من سوء حظ الإخوان المسلمين .. أن حوار مرشدهم العام ، الذي نشرته صحيفة روزاليوسف .. جاء متزامنا مع حوار الرئيس مبارك لقناة العربية . لم يتوقع المسؤولون المصريون أن يثير كلام الرئيس كل هذا الغضب في منطقة بالغة الحساسية .. وهي المناطق المتماسة مع العراق وإيران ، والتي يقطنها نسبة "مؤثرة" من الشيعة العرب . توصيف الرئيس للوضع كما قال "محللون" ل"المصريون" .كان صحيحا .. ولكنه كان عفويا إلى حد تخطى خطورة ومكانة وجلال مسؤولية المنصب .. والعفوية هنا عندما تصدر من عوام الناس فهي صفة قد تكون محمودة .... أما عندما تصدر من شخصية تشغل مكانة سياسية مؤثرة في حجم "رئيس دولة" ففي هذه الحالة تكون "كارثة" تجلب الكثير من المشاكل ... كلام السياسيين الرسميين من المفترض أن يكون موزونا بميزان دقيق . والحال أن حوار الرئيس ل"العربية" ... وضع السياسة المصرية في المنطقة العربية في "ورطة" حقيقية .. إذ اعتبر اتهاما مصريا رسميا ل"الشيعة العرب" ب"الخيانة" إذ ولائهم بحسب كلام الرئيس ل"إيران" وليس لبلدانهم ! تعقيبات المتحدث الرسمي للرئاسة وكلام وزير الخارجية لم يكن مقنعا ... فكلام الرئيس كان واضحا ومباشرا وعفويا كما قلت .. على النحو الذي لم يترك مكانا للتأويل أو التفسير أو حمله على أي وجه آخر ، غير الذي فهمه الجميع ، فضلا عن أن الحوار اثار فتنة في العراق إذ هدد الشيعة بمقاطعة البضائع المصرية وهددت السنة بالرد على هذه المقاطعة بمقاطعة مماثلة لبضائع ايران .. وذلك في بلد تمزقه فعلا وكما قال الرئيس مبارك حرب اهلية ضروس . وفي تقديري وربما أكون مخطئا .. أن الحوار الذي نسب إلى مهدي عاكف ... كان بمثابة "طوق النجاة" من الديبلوماسية المصرية التي سقطت في مياه الخليج وتاهت في صحرائه واشتبكت في تناقضاته الطائفية بعد حوار الرئيس ل"العربية" فحوار المرشد كان قد اجري لصحيفة الكرامة ... فلماذ سلمه الصحفي ل"روزاليوسف" المعروف عنها أنها مستأجرة بالباطن للجنة السياسات ، ويطلق عليها "صحيفة نجل الرئيس "؟! إننا هنا نشتم رائحة سيناريو أمني شارك فيه اطراف كثيرة لاستثمار حوار عاكف وتوظيفه بشكل ما . ثم لأول مرة في مصر تخصص حلقة في التليفزيون المصري لعرض مضمون الشريط المسجل عليه الحوار على الناس واستضافة عبدالله كمال ولساعات على الشاشة لاستعراض الشريط وتحليله ... فهل التليفزيون المصري والمعروف عنه أنه لايستضيف أي شخصية ولا يجري أي برنامج إلا بعد الرجوع إلى الاجهزة الامنية لاستشارتها وتلقي الاوارمر منها ... هل بادر بنفسه دون الرجوع إلى "لاظوغلي" للاعداد السريع والخاطف لمثل هذه الحلقة .... وهل عبدالله كمال لم يرفع سماعة التليفون لتلقي التعليمات من "سيادة اللواء" قبل أن يحمل الشريط ويتجه به إلى ماسبيروا ؟! ولماذا الحرص على أن يتحول "الشريط" إلى اهتمام جماهيري واسع ... رغم أن الحكومة وعبدالله كمال والتليفزيون المصري واعلام مصر كله المملوك للدولة وغيره من خدمه المتمسح في بلاطه ... يتهم الاخوان بأنها جماعة ارهابية ... وهل يوجد بعد الارهاب ذنب ابشع وافظع ؟! الاخوان المسلمون كتيار سياسي مشاكله كثيرة جدا ... والجماعة عليها مآخذ سياسية وحركية وتنظيمية لاينكرها أحد .. حتى التيارات الاصلاحية بداخلها ... وقيادتها الحالية غير متمرسة على التعاطي مع وسائل الاعلام ... ويسهل التغرير بهم والضحك عليهم وتوريطهم في الكثيرمن المشاكل على المستوى الجماهيري أو على المستوى النخبوي .. وسبق لي أن كتبت هنا في زاويتي اليومية ب"المصريون" منتقدا فوضى التصريحات السائدة في الجماعة ... ودعوتها إلى ضرورة تعيين متحدث رسمي لها يكون مدربا جيدا وعلى وعي مهني وحرفي عال في التعامل مع وسائل الاعلام . وبالتأكيد فإن ما نسب إلى المرشد العام إذا صح ... لايقبله أحد بالمرة سواء داخل الجماعة أو خارجها .. واعتقد أن الامر يحتاج إلى تحقيق جدي تجريه الحركة بشفافية عالية ، بشأن ما نسب إلى مرشدها العام ...وأن تعلن نتائج التحقيق على الرأي العام . ولكن المسكوت عنه في هذه الجلبة .. أن حوار المرشد جرى استغلاله لتحويله إلى قضية جماهيرية .. لشغل الناس بعيدا عن تداعيات حوار الرئيس مبارك ... في وقت بات فيه النظام المصري .... متهما بعدم الاهلية في إدارة البلد داخليا وتسببه في تراجع مكانة مصر الدولية والاقليمية بشكل كبير بسبب سياساته المرتبطة بشكل مباشر أو بغير مباشر باجندات دولية تخدم القوى المهيمنة على صناعة القرار في المؤسسات الدولية ، وفي عام ترشحه كل التوقعات بأنه عام "التوريث" . [email protected].