ننشر نص مذكرة رد محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمد ناجى شحاتة, فى قضية غرفة عمليات رابعة والتى قررت المحكمة وقف سير الدعوى لحين الفصل فى طلب الرد المقدم من المتهم صلاح سلطان والمحدد له يوم 8إبريل الجارى أمام محكمة الاستئناف القاهرة والذى قال فيها دفاع المتهم: معاملة السيد المستشار رئيس الدائرة لطالب الرد معاملة متدنية خرج بها عن حد مساوة طالب الرد مع باقى خصوم الدعوى, وذلك بما وجهه لطالب الرد من عبارات مسيئة لشخصه مهدرًا بها أصل براءة المتهم الذى يصاحبه فى كل مراحل الدعوى, وكاشفًا عن سبق تكوين عقيدته تجاه موضوع الدعوى ومركز طالب الرد فيها. لقد فوجئ طالب الرد فى أول جلسة من جلسات محاكمته بالسيد المستشار: رئيس الدائرة التى تحاكمه -والمردود بموجب هذا الطلب- وقبل إبداء طالب الرد أو دفاعه لأى دفاع أو كلمة فى موضوع الدعوى – فوجئ بالسيد المستشار رئيس الدائرة يوجه له ألفاظًا غير لائقة، حيث خاطبه بألفاظ مثل: اخرس , ونسب إليه أنه غير محترم وهو ما أهدر به السيد المستشار رئيس الدائرة المبدأ الدستورى أن الأصل فى المتهم البراءة, وهو المبدأ الذى يصاحب المتهم طوال إجراءات الدعوى طبقًا لنص المادة 95 من الدستور الحالى والتى تنص على أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته فى محاكمة قانونية عادلة , تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بحصول المتهم على محاكمة قانونية منصفة تراعى فيها كل الضمانات التى تكفل توازنًا بينه وبين وباقى أطراف الخصومة فى الدعوى الجنائية, وترسخ فى نفسه الشعور بالأمن والطمأنينة أثناء مباشرة إجراءات الدعوى وأنى للمتهم أن يشعر بهذه الطمأنينة, ويرسخ فى نفسه هذا الشعور بالأمان , وهو يرى ويسمع أن قاضيه يعامله معاملة متدنية يهدر به اعتباره, وينال بها من شرفه , وهو أستاذ الجامعة فى كلية دار العلوم الذى يقوم على تعليم الأجيال , ولا ينال من ذلك أنه متهم طالما لم يصدر حكم نهائى بإدانته , بل إن صدور هذا الحكم لا يجعل اعتباره غرضًا ولا شرفه هدفًا ، و هو ما لا يمكن تفسيره إلا بأن المحكمة قد كونت رأيًا مسبقًا تجاهه, الأمر الذى جعلها تضعه فى مركز إجرائى متدنى, حال بينه وبين أن يستمر فى إجراءات الدعوى واثقًا أنه سيلقى الحكم العدل القائم على المحاكمة المنصفة للمجتمع, وله على حد سواء، وبما ولد فى نفسه الشعور بأن إجراءات الدعوى ستتحول إلى وثيقة اتهام مستمرة يقف طالب الرد أمامها موقف الإذعان أو الخضوع مما يهدر أصل البراءة فيه ويعصف بمبدأ التوازن بين خصوم الدعوى ويهدر حقه فى مواجهة حقوق الاتهام. هذا والمستقر عليه أن القاضى يتقيد فى سبيل الوصول إلى الحقيقة بضمان تطبيق قانون العقوبات, وبألا يصل إلى هذه الحقيقة إلا من خلال إجراءات قانونية (منصفة) تكفل حماية الحرية الشخصية للمتهم, وتنفذ الضمانات القانونية المقررة له تحقيقًا للتوازن بين أطراف الخصومة فى الدعوى الجنائية. ولا تتوافر المحاكمة المنصفة العادلة إلا بضمانة حق الدفاع الذى تتساوى فيه ووتكافأ فيه الخصوم فى الأسلحة المقررة بمقتضى القانون , وتتوازن فيه الحقوق المقررة للخصوم فى الدعوى ومفاد ما تقدم أن كل خصم فى الدعوى يجب أن تتوافر له إمكانية معقولة لتقديم قضيته أمام المحكمة فى ظروف لا تسيئ إليه بالنظر إلى خصمه فى الدعوى , وهذا التوازن الواجب بين خصوم الدعوى يجد مصدره وأساسه الدستورى والقانونى فى قرينة البرءاة وقوامها أن كل متهم بجريمة مهما بلغت جسامتها يجب معاملته بوصفه شخصًا بريئًا حتى تثبت إدانته بحكم قضائى، ولا ينال من ذلك القول بأن للمحكمة كاملة السلطة فى إدارة الجلسة بما يكفل نظامها وعلى النحو الذى تملك أن تستعين بأى وسيلة تكفل ضمان هذا النظام, لأن كفالة هذا النظام والقيام بتلك الإدارة يجب أن لا ينال بها المحكمة الحقوق الشخصية للمتهم واعتباره وشرفه تلك الحقوق التى لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا طبقًا لنص المادة 92 من الدستور الحالى. ولقد طلب طالب الرد من السيد المستشار رئيس الدائرة بأن يعامله معاملة تكفل له اعتباره ومساواته بباقى الخصوم فى الدعوى وتحفظ له أصل البراءة إلا أنه ظل على سيرته معه, وحيث عمد إلى الإسراع فى مباشرة إجراءات الدعوى, وعلى النحو الذى أرهق الدفاع, وأثقل كاهل طالب الرد فى عدم قدرته فى الاستمرار فى محاكمة لا يستطيع أن يتمتع خلالها بأدنى الحقوق الإجرائية التى تكفل التوازن بين خصوم الدعوى ومركزه القانوى فى مواجهة سلطة الاتهام. ويشعر أنه يعامل بصفته بريء لا متهما صدر ضده حكم قبل أن تبدأ إجراءات الدعوى, وهو ما اضطر معه الدفاع إلى مخاطبة المحكمة بعدم استطاعته أن يستكمل دوره الملقى على عاتقه فى ظل هذه المعاملة التى تنال من اعتبار طالب الرد ودفاعه على حد سواء, وهو ما يجعل طلب الرد هذا جديرًا بالقبول ثانيًا :استمرار السيد المستشار المطلوب رده فى نظر الدعوى رغم الإهدار بضمان علانية الجلسات لقد فوجئ طالب الرد بعقد أولى جلسات دعوى محاكمته فى معهد أمناء الشرطة الملحق بسجن طرة , وهو مكان شديد الحراسة , غير مفتوح لعامة الناس ولا يملك كل من يريد حضور جلسات الدعوى حضورها رغم سعة قاعة المحاكمة وشدة حراستها . ولقد وقفت المحكمة بالحضور عند حد المتهمين و دفاعهم , و دون حضور عامة الناس أو جزء من الشعب الذى يصدر الحكم باسمهم ودون حضور أهالى المتهمين وأهل طالب الرد . وهو ما يتعارض مع ما يوجبه التحقيق النهائى - خلاف التحقيق الابتدائى من أن يكون علنيا وقد أكدت ذلك المادة 18 من قانون السلطة القضائية , و المادة 268 من قانون الإجراءات الجنائية بنصها : " يجب أن تكون الجلسة علنية، ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب، إن تامر بسماع الدعوى كلها أو بعضها فى جلسة سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها". وتعتبر العلانية - على هذا النحو - من القواعد القانونية الجوهرية ذات الطبيعة الدستورية فى المحاكمات الجنائية - والتى يترتب على مخالفتها البطلان المطلق للإجراءات ويبطل الحكم الذى يصدر تبعا لذلك , وهى بهذه الصفة , تعد حقا متعلقا بحسن سير العدالة, فلا يملك الخصوم التنازل عنه , ولا تملك المحكمة المساس به, إلا فى إطار التنظيم القانونى الحاكم لهذا الضمان , وهو ما يتحقق معه الاطمئنان إلى الجهاز القضائى ويمنح الثقة فى عدالة الأحكام التى تصدر بناء على المحاكمة انظر الإجراءات الجنائية فى التشريع المصرى د مأمون محمد سلامة – الجزء الثانى – ط 1992 ص 89 , الإجراءات الجنائية فى التشريع المصرى - د أمال عبد الرحيم عثمان – ص 412 وما بعدها , الوسيط فى شرح قانون الإجراءات الجنائية – د أحمد فتحى سرور ط 1992 ص 715 وما بعدها " ولا يخفى ما تحققه العلانية من تدعيم مصلحة العدالة نظرا لأنها تدفع الشهود , وكل من يعاون السلطة القضائية إلى إلتزام الصدق والدقة فيما يقدمه من إقرارات وبيانات , فضلا عما تحققه من ضمان للمتهم فى أن يدلى بدفاعه أمام الرأى العام وأن يعلن براءته على الجمهور . ومما لا شك أن المحاكمة وفى ظل هذا الإفتقاد للعلانية , يحيل المحاكمة فى مواجهة المتهمين إلى محاكمة سرية وهو الباطل فى حكم القانون لذلك.