعم البرادعي‏,‏ الجمعية الوطنية للتغيير‏,‏ الاشتراكيين الثوريين‏,‏ التجديد الاشتراكي‏,‏ خالد سعيد تتصرف كأنها جماعات متفرقة‏,‏ يعيش كل منها في خيم مختلفة في ميدان التحرير‏,‏ وتدار العملية السياسية بينها كما لو كانت تجري علي شبكة الإنترنت‏.‏ مثل هذا الحال لا يقيم أود دولة‏,‏ أو يقود خطواتها‏,‏ أو يدفعها حتي إلي نظام ديمقراطي ناضج‏.‏ وكان حل ذلك هو وضع شعار بسيط هو إسقاط النظام‏,‏ ترتعد الجماعة من تحديد معناه‏,‏ وتعجز تماما عن تحديد ما سوف يأتي بعده‏.‏ وثانيها أنه طالما ظلت الحركة الشبابية علي عجزها التنظيمي‏,‏ فإنه بات عليها من ثم أن تعتمد علي جماعات سياسية أخري سعت إلي ابتلاعها أو وضعها دروعا تعطيها شرعية مدنية في حالة الإخوان المسلمين‏,‏ وشرعية جماهيرية في حالة الأحزاب التي جاءت الحركة في جوهرها لكي تحل محلها‏.‏ وبين جماعة الإخوان المسلمين‏,‏ والأحزاب الرسمية‏,‏ جرت شخصيات عامة ومستقلة لبست رداء الجماهيرية تارة‏,‏ والحكمة تارة أخري‏.‏ وثالثها أن الثورة الشبابية ومعظمها خرجت من رداء الطبقة الوسطي التي ولدتها الحكومات المتعاقبة للحزب الوطني الديمقراطي التي أحدثت ثورة اتصالية في البلاد ضمن ثورات أخري‏,‏ جنحت كمعظم الثورات إلي الإفراط في رفض وجود منجزات من أي نوع للحزب وحكوماته المتعاقبة‏.‏ ورابعها‏,‏ أن الثورة‏,‏ وطبيعتها الاجتماعية‏,‏ تجاهلت تماما أن في مصر طبقات اجتماعية أخري لم تعرف كثيرا عن الثورة الاتصالية‏,‏ كما أنها لا تستطيع‏,‏ ولا تتحمل‏,‏ شللا اقتصاديا طويلا في البلاد‏.‏ ودون الدخول في تفاصيل كثيرة معقدة فإن‏35%‏ من الاقتصاد المصري‏,‏ وربما ما هو أكثر‏,‏ يعد اقتصادا غير رسمي أهم سماته أن العاملين فيه يعتمدون مباشرة علي نتاج عملهم اليومي في تغطية نفقاتهم‏.‏
وهكذا تولدت جذور الثورة الثانية في مصر‏,‏ فمن ناحية‏,‏ فإنه رغم إدراك الكثيرين داخل الحزب الوطني الديمقراطي بعدالة مطالب الثورة إلا أنهم من ناحية رأوا أن المغالاة فيها وشطب الحزب كلية من الحياة السياسية المصرية هو حرمان لقطاعات واسعة من تاريخهم فضلا عن التاريخ المصري بحلوه ومره يمهد لنزعات ديكتاتورية تستبعد وتجتث وتستثني‏.‏ ومن ناحية أخري فإن الضعف التنظيمي للحركة‏,‏ أيا كانت عدالة مطالبها المشروعة‏,‏ جعلها مطية لا قائدا لجماعات أخري لا يوجد لديها تقاليد ديمقراطية حقيقية بل علي العكس لديها تقاليد فاشية أصيلة‏.‏ وهكذا‏,‏ وبعد أن قرر الحزب في بداية الثورة الأولي أن يترك المسرح لها‏,‏ بل وأن يتحرك نحوها قدر ما سمح الموقف والتوافق داخل الحزب حتي جري الوصول إلي خطاب الرئيس مبارك الذي أعلن فيه قراره بوضوح أنه لن يكون مرشحا للرئاسة مرة أخري‏.‏ وكان ذلك بداية لقرارات أخري تدور حول برنامج عمل للتحول الديمقراطي طالما دار الحلم به داخل الحزب يبدأ من التعديلات الدستورية للمواد‏76‏ و‏77,‏ وينبغي أن يضاف لها المادة‏88‏ أيضا‏,‏ حتي نصل إلي دستور مصري مدني جديد وحديث يتماشي مع العصر والديمقراطية الحقة‏.‏
كان ذلك ببساطة هو الترجمة العملية للمطالب الديمقراطية التي أشعلتها حركة الشباب‏,‏ وجرت ترجمتها إلي خطوات دستورية وعملية أخري‏,‏ وكل ذلك تحت ظلال من شبح الفوضي والتطرف‏.‏
وكانت النتيجة أن فجر ذلك الثورة الثانية في الثاني من فبراير وكان توجهها هو ميدان مصطفي محمود لكي تظهر تأييد برنامج للثورة الديمقراطية الشرعية‏;‏ وهكذا شهدت مصر مظاهرات مليونية من نوع آخر‏,‏ تطلب الديمقراطية الكاملة والشرعية التامة أيضا‏,‏ بمعني أن يتم الانتقال السلمي للسلطة وفقا لقواعد دستورية واضحة لا يشكك أحد بعد ذلك في شرعية أصولها ومصادرها‏.‏ تحدثت الأغلبية الصامتة في البلاد‏,‏ ولكنها لم تكن هي وحدها التي تكلمت‏,‏ وإنما تدخلت قوي أخري انفلت عيارها من قسوة الشلل الاقتصادي قادتها جماعة من نزلة السمان وهي منطقة سياحية حول أهرامات الجيزة انفلتت أعصابها من قسوة الأوضاع المادية لعائلاتها‏,‏ ولحقتها جماعات أخري علي نفس الشاكلة‏,‏ ولكن العيار سرعان ما انفلت تماما ودخلت جماعات البلطجة والسرقة‏,‏ وهي جماعات كانت موجودة منذ نشوب الثورة الأولي وقادت عمليات حرق مقار الحزب الوطني‏,‏ وأقسام البوليس‏,‏ وضربت بزجاجات الكوكتيل الملوتوف عربات مدنية‏,‏ وهاجمت بيوتا آمنة حتي قام شباب الثورة نفسها بحماية الأحياء والمنازل‏.‏
في النهاية فإن الثورات ليست بالبراءة التي يتصورها الناس‏,‏ وفيما عدا حالات نادرة‏,‏ فإن الثورات غالبا ما تخرج عن مسارها‏,‏ ويستغلها السفهاء والجهلاء والمجرمون‏,‏ ولكن الثورات الناجحة هي التي تعرف في النهاية كيف تحول أحلامها وأهدافها إلي برنامج عمل وتطبيق سياسي‏.‏ والآن فإن لدينا فرصة ذهبية لكي تلتقي الثورتان في ثورة واحدة تضع الديمقراطية والشرعية في إطار واحد‏;‏ وكان ذلك ممكنا أن يكون برنامج عمل لجان الحكماء المختلفة‏,‏ ودونها سوف يكون انقساما وشرخا هائلا في المجتمع يستمر معنا لعقود طويلة قادمة‏.‏ وربما لم يحدث في التاريخ أن كان الاختيار واضحا أمام المصريين كما هو الآن‏,‏ بين فرصة رائعة للانتقال الديمقراطي وتحقيق التقدم الشامل الذي يكفل الديمقراطية في إطار شرعي‏;‏ أو السير في طريق آخر قد يكون شكلا من أشكال الفوضي أو التمهيد لأنواع مختلفة من الديكتاتورية والفاشية‏.‏ تلك هي المسألة‏.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.