ذكرت فى مقال سابق ان العسكر لا توجد لديهم الرغبة الحقيقية او الاستعداد الجاد لقبول حل سياسي للازمة الراهنة او اجراء مصالحة وطنية شاملة وانهم لن يقبلوا بوصول الاسلاميين الى السلطة أو الرئاسة حيث الخلاف بين العسكر والاسلاميين على تنوعاتهم فى الوجود ذاته وليست فى السياسات .. وذكرت أيضا ان العسكر بعد تمكنهم قد يقبلون بالكاد بوجود ديكورى للتيار الاسلامي يخدم اهدافهم ولا يخرج عن سلطانهم . ذكرني بهذا المقال خطاب ترشح السيسي للرئاسة حيث ان اهم ما جاء فيه من وجهة نظري تأكيده على عدم الإقصاء او التفرقة أو استثناء احد باعتبار ان جميع أبناء مصر " فى قاربٍ واحدٍ " وأنه " لن يكون له حساباتٌ شخصيةٍ يصفيها ، أو صراعات مرحليةٍ يمضي وراءها " وأنه سوف " يمد يده للجميعِ فى الداخلِ وفى الخارجِ وأنّ أى مصرى أو مصريةِ لم تتمُ إدانته بالقانونِ هو شريكٌ فاعلٌ فى المستقبلِ بغيرِ حدودٍ أو قيود " .
هذا الخطاب من السيسي بعد اعلان ترشحه للرئاسة أو بعد ضمانه " منصب الرئاسة " خطابا تصالحيا ( برجماتيا ) متوقعا لا يحمل اية مفاجئات .. فاي رئيس قادم لن ينجح أو يستمر فى إدارة البلاد الا بإجماع وطني ومصالحة شاملة بين أبناء الوطن وهذا ما يفتقده السيسي على وجه الخصوص .. بل أزعم ان المؤسسة العسكرية ( بعد وصول السيسي للرئاسة ، وبعد وضعها المتميز فى الدستور ، وبعد السيطرة الكاملة على القضاء والاعلام والداخلية ) تكون قد أحكمت السيطرة على مقاليد البلاد ، ومفاصل الدولة ، ومقدرات الوطن و يهمها بشكل عاجل وضروري اجراء مصالحة تضمن تواجدا إسلاميا هشا فى آية حكومة او برلمان قادمين .
أقرر : ان تمكن العسكر من مقاليد الامور فى البلاد طالما انه بلا قاعدة شعبية او إجماع وطني يصبح تمكينا شكليا مهددا بالزوال وعدم الاستقرار لذا يسعى السيسي جاهدا بخطاب تصالحي لاحداث هذا الإجماع الوطني .. وعليه : فان مستقبل التيار الاسلامي فى مصر بل فى المنطقة العربية كلها متوقف على مدى قبول هذا التيار لاجراء تلك المصالحة الوطنية المرتقبة مع ( الرئيس السيسي ) من عدمه وسيكون امام التيار الاسلامي احد طريقين :
الاول : اتجاه اقرار المصالحة الوطنية وان لم يحقق التيار الاسلامي فيها كل ما يريد من مطالب أو آهداف وذلك جلبا للمصالح ودرءا للمفاسد حيث سيعتبر هذا الاتجاه ان تلك المصالحة فرصة جديدة لعودة ذلك التيار وإعادة ترتيب أوراقه وتصحيح اوضاعه بعد الأزمة العنيفة التى تعرض لها لا سيما وان التيار الاسلامي لم يستطع حتى الان رغم ضخامة التضحيات إسقاط الانقلاب او دفعه أوإجباره على الاقل على التراجع أو الاستجابة لمطالب الثورة وعودة الشرعية .
الثاني : اتجاه رفض تلك المصالحة والاستمرار فى معارضة الانقلاب وعدم الاعتراف بشرعية الرئيس ( السيسي ) مع الاستعداد لتقديم المزيد من التضحيات لان قبول تلك المصالحة الشكلية تعني زوال شرعية التيار الاسلامي بالكلية ، وان المصالح او المكاسب التى سيحصل عليها من جراء تلك المصالحة مهما عظمت فإنها لن تتناسب مع كم التضحيات التى بذلت أو الدماء التى أريقت لا سيما ان المعركة لم تحسم أو تنتهي بعد وان الانقلاب أو رئيسه ( السيسي ) لن يستطيع الاستمرار فى منصبه او تحقيق أى إنجاز فى ادارته للدولة مع استمرار الفعاليات والاحتجاجات اليومية مهما كانت قوته الباطشة او ممارساته القمعية .
( ويبقى التساؤل ) هل سيوحد " التحالف الوطني لدعم الشرعية " صفوفه ويحسم أمره بشكل واضح وقاطع فى عدم القبول أو الالتفات لأية مصالحات شكلية تسعى لاضفاء شرعية زائفة للانقلاب واحداث حالة مزيفة من الاجماع الوطني ويستمر فى موجاته الثورية رغم التضحيات ومهما طال الزمن .. أم سيتجه الى قبول تلك المصالحة الشكلية والوهمية جلبا للمصالح ودرءا للمفاسد وحقنا للدماء ؟!!!!! اعتقد ان الاجابة على هذا التساؤل الهام سيحدد بشكل كبير مستقبل التيار الاسلامى ليس فى مصر وحدهاانما فى المنطقة برمتها فضلا عن مستقبل وشرعية تحالف دعم الشرعية ذاته .