تنسيق الجامعات| صيدلة حلوان.. بوابة التميز والابتكار في علوم الدواء والصيدلة    «الزناتي» يفتتح أول دورة تدريبية في الأمن السيبراني للمعلمين    بعد مكاسب 122 دولارا.. بورصة الذهب تعاود التداول غداً    رئيس النواب يشيد بأداء لجنة الشئون الاقتصادية    قرارات إزالة لمخالفات وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    مجلس النواب يوافق على قانون تنظيم ملكية الدولة في الشركات المملوكة لها مبدئيا    مصر والسعودية.. شراكة طاقة إقليمية برؤية مستقبلية    حاج قاسم صاروخ إيراني يعيد رسم خطوط الاشتباك مع إسرائيل    النفط الإيرانية: جميع الوحدات والمنشآت في مصفاة أصفهان بحالة مستقرة    الأردن يعيد فتح مجاله الجوي أمام حركة الطيران المدني    مسلح يستهدف نواب أمريكا    نجوم الفن يدعمون الأهلي من مدرجات كأس العالم للأندية في أمريكا    «يوم الملك» ليفربول يحتفل بعيد ميلاد صلاح ال 33    محافظ الإسماعيلية: تذليل كافة العقبات التي تواجه سير العملية الامتحانية    ضبط 19 قضية مخدرات وتنفيذ 1862 حكما قضائيا في 3 محافظات    نشاط فني كبير .. يسرا 1x4    وائل كفوري يشعل أجواء الصيف بحفل غنائي في عمّان 15 أغسطس    إقبال كثيف على فعاليات ودورات مكتبة مصر العامة بالدقي خلال الأيام الماضية    افتتاح وحدتي مشتقات الدم والأشعة المقطعية ب«الإيمان العام» في أسيوط    «قصر العيني» يحقق إنجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    أسعار الأسماك اليوم الأحد 15 يونيو 2025    ارتفاع سعر الدولار اليوم الأحد 15-6-2025 إلى 50.81 جنيه أمام الجنيه المصرى    البابا تواضروس يترأس قداس الأحد في العلمين    استمرار القصف المتبادل.. ارتفاع عدد قتلى إسرائيل في اليوم الثالث للتصعيد مع إيران    السجن المشدد 7 سنوات لمتهم بتعاطى المخدرات في قنا    ضبط تشكيل عصابي تخصص في النصب على المواطنين بزعم توفير خطوط محمول مميزة بالقاهرة    «الداخلية»: تحرير 146 مخالفة لمحلات مخالفة لمواعيد الغلق خلال 24 ساعة    بيقولوا إني شبهك حتة منك.. ولي أمر يدعم ابنته أمام لجنة الثانوية العامة ببورسعيد    أشرف داري: الحظ حرمنا من الفوز على إنتر ميامي    «فين بن شرقي؟».. شوبير يثير الجدل بشأن غياب نجم الأهلي أمام إنتر ميامي    الاستحقاق النيابى بدأ فعليًا القائمةالموحدة مشاورات حزبية مستمرة لخوض السباق الانتخابى    وفاة نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي    معهد وايزمان جنوب تل أبيب: تضرر عدد من منشآتنا جراء قصف إيرانى ليلة أمس    سواريز: الشناوي نجم مباراة الأهلي وإنتر ميامي فى كأس العالم للأندية    إطلاق خدمات الجيل الخامس للمحمول    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    2923 طالبا يؤدون امتحانات الثانوية العامة فى 14 لجنة بمطروح.. فيديو    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    برواتب تصل ل12 ألف جنيه.. العمل تعلن وظائف جديدة بشركة أدوية بالإسماعيلية    دعاء امتحانات الثانوية العامة.. أشهر الأدعية المستحبة للطلاب قبل دخول اللجان    "زيزو الأعلى".. تعرف على تقييمات لاعبي الأهلي خلال الشوط الأول أمام إنتر ميامي    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    حارس إنتر ميامي الأفضل في افتتاح مونديال الأندية أمام الأهلي    جيش الاحتلال الإسرائيلي يستهدف مقر منظمة أبحاث دفاعية إيرانية    وكيل الأزهر يشكِّل لجنة عاجلة لفحص شكاوى طلاب العلمي من امتحان الفيزياء    ذكريات مؤثرة لهاني عادل: كنت بابكي وإحنا بنسيب البيت    بفستان أحمر جريء.. روبي تشعل أجواء حفل الجامعة الأمريكية (صور)    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    بداية العام الهجري الجديد.. تعرف على موعد إجازة رأس السنة الهجرية 1447    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    لافتة أبو تريكة تظهر في مدرجات ملعب مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
ثورة واحدة‏..!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 02 - 2011

ما يلي سوف يغضب الكثيرين داخل الدولة والحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ أو ما بقي منه‏,‏ والثوار علي أشكالهم وألوانهم المتنوعة‏,‏ وربما جماعات كثيرة داخل الشعب المصري‏,‏ وربما خارجه أيضا‏.‏ ولكن ما تعودته منذ بدأت الكتابة للرأي العام هو أن أقول كلمتي وأمشي متبعا قاعدة أنه لا خير فينا ما لم نقل ما نعتقد فيه‏,‏ ولا خير في الآخرين ما لم يقرأوا أو يسمعوا‏.‏
الاقتناع بعد ذلك قصة أخري‏,‏ والسير علي طريق هو قرار صاحبه‏,‏ وما جاء في هذا المقال وما سبقه ويلحقه هو محض اجتهادات جاءت بها الخبرة والثقافة والتعلم والتجربة‏,‏ وهي لا تعبر عن‏,‏ ولا تلزم‏,‏ أحدا غير صاحبها‏.‏
ونقطة البداية كانت مقابلة في قناة العربية مع رجل استثمار مصري معروف واشتهر بوطنيته ومواقفه الليبرالية النقية‏,‏ وأستاذ للقانون الدستوري كان وسيظل أستاذنا نعرف عنه الكياسة والحكمة وما يراه في نفسه من وسطية‏.‏ كلاهما‏,‏ رجل المال والفقيه‏,‏ كانا جزءا من إطار أكبر يشكل لجنة للحكماء هدفها رضاء وجه الله وخدمة الوطن في لحظة عصيبة من خلال الوساطة بين السلطة والثورة أو رجالاتها المتجمعين في أماكن شتي أبرزها ميدان التحرير‏.‏ كانت لدي الرجلين مطالب ستة‏,‏ تتراوح ما بين تخلي الرئيس عن سلطاته لنائبه‏,‏ حتي وضع دستور جديد للبلاد‏,‏ ولكنهما لم يكن في جعبتهما مطلب واحد من الثوار‏.‏
سأل المذيع‏-‏ حافظ المرازي‏-‏ السيد نجيب ساويرس والأستاذ الدكتور أحمد كمال أبوالمجد‏:‏ أجب بنعم أم لا‏:‏ هل يبقي المعتصمون علي حالهم من الاعتصام والثورة خلال تنفيذ هذه المطالب أم ينفضون لإيجاد ظرف ملائم لها؟ وجاءت الإجابة صاعقة من كلاهما‏:‏ لا‏.‏ وبينما كان رجل الأعمال قاطعا في كلمة واحدة‏,‏ كان الفقيه يقولها بعد مذكرة تفسيرية‏.‏
بدا الأمر غريبا للغاية ممن يصعب أن تجد للحكمة مكانا بعدهما‏,‏ فلو كان الأمر وساطة بين أطراف متنازعة لكانت الطلبات متوازنة وللطرفين معا‏,‏ خاصة وأن طرفا رئيس الدولة كان قد قبل بالفعل المطالب الأساسية للثوار‏,‏ وربما الأغلبية من الشعب أيضا‏.‏ بدت المسألة برمتها وضع مسدس علي رأس الدولة استمرار التظاهر والثورة والفورة وعدم الاستقرار والشلل الاقتصادي للدولة والمجتمع أو أن تنفذ الدولة مطالب الجماهير الثائرة بحرفيتها التي تفرض رحيل الرئيس عن الوطن من خلال أساليب دستورية‏.‏ كان الحكماء يريدون تنفيذ وتطبيق سيناريو زين العابدين بن علي حرفيا وإلا كان في ذلك إهانة للشعب والثوار والجماهير والأمة ومطالبهم العادلة أيا كانت المسميات التي تختارها‏.‏
كان ذلك من جانب فنون التفاوض والوساطة خاطئا‏;‏ ولكن الأخطر أنه كان يستند إلي قراءة خاطئة للواقع الذي كانت تجري فيه ثورتان لا ثورة واحدة ينبغي استيعاب كليهما في حل سياسي ينقذ الوطن مما وصل إليه من دمار‏.‏ الثورة الأولي باتت معروفة وهي التي اشتعلت يوم الخامس والعشرين من يناير‏,‏ والتي إذا استبعدنا منها شكوك اختيار التاريخ الذي جرت فيه واحدة من أهم الوقفات البطولية للشرطة المصرية ضد الاستعمار الإنجليزي‏,‏ فإنها كانت بالفعل حاملة بالقضية الديمقراطية من مستويات نظرية نتحدث عنها في المقالات والمؤتمرات والندوات إلي مستوي القبول الرسمي من رئيس الدولة‏.‏ وبالنسبة لي شخصيا فقد كان الموقف الذي اتخذته دوما كتابة وقولا‏,‏ وفي مناسبات متعددة سبقت ولحقت التعديلات الدستورية التي جرت في أعوام‏2005‏ و‏2007‏ أن مصر لا تحتاج تعديلات دستورية بقدر ما تحتاج دستورا جديدا أكثر تناسقا واتساقا ومدنية وحداثة‏;‏ وفيما يتعلق بالتعديلات الدستورية فقد كان لي تحفظات عدة خاصة بالنسبة للمواد‏76‏ و‏77‏ و‏88‏ وغيرها من المواد‏.‏
ولم يكن رفع الديمقراطية إلي مستويات جديدة تقرب الحلم من الحقيقة هو الإنجاز الوحيد لثورة عيد الشرطة‏,‏ وإنما نجم عنها مجموعة أخري من الملامح الخاصة التي نوجزها فيما يلي‏:‏
أولا‏:‏ انتهاء الفترة الرئاسية للرئيس مبارك في موعدها وفقا للتقاليد الدستورية كما نأمل حيث سيحافظ ذلك علي تقاليد مصرية أصيلة أشرت إليها في مقال سابق لي بعنوان الكتاب المنشور في‏18‏ سبتمبر‏2010‏ حيث كانت التقاليد الدستورية سواء كانت فرمانا عثمانيا أو إعلانا دستوريا أو دستورا مؤقتا أو دائما هي التي تحكم عملية الانتقال السلمي للسلطة سواء كان رأس الدولة هو الوالي أو الباشا أو الخديو أو السلطان أو الملك أو رئيس الجمهورية‏.‏ وإذا كان الرئيس مبارك قد وافق بالفعل علي تعديل المادة‏77‏ من الدستور بحيث يتم وضع حد زمني لقيادة الدولة فربما لا تكون هناك مبالغة في القول أنه سوف يكون من يضع أسس عهد ما بعد الدولة الفرعونية في مصر‏.‏
ثانيا‏:‏ انتهاء سخافة ما أطلق عليه سيناريو التوريث‏,‏ الذي انشغلت به قوي سياسية ومؤسسات صحفية وقنوات فضائية وجماعات مصلحية وتيارات فكرية‏,‏ علي مدي عقد كامل‏,‏ لدرجة أنه كان البند الأساسي علي أجندتها‏,‏ وتجاهلت القضايا الأخري التي تشغل المواطن المصري‏,‏ سواء سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو اجتماعيا‏.‏
ثالثا‏:‏ بزوغ ما يمكن تسميته بالحراك أو التحول الجيلي في مصر يعبر عن فكرة محورية مفادها سباق البشر مع الزمن‏,‏ وهو ليس حالة مصرية خاصة بقدر ما يعبر عن حالة عالمية عامة‏,‏ في الدول النامية أو المتقدمة‏,‏ مفادها أن الانتقال من جيل إلي آخر يحمل معه عناصر عديدة للتغيير‏.‏ فرؤي وأفكار وتصورات الأجيال الجديدة سواء في مصر أو أية دولة أخري لا تمثل تطورا خطيا للأجيال التي سبقتها‏,‏ ولكنها تمثل نقلة نوعية في طبيعة المجتمع‏.‏ ويضم الجيل الواحد مجموعات مختلفة وشرائح متنوعة من الشباب‏,‏ حيث توجد مجموعتان أو أكثر‏,‏ وقد تكون إحداها يسارية والأخري ليبرالية والثالثة إسلامية والرابعة قومية والخامسة بلا توجه فكري أو انتماء أيديولوجي‏,‏ ولكنها تنتمي لنفس الجيل‏,‏ وتشكل كل منها استجابة فكرية واجتماعية مختلفة لنفس المثير التاريخي الذي يتأثر به جميع الشباب‏,‏ وتمثل كل من تلك المجموعات وحدة جيلية‏generationunit‏ معينة‏,‏ والتي تظهر بدورها حينما يتبني أفرادها عددا من القيم والاتجاهات والأفكار والرؤي والتصورات والمشاعر المتشابهة‏,‏ وهي التي تقوم بصياغة الوعي والإدراك الجيلي لهؤلاء الأفراد‏.‏ وتبرز أهم مظاهر الوعي الجيلي في مصر الآن في النواحي المتعلقة بالتعامل مع تكنولوجيا العصر‏,‏ وتحديدا الكمبيوتر والانترنت والفيس بوك والمحمول‏.‏
ورابعا‏:‏ فقد شهدت السنوات الماضية انحسارا في نشاط المعارضة السياسية التقليدية‏,‏ وتحديدا الأحزاب‏,‏ وظهرت ساحات جديدة لوجود قوي المعارضة في الساحة المصرية‏,‏ للتعبير عن مواقفها وطرح آرائها‏,‏ للحوار والنقاش إزاء قضايا الداخل ومشكلات الخارج‏.‏ وقد كان أبرز هذه الساحات ما يسمي بالفضاء الإلكتروني‏,‏ وخاصة موقع ال‏FaceBook,‏ حيث تزايد اعتماد الأجيال الجديدة بدرجة كبيرة علي هذه الساحة كوسيلة لطرح أفكارها وتشكيل توجهاتها‏,‏ لدرجة أن هذه التكنولوجيا صارت تتمتع بدور المؤسسات السياسية البديلة‏(‏ مثل الأحزاب السياسية‏)‏ التي يستقي منها نشطاء الإنترنت أو المدونون أو البلوجرز خبراتهم وإدراكاتهم تجاه العديد من القضايا‏,‏ سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو حتي شخصية‏.‏ وهكذا جري جذب قطاعات واسعة من الشباب إلي النطاق العام‏,‏ وأصبح الإنترنت بديلا إعلاميا وسياسيا يتجاوز الأطر التي اعتاد عليها المجتمع المصري‏,‏ وبرزت عدة أساليب للتواصل مع الرأي العام ومنها منتديات الحوار والمجموعات البريدية والفيس بوك والمدونون التي ظهر عبرها حالة غير مسبوقة من الاهتمام بالشأن العام بين قطاعات واسعة من الجيل الجديد‏,‏ والذي وجهت دوما انتقادات له من وسائل الإعلام التقليدية والأجيال السابقة بأنه جيل تافه لا يعرف الانتماء ولا يلقي اهتماما لقضايا الوطن والمنطقة‏.‏ واللافت للنظر أن نشطاء الإنترنت يحملون ملامح خاصة‏,‏ فغالبا هم من الشباب ولديهم دراية معقولة باللغة الإنجليزية وأغلبهم مستواهم التعليمي فوق المتوسط وطلبة جامعيون‏,‏ واقتصاديا ينتمي أغلبهم للفئات المختلفة داخل الطبقة الوسطي الجديدة‏.‏ كما أنهم ليسوا منتمين تنظيميا لأحزاب سياسية محددة‏,‏ إلا أن هناك شريحة من هؤلاء ينتمون لتيارات سياسية احتجاجية وقلة منهم تنتمي إلي جماعات محظورة قانونا مثل الإخوان المسلمين‏.‏ وقد أثبتت خبرة الأيام الماضية إن المعارضين الجدد لا يعد بالإمكان ليس فقط إسكات أصواتهم لأنها أصبحت عالية وإنما لا يمكن تجاهل مطالبهم أو التغاضي عن تلبية طموحاتهم‏.‏
وخامسا‏:‏ انتهاء الحزب القائد المسيطر في مصر‏,‏ وهو الحزب الوطني الديمقراطي‏.‏ فلم يعد مقبولا أن تكون الحياة السياسية في مصر قائمة علي عدم وجود توازن في النظام الحزبي بين حزب قائد مهيمن له أغلبية كبيرة في البرلمان منذ بداية الحياة الحزبية في النصف الثاني من السبعينات‏,‏ وأغلبية من الأحزاب الصغيرة والهامشية يتراجع تمثيلها من انتخابات لأخري‏,‏ وهو ما برز جليا في انتخابات مجلس الشعب‏2010,‏ بين حزب تبلغ العضوية فيه ما يقرب من ثلاثة ملايين عضو‏,‏ وأحزاب لا تتجاوز عضويتها العشرات والمئات‏.‏ ولكن الأهم من ذلك كان ما أفرزته الانتخابات المختلفة من غالبية متحكمة في صناعة القوانين‏,‏ كان آخرها الانتخابات الأخيرة التي لم ينجح الحزب في إقناع المواطنين بنزاهتها‏.‏
كان ذلك هو الناتج الإيجابي لثورة الخامس والعشرين من يناير وجري عليه ما جري لكل الثورات في التاريخ مع خصائص سلبية خاصة بها‏.‏ أولها أن قلب هذه الثورة الذي شكله الشباب كان عاجزا تماما عن وضع إطار تنظيمي يسمح بتحويل أفكار الثورة إلي إطار عمل يمكن السعي لتنفيذه أو التفاوض حوله أو فرضه إذا ما لاحت القدرة والإمكانية‏.‏ كان واضحا أن التنظيمات المختلفة التي كونت الحركة الثورية كلها حشد‏,‏ حملة دعم البرادعي‏,‏ الجمعية الوطنية للتغيير‏,‏ الاشتراكيين الثوريين‏,‏ التجديد الاشتراكي‏,‏ خالد سعيد تتصرف كأنها جماعات متفرقة‏,‏ يعيش كل منها في خيم مختلفة في ميدان التحرير‏,‏ وتدار العملية السياسية بينها كما لو كانت تجري علي شبكة الإنترنت‏.‏ مثل هذا الحال لا يقيم أود دولة‏,‏ أو يقود خطواتها‏,‏ أو يدفعها حتي إلي نظام ديمقراطي ناضج‏.‏ وكان حل ذلك هو وضع شعار بسيط هو إسقاط النظام‏,‏ ترتعد الجماعة من تحديد معناه‏,‏ وتعجز تماما عن تحديد ما سوف يأتي بعده‏.‏ وثانيها أنه طالما ظلت الحركة الشبابية علي عجزها التنظيمي‏,‏ فإنه بات عليها من ثم أن تعتمد علي جماعات سياسية أخري سعت إلي ابتلاعها أو وضعها دروعا تعطيها شرعية مدنية في حالة الإخوان المسلمين‏,‏ وشرعية جماهيرية في حالة الأحزاب التي جاءت الحركة في جوهرها لكي تحل محلها‏.‏ وبين جماعة الإخوان المسلمين‏,‏ والأحزاب الرسمية‏,‏ جرت شخصيات عامة ومستقلة لبست رداء الجماهيرية تارة‏,‏ والحكمة تارة أخري‏.‏ وثالثها أن الثورة الشبابية ومعظمها خرجت من رداء الطبقة الوسطي التي ولدتها الحكومات المتعاقبة للحزب الوطني الديمقراطي التي أحدثت ثورة اتصالية في البلاد ضمن ثورات أخري‏,‏ جنحت كمعظم الثورات إلي الإفراط في رفض وجود منجزات من أي نوع للحزب وحكوماته المتعاقبة‏.‏ ورابعها‏,‏ أن الثورة‏,‏ وطبيعتها الاجتماعية‏,‏ تجاهلت تماما أن في مصر طبقات اجتماعية أخري لم تعرف كثيرا عن الثورة الاتصالية‏,‏ كما أنها لا تستطيع‏,‏ ولا تتحمل‏,‏ شللا اقتصاديا طويلا في البلاد‏.‏ ودون الدخول في تفاصيل كثيرة معقدة فإن‏35%‏ من الاقتصاد المصري‏,‏ وربما ما هو أكثر‏,‏ يعد اقتصادا غير رسمي أهم سماته أن العاملين فيه يعتمدون مباشرة علي نتاج عملهم اليومي في تغطية نفقاتهم‏.‏
وهكذا تولدت جذور الثورة الثانية في مصر‏,‏ فمن ناحية‏,‏ فإنه رغم إدراك الكثيرين داخل الحزب الوطني الديمقراطي بعدالة مطالب الثورة إلا أنهم من ناحية رأوا أن المغالاة فيها وشطب الحزب كلية من الحياة السياسية المصرية هو حرمان لقطاعات واسعة من تاريخهم فضلا عن التاريخ المصري بحلوه ومره يمهد لنزعات ديكتاتورية تستبعد وتجتث وتستثني‏.‏ ومن ناحية أخري فإن الضعف التنظيمي للحركة‏,‏ أيا كانت عدالة مطالبها المشروعة‏,‏ جعلها مطية لا قائدا لجماعات أخري لا يوجد لديها تقاليد ديمقراطية حقيقية بل علي العكس لديها تقاليد فاشية أصيلة‏.‏ وهكذا‏,‏ وبعد أن قرر الحزب في بداية الثورة الأولي أن يترك المسرح لها‏,‏ بل وأن يتحرك نحوها قدر ما سمح الموقف والتوافق داخل الحزب حتي جري الوصول إلي خطاب الرئيس مبارك الذي أعلن فيه قراره بوضوح أنه لن يكون مرشحا للرئاسة مرة أخري‏.‏ وكان ذلك بداية لقرارات أخري تدور حول برنامج عمل للتحول الديمقراطي طالما دار الحلم به داخل الحزب يبدأ من التعديلات الدستورية للمواد‏76‏ و‏77,‏ وينبغي أن يضاف لها المادة‏88‏ أيضا‏,‏ حتي نصل إلي دستور مصري مدني جديد وحديث يتماشي مع العصر والديمقراطية الحقة‏.‏
كان ذلك ببساطة هو الترجمة العملية للمطالب الديمقراطية التي أشعلتها حركة الشباب‏,‏ وجرت ترجمتها إلي خطوات دستورية وعملية أخري‏,‏ وكل ذلك تحت ظلال من شبح الفوضي والتطرف‏.‏
وكانت النتيجة أن فجر ذلك الثورة الثانية في الثاني من فبراير وكان توجهها هو ميدان مصطفي محمود لكي تظهر تأييد برنامج للثورة الديمقراطية الشرعية‏;‏ وهكذا شهدت مصر مظاهرات مليونية من نوع آخر‏,‏ تطلب الديمقراطية الكاملة والشرعية التامة أيضا‏,‏ بمعني أن يتم الانتقال السلمي للسلطة وفقا لقواعد دستورية واضحة لا يشكك أحد بعد ذلك في شرعية أصولها ومصادرها‏.‏ تحدثت الأغلبية الصامتة في البلاد‏,‏ ولكنها لم تكن هي وحدها التي تكلمت‏,‏ وإنما تدخلت قوي أخري انفلت عيارها من قسوة الشلل الاقتصادي قادتها جماعة من نزلة السمان وهي منطقة سياحية حول أهرامات الجيزة انفلتت أعصابها من قسوة الأوضاع المادية لعائلاتها‏,‏ ولحقتها جماعات أخري علي نفس الشاكلة‏,‏ ولكن العيار سرعان ما انفلت تماما ودخلت جماعات البلطجة والسرقة‏,‏ وهي جماعات كانت موجودة منذ نشوب الثورة الأولي وقادت عمليات حرق مقار الحزب الوطني‏,‏ وأقسام البوليس‏,‏ وضربت بزجاجات الكوكتيل الملوتوف عربات مدنية‏,‏ وهاجمت بيوتا آمنة حتي قام شباب الثورة نفسها بحماية الأحياء والمنازل‏.‏
في النهاية فإن الثورات ليست بالبراءة التي يتصورها الناس‏,‏ وفيما عدا حالات نادرة‏,‏ فإن الثورات غالبا ما تخرج عن مسارها‏,‏ ويستغلها السفهاء والجهلاء والمجرمون‏,‏ ولكن الثورات الناجحة هي التي تعرف في النهاية كيف تحول أحلامها وأهدافها إلي برنامج عمل وتطبيق سياسي‏.‏ والآن فإن لدينا فرصة ذهبية لكي تلتقي الثورتان في ثورة واحدة تضع الديمقراطية والشرعية في إطار واحد‏;‏ وكان ذلك ممكنا أن يكون برنامج عمل لجان الحكماء المختلفة‏,‏ ودونها سوف يكون انقساما وشرخا هائلا في المجتمع يستمر معنا لعقود طويلة قادمة‏.‏ وربما لم يحدث في التاريخ أن كان الاختيار واضحا أمام المصريين كما هو الآن‏,‏ بين فرصة رائعة للانتقال الديمقراطي وتحقيق التقدم الشامل الذي يكفل الديمقراطية في إطار شرعي‏;‏ أو السير في طريق آخر قد يكون شكلا من أشكال الفوضي أو التمهيد لأنواع مختلفة من الديكتاتورية والفاشية‏.‏ تلك هي المسألة‏.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.