القاهرة - خاص بإعلان المشير السيسي وزير الدفاع المصري ترشيح نفسه رسميا في انتخابات الرئاسة واستقالته من منصبه ، تأكدت فعليا مخاوف معارضي حكم العسكر في مصر والعالم ، وأيقنوا أن ما جري في 3 يوليه 2013 كان انقلابا عسكريا حقيقيا أستهدف التخلص من أول رئيس مدني منتخب ينتمي للتيار الاسلامي الذي تربت المؤسسة العسكرية والأمنية علي كراهيته والتوجس منه طوال 62 عاما من الحكم العسكري ، فضلا عن صراعها معه بسبب رغبة الاسلاميين بعد فوزهم بالرئاسة والبرلمان في إقصاء العسكر عن العمل السياسي والتفرغ لدورهم في حماية الحدود وتقليص مصالح ونفوذ ومشاريع الجيش الاقتصادية الخاصة . والحقيقة أن ترشح السيسي لن يكون لصالحه لعدة أمور أبرزها : 1- أن تركه منصبه العسكري سوف يزيد النقد والهجوم السياسي عليه دون خوف من السلاح الذي كان مسلطا علي رقبة الجميع بأنهم يهاجمون الجيش في صورة قائده. 2- أنه بعدما كان مسئولا عن جرائم متهمة المؤسسة العسكرية بالقيام بها في حق الشعب واستخدام الرصاص الحي في مواجهته ، سوف يحمل – حينما يتولي الرئاسة – بجرائم المؤسسة الامنية أيضا في قتل المتظاهرين ، وجرائم القضاة الذين شوهوا صورة القضاء المصري بإنحيازهم للانقلاب و"تسييس" أحكام القضاء ، فضلا عن تحمله كل مشاكل الدولة الاقتصادية . 3- أنه متهم بقتل الاف المصريين وسيظل تاريخه ملطخا بهذه الدماء والقمع والديكتاتورية التي انتشرت منذ انقلابه العسكري في 3 يوليه الماضي ، وقد يصبح مطاردا من منظمات حقوقية دولية لو صدرت ضده أحكام تدينه خارج مصر ، ما يجعله محاصرا داخل مصر وغير مسموح له بزيارة سوي الدول التي لا تقبل اعتقاله بتهم ارتكابه جرائم قتل . 4- أن السيسي معرض للتضحية به في أقرب فرصة في ظل تصاعد الثورة الشعبية ، وسوف يضطر المجلس العسكرية للتضحية به ككبش فداء كما فعل المشير طنطاوي مع الرئيس السابق مبارك برغم علاقتهما القوية . 5- أن ترشحه معناه عودة "عسكرة" الدولة المصرية وثبوت عدم صدقه فيما أعلنه هو والمجلس العسكري من أنه غير راغب في الترشح للرئاسة . سر "عسكرة" منصب الرئاسة ولكي نفهم سر هذا الاصرار علي "عسكرة" منصب الرئاسة مرة اخري في مصر وعدم السماح بعودة الرئيس الشرعي المدني محمد مرسي ولا أي رئيس مدني أخر ، بما في ذلك المرشح الناصري حمدين صباحي الذي قوبل بهجوم ساحق لمجرد تفكيره في الترشح للرئاسة ويعاني من اعتقال انصار حملته الرئاسية ، من المهم ان نفهم طبيعة ما يسمي (جمهورية الضباط في مصر) التي تهيمن علي مفاصل الدولة المصرية أقتصاديا وإداريا ومحليا ورقابيا وسياسيا وحجم نفوذها في مصر منذ عام 1952 . فقد تصاعد هذا النفوذ منذ 1952 وتعاظم بحلول عام 1991 في عهد الرئيس المخلوع مبارك الذي قرب العسكريين وأعطاهم الكثير لكي يضمن ولاءهم ومع هذا ضحوا به عندما وجدوا أن امتيازاتهم ستضيع عقب ثورة 25 يناير ، فسعوا للسير في ركاب الثورة حتي وجدوا أول فرصة للعودة مرة أخري بعد انقلاب السيسي . ومع أن الدكتور أنور عبد الملك سبق أن تناول هذه الظاهرة في كتابه الأشهر عن مصر باعتبارها «المجتمع العسكري» ، كما تناولها الدكتور أحمد عبد الله رزه في كتابه (الجيش والديمقراطية في مصر) ، إلا أن الدراسة الاخيرة التي أعدها يزيد صايغ لمؤسسة (كارنيجي) أغسطس 2012 كانت أشمل وأعمق وتتناول دور الجيش عقب ثورة 25 يناير وتجعلنا نفهم لماذا انقلب الفريق السيسي علي الرئيس مرسي ، وأن ندرك أن الامر أعمق من مجرد خلاف حول حكم مرسي أو خارطة طريق بقدر ما هو "حجة" للانقلاب لأن الهدف الاكبر هو عسكرة الرئاسة مرة اخري ومنع خروجها من أيدي العسكر مطلقا خصوصا بعدما سعي الاسلاميون في البرلمان لمراجعة أنشطة الجيش العسكرية وموازنته وتجريده من إمتيازات ضخمة فدخلوا عش الدبابير !. رابع رئيس عسكري لو استثنينا فترة الرئيس محمد نجيب كأول رئيس عسكري لمصر عقب الانتقال من الملكية الي الجمهورية ، فإنه يمكن القول أن السيسي مرشح ليكون هو رئيس مصر العسكري الرابع بعد عبد الناصر والسادات ومبارك ، بعدما عاشت مصر لمدة عام واحد في ظل حكم رئيس مدني منتخب ، ما يعيد مصر مرة أخري الي حظيرة الحكم العسكري الذي استمر 60 عاما وقد لا تخرج منه إلا بعد مدة مماثلة بسبب البطش والقهر الذي أصبح نهج التعامل مع الثوار . ومؤشرات ترشح السيسي للرئاسة كانت واضحة للعيان رغم زعمه هو شخصيا أنه غير راغب في الترشح للرئاسة وتأكيد المجلس العسكري أنه لن يترشح أحد منه لهذا المنصب ، بدأت بالتحالف مع رموز الدولة العميقة الأخري (شرطة – قضاء – رجال أعمال - بيروقراطية – حزب وطني) ، ثم إقصاء القوي السياسية الكبري علي الساحة (التيار الاسلامي) بالقتل والاعتقال . وليست الاعلام والملصقات التي كانت تملاء شوارع مصر منذ الانقلاب مطالبة ب "زعيم لمصر" وترشح الفريق أول عيد الفتاح السيسي رئيسا لمصر ، سوي جانب من مشهد العسكرة وعودة نظام مبارك ولكن بدون الرأس "مبارك" . وجاء إعلان الرئيس المؤقت عدلي منصور تعديل خارطة الطريق وتقديم انتخابات الرئاسة علي البرلمانية ، ثم ترقية السيسي الى رتبة مشير، وتفويض المجلس العسكري له لقبول الترشح للرئاسة ، ليؤكد أن الهدف كان واضحا منذ بدء الانقلاب وهو عودة عسكرة رئاسة الجمهورية ، وأن شيطنة الرئيس مرسي وجماعته (الاخوان) لحشد المعارضة العلمانية واليسارية الكارهة للاسلاميين واستخدامهم كسلاح لعزل مرسي ثم عزلهم هم أيضا لاحقا كما يحدث حاليا !. رئيس ووزير دفاع معا !! ولأنه يخشي ولا يزال يخشي التضحية به في أول فرصة في حال تصاعد الثورة الشعبية ، فقد تأخر اعلانه الترشح للرئاسة حتي الفرصة الاخيرة ، بل وسعي أنصاره بما فيها قضاة الانقلاب للمطالبة بجمعه بين منصبي الرئاسة ووزير الدفاع لحين ظهور نتيجة الانتخابات علي خلاف الاعراف الديمقراطية . حيث أكدت المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقا، التي عزلها الرئيس محمد مرسي ، "أنه فى حالة إعلان الفريق أول عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة عن ترشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية فإنه لا يوجد فى القانون أو الدستور ما يلزمه بالاستقالة من منصبه الحالى سواء فى الوزارة أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة ". وقالت "الجبالى" فى تصريحات صحفية : "إن الدستور الجديد أقر وضعية قانونية جديدة وهى أنه فى حالة ترشح وزير أو موظف عام لمنصب معين أو لانتخابات لا يلزمه بالاستقالة من منصبه وذلك يسرى على القضاة والوزراء وهى المدة البينية ما بين الترشح للانتخابات وإعلان النتيجة " . وتتوافق هذه التصريحات مع ما قيل عن تحصين الفريق السيسي وبقاؤه في منصبه كوزير دفاع في الدستور المعدل لمدة 8 سنوات . وقد سعي الانقلاب لحرق كل الاوراق المتقدمة أمام السيسي خصوصا خصومه العسكريين ، وجاء عدول رئيس الأركان المصري السابق سامي عنان – منافس السيسي القوي – عن ترشحه للرئاسة ، ليؤكد أن مصالح العسكريين واحدة ، وطالما أن السيسي سيحافظ عليها فلا داع لترشح عنان أو غيره ، خصوصا في ظل وجود مرشح مدني مطلوب عدم تفتيت الاصوات أمامه . وقد أصبح موقف حمدين صباحي مرشح التيار الناصري ضعيفا بعدما هاجمه حتي أنصاره الناصريين وجبهته (الانقاذ) لمجرد تفكيره في الترشح ضد السيسي ، فيما سيجري الاستعانة ببعض الدوبليرات الذين ظهروا علي الساحة في صورة أسماء مجهولة لتجميل الصورة وإظهار أن هناك انتخابات حقيقية أمام العالم . ماذا يعني ترشح السيسي للرئاسة ؟ 1- يعني أن ما حدث في 3 يوليه هو بالفعل انقلاب عسكري هدفه حلول قائد الانقلاب محل الرئيس المنتخب وأن هناك رغبة حقيقية في العودة الي "عسكرة رئاسة الجمهورية" واستكمال ال 60 عاما حكم عسكري بعد عام واحد فقط من الحكم المدني . 2- وقوف المجلس العسكرى مؤيدا لترشيح السيسي للرئاسة معناه أن السيسي لم يكن وحده هو من أجهض التجربة الديمقراطية وأن المجلس العسكرى كان مشاركا بالكامل في الانقلاب بهدف تحقيق عسكرة الدولة ، ما يورط قيادة الجيش بالكامل في الازمة السياسية ويؤكد انخراط الجيش في العمل السياسي خاصة أنها المرة الأولي في تاريخ مصر التي ينعقد فيها المجلس العسكري لترشيح رئيس للجمهورية . 3- خلع السيسي البزة العسكرية كي يتولي منصب رئيس الجمهورية سيفض اشكالية العلاقة بين الجيش والسيسي الذي سيصبح منفصلا شكليا عن المؤسسة العسكرية ، ما يعني إتاحة النقد الشعبي له بدون أن يقال أن هذا نقد للجيش ، وإختباره أمام الشعب والدعوة للثورة عليه كما حدث مع غيره من الرؤساء السابقين . 4- السيسي متهم بقتل 3 الاف مصري خرجوا للتظاهر بعد الانقلاب الذي قاده علي الرئيس الشرعي في الموجة الثانية لثورة 25 يناير ، كما أن أكثر من ألف شهيد اخرين من شهداء الموجة الأولي ل 25 يناير لا يزالوا يطالبون بالقصاص دون أن يحصلوا علي شئ وخرج كل الضباط المتهمين براءة ، ما يعني أنه لن يسعي للقصاص للشهداء لأنه في هذه الحالة متهم ، وهو ما يعني استمرار توافر أسباب الثورة . ثورة جديدة ستخلع السيسي ربما لهذا توقع الكاتب الشهير "ديفيد هيرست" في تحليل علي موقع «هافينجتون بوست» الإخباري الأمريكي، أن تندلع ثورة جديدة على الفريق السيسي، ونظامه الحالي ، لأنه بعد مرور 3 سنوات على ثورة 25 يناير، لم تحقق الثورة أي من أهدافها في ظل النظام الحالي . وقال في تقرير بعنوان : (دولة الثورة في مصر بعد 3 سنوات) The State of Egypt's Revolution, Three Years Later نشر 21 يناير الماضي 2014 ، إنه «ليس مستبعدا أن تقوم ثورة جديدة تخلع السيسي وحكومته، ليظهر جيل من الشباب يشتهي الإصلاح الدستوري وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وفقا للمعايير الدولية" ، ملمحا لتزوير استفتاء الدستور الاخير . وأضاف: «متوقع أيضا، أن يقوم هؤلاء الشباب باستبدال السلطة التنفيذية بمجلس لقيادة الثورة، يتمثل فيها جميع الأحزاب الثورية والليبرالية، وكذلك الإسلاميين، على أن يتم توقيع العدالة السريعة في المحاكم الثورية" .