لم يعد السؤال: هل سيترشح المشير السيسي أم لا؟، بل يجب أن يكون ماهي النسبة التي سيفوز بها؟. هل ستكون 98,2% مثل النسبة التي حصل عليها الدستور، أم ستكون الثلاث تسعات القديمة العتيدة 99,9%، ولن يكون ذلك غريبًا ولا عجيبًا في مصر، فكل الطرق والمسارات منذ 3 يوليو تقود إلى النتائج التي تحدث اليوم على الأرض. لكني شخصيًّا وربما أكثر المتشائمين لم يكونوا يتوقعون أن تصل الأوضاع إلى ما وصلت إليه من عنف وإرهاب ودماء واعتقالات وعصف بالحريات وخوف غير مسبوق من مجرد النقد الخفيف للسلطة وصل حتى إلى الإعلاميين الأجانب الذين يعملون من القاهرة والذين كانوا يتحصنون بكونهم يعملون مع مؤسسات إعلامية دولية مؤثرة وأنهم أجانب ومن بلدان يُعمل لها حساب. وقد بثت وكالة "رويترز" للأنباء مؤخرًا تقريرًا دالا حول مخاوف هؤلاء الإعلاميين من مجرد إجراء مقابلة مع أحد من الإخوان لأن ذلك يمكن أن يعرضهم للتحقيق والسجن بزعم أنهم يلتقون مع منتمين لمنظمة إرهابية أو يروجون لهم، خصوصا وهناك إعلاميون أجانب تعرضوا للحبس الاحتياطي، وآخرون في طريقهم للمحاكمة الجنائية بتهمة دعم الإرهاب وإذاعة أخبار كاذبة. يلفت النظر بشدة في التقرير أن هؤلاء الإعلاميين يقولون إن أيام مبارك كانت أفضل لهم من حيث نشاطهم وتعاملهم مع الإخوان دون قلق من مساءلة قانونية رغم أنها كانت توصف بالجماعة المحظورة، وكذلك تغطيتهم لأي حدث دون اعتقال أو تنكيل أمني، قبل هذا التقرير كنت قد كتبت على صفحتي على "الفيسبوك" أنني لديّ حنين لعصر مبارك، وتعرضت لهجوم كبير على صراحتي. نعم، عندي حنين، فلم يحدث في طوال 30 سنة ما يحصل اليوم في 7 أشهر فقط، يكفي أن حالة الاطمئنان التي كنت أشعر بها خلال ممارستي لعملي داخل أو خارج مصر من تعسف السلطة لم تعد قائمة الآن رغم أنني مثلا كنت أكتب وأتكلم بلا حساب أحيانًا، كان هناك نوع من التسامح مع كل صوت وطني مستقل أو معارض طالما هو لا يدعو ولا يلجأ للعنف، ويكفي أنه طوال 30 عامًا من حكم مبارك الفردي أو المستبد لم يأت لي خفير من نقطة الشرطة يطلبني لأمر يتعلق بعملي المهني أو برأيي ومواقفي إنما في العهد الحالي جاء "زوار الفجر" إلى بيتي ولا أعرف حتى الآن ما سبب تلك الزيارة لصحفي وكاتب مستقل غير منتم سياسيًّا، متوازن، حريص بطبعه على المهنية والدقة الشديدة في كل كلمة يكتبها أو يقولها حتى لا ينفذ منها المترصد والمتربص. كلمة الخوف لم تعد قاصرة عليّ، بل أقرؤها كثيرًا اليوم في مقالات الكتّاب الذين مازالوا مصرّين على استقلاليتهم وعدم انحيازهم لأي طرف إنما إخلاصهم للحقيقة فقط، وهم صاروا قلة عمومًا، كما أقرؤها كثيرًا أيضًا في تقارير الإعلام العالمي عن الأوضاع في مصر. الحقيقة أنني شخصيًّا لا أريد من هذا النظام الانتقالي غير صيانة وحماية الحريات، لا أريد أكثر من ذلك، ويحكمون كما يشاؤون، ويفعلون ما يريدون في توزيع السلطة، ولهذا تفاعلت مع الدستور الجديد حتى أتحصن به وأتحجج بنصوصه الجيدة في هذا الباب إذا ما تعرضت لأي تنكيل مثلا، ومع ذلك فلا أضمن الحماية لأن الدستور ليس نصوصًا عظيمة ورائعة فقط إنما هو تطبيق وتفعيل والتزام بجدية ونزاهة وأمانة. كل دساتير مصر كانت عظيمة في الحريات، وكل أنظمة مصر انتهكت الحريات في ظل تلك الدساتير التي بقيت كلامًا نظريًّا نقرؤه ونتحسر عليه. السيسي ذاهب إلى القصر، هكذا هو تاريخ مصر منذ محمد علي وعائلته باعتبارهم ملوك مصر حتى ثورة يوليو 1952 حينما أُلغيت الملكية وتأسست الجمهورية لكن ظل نمط وطبيعة الحكم والحاكم قريبًا من بعضه، فقد فرض البكباشي جمال عبد الناصر نفسه رئيسًا فعليًّا من وراء الستار بينما كان اللواء محمد نجيب رئيسًا علنيًّا شكليًّا حتى تم إزاحة هذا الرئيس الدوبلير بعد انتهاء دوره، وصار ناصر رئيسًا علنيًّا، ثم كان من بعده السادات ومبارك رئيسين وهما من أبناء المؤسسة العسكرية الذين ارتدوا اللباس المدني، وبعد ثورة 25 يناير حكمتنا المؤسسة العسكرية عامًا ونصف العام أيضًا، ثم قبلت تحت ضغط الدماء في محمد محمود الأولى بالتعجيل بانتخابات الرئاسة التي كان طرفاها النهائيان عسكري سابق وهو أحمد شفيق أمام مدني وهو محمد مرسي، وفاز مرسي في زلزال سياسي هز المنطقة والعالم لأنها أول مرة يأتي رئيس مدني لحكم مصر، لكن الأهم والأخطر أنه جاء من الإخوان المسلمين الذين هم تاريخيًّا مقموعون وفي صدام عنيف مع السلطة ملكية كانت أم جمهورية. كان حلمًا أن يكون الرئيس مدنيًّا بعد ثورة يناير بغض النظر عن هويته السياسية، وكان مدهشًا أن يكون أول إفرازات التطبيق الجاد للديمقراطية هو رئيس من الإخوان، ولم يكن الوقت مناسبًا لهذه النتيجة، ولا حتى بعد 8 سنوات أن يكون الرئيس من الإسلاميين عمومًا، لكن ما حصل كان، ومن هنا عندما يفشل أو يتم إفشال هذا الرئيس ويجري عزله بعد عام واحد فقط في القصر بغطاء شعبي وسياسي وحزبي وديني فهذا يبدو لي الآن أنه التطور الطبيعي لخبرة ومنطق التاريخ في مصر وهو أن تسترد المؤسسة العسكرية كل سلطاتها غير منقوصة ولذلك كان توجه السيسي للترشح هو تأكيد بأن مصر لا تغيّر مسارها ولا نهجها ولو بعد مائة عام. لا أندهش عندما أجد عامة المصريين متحمسين للسيسي ويريدونه رئيسًا من دون انتخابات وبالتفويض ذلك أن النخبة المثقفة الليبرالية والعلمانية واليسارية ومعهم جانب من الإسلاميين علاوة على الإعلام الحكومي والخاص والمؤسسة الدينية إسلامية ومسيحية ومختلف مؤسسات وأجهزة الدولة يتفوقون على المواطنين البسطاء في الدعاية للسيسي والدفع به رئيسًا والتضحية بمن يطمح من التيارات المسماة مدنية وديمقراطية للرئاسة مثل الناصري حمدين صباحي. إذن ، هل يمكن أن يلوم أحد أي مواطن يرقص ويهلل ويهتف طالبًا جلوس السيسي على الكرسي اليوم قبل الغد وبلا انتخابات ولا غيره؟!. أنا لا ألوم من يفعل ذلك. هذه واقعية حتى لو كانت مؤلمة على البعض، ومن لديه حل آخر فليقوله ونحن له مستمعون.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.