أثارت الدورة الأولى من انتخابات مجلس الشعب التي جرت الأحد ونتائجها الأولية ردود فعل غاضبة لدى جماعة "الإخوان المسلمين" التي تحدثت عن وجود انتهاكات على نطاق واسع شابت الانتخابات، وهددت بأنها ستطعن أمام القضاء في إجراءات ونتائج الانتخابات وستطالب بإبطالها. لكن الحزب "الوطني" الذي بات متجهًا لاكتساح نتائج الانتخابات قلل من ادعاءات الجماعة التي لم يفز أي من مرشحيها ال 130 خلال الجولة الأولى من الانتخابات، واعتبر أن إخفاق "الإخوان" بعدما كانوا حصلوا على 88 من المقاعد البرلمانية في انتخابات 2005 راجع إلى "ضعفهم وبعدما عرفهم الناس على حقيقتهم". ووصف الدكتور عصام العريان، عضو مكتب الإرشاد، المتحدث الإعلامي باسم الجماعة، التجاوزات الانتخابية بالبشعة، موضحًا أن "الناس والفضائيات والعالم كانوا شهودًا على ما حدث من انتهاك لحقوق الشعب المصري بشكل بشع"، مؤكدًا أنهم لن يصمتوا وسوف يرفعون دعاوى قضائية حول بطلان الانتخابات في العديد من الدوائر الانتخابية. وأضاف لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية "سوف نقيم مؤتمرًا لكي نوضح الصورة للشعب المصري وكيف تم تزييف الانتخابات وتسويد الصناديق لصالح "الوطني" وسوف نعرض في المؤتمر صور ولقطات فيديو لما حدث من انتهاكات وتزييف صورته الكاميرات وعنف ضد أعضاء الإخوان في مختلف الدوائر". وأكد العريان أن هناك تلاعبًا في دوائر 15 من نواب "الإخوان" لكي يسقطوا من الجولة الأولى، ومنهم على سبيل المثال الدكتور محمد سعد الكتاتني زعيم الكتلة البرلمانية للإخوان، ورأى أن ما حصل كان "تعمدًا واضحًا كي يأتي مجلس 2010 أليفًا مستئنسًا ليمهد لتزييف انتخابات الرئاسة القادمة". وتابع: "لا يهمنا ما حققناه من مكاسب في انتخابات 2005 أو ما سنحققه ما يهمنا هو ما يحققه المواطن المصري من مكاسب". من جهته، قال الدكتور محمود عزت، نائب المرشد العام للإخوان "نحن نتوقع أن يتكرر مع الإخوان ما حدث خلال الجولة الأولى من تعمد لخروجهم من البرلمان"، وأشار إلى أن عمليات "التزوير" تمت إلى حد اطمأن الحزب "الوطني" أنه لن يدخل الكتاتني (المرشح عن دائرة بندر المنيا) البرلمان. وأوضح الأمر ذاته تكرر في دائرة شبرا الخيمة التي ترشح عنها الدكتور محمد البلتاجي، الأمين العام المساعد للكتلة البرلمانية للإخوان، لكن الحزب رأى أنه لن يسقطه من المرة الأولى فتم اللعب في الأوراق والتزوير داخل اللجنة بحضور القضاة بحيث يخوض مرشح "الوطني" معه جولة الإعادة ولم يحضر مع الأخير أي من المندوبين بينما عضو الجزب الحاكم كان معه أكثر من مندوب. مع ذلك أكد عزت في تصريحات لفضائية "العربية" أن هذا الأمر لن يؤثر على تواجد أكبر جماعات المعارضة في الشارع، وأضاف: "نحن نقول للنظام أن تغييب الإخوان عن البرلمان لن يحقق ما يرجو إليه ولن يغيب الإخوان عن الشعب". وردًا على الاتهامات للإخوان بأنهم لم يقدموا شيئًا في البرلمان المنتهية مدته، قال عزت "الإخوان قدموا الكثير للشعب المصري وهم في كل بيت وكل حارة وكل شارع، والإخوان يقدمون الخير للناس، سواء كانوا في البرلمان أو خارج البرلمان، وكان لهم بصمات واضحة وبالعكس حموا المصريين من الكثير من الهدم الذي يقوم به النظام، ولكن نحن نعمل تحت حكم استبدادي يرفض ما نقترحه من خير وصالح للأمة". وأشار عزت إلى اعتزام "الإخوان" اللجوء إلى القضاء للطعن على الانتخابات والمطالبة ببطلانها، وأضاف: "نحن لا نرد بسوء وما سنفعله هو اللجوء للقضاء الحصن الذي يلجأ إليه كل مظلوم، ولكننا سائرون في طريقنا وماضون في طريق نعرف تكاليفه والأساليب التي ستمكنا بالقيام بدورنا من خلال النضال الشعبي والقانوني، ومر في تاريخ الإخوان ما هو أشد من ذلك". بدوره، أكد الدكتور مصطفى الفقي، رئيس لجنة الشئون العربية بمجلس الشورى، والقيادي بالحزب "الوطني" في تصريحات لبرنامج "دائرة الضوء"، أن إخفاق الإخوان في الانتخابات لم يكن مفاجئًا بل "كان أمرًا متوقعًا ألا يحققوا نجاحًا في الانتخابات لضعفهم" من وجهة نظره. وعزا خروج "الإخوان" من الدورة الأولى دون الحصول على مقعد واحد إلى أن "الناس عرفتهم على حقيقتهم، ولعدم ثقة الناس فيهم، ولأنهم لم يقدموا خدمات للناس وشعبيتهم تراجعت ويقولون ما لا يفعلونه". وأضاف: "أتوقع في الجولة القادمة أن نسبة المعارضة من "الوفد" و"التجمع" ستكون أعلى من الإخوان الذي قد يرسب مرة أخرى، وسيكون في البرلمان الحالي معارضة حقيقية ليست من خلفيات دينية حتى يكون الحوار أكثر فاعلية، ففي البرلمان الماضي كان كل ما تقدم الحكومة من إنجازات يعترض عليه "الإخوان"، فكان عملية ابتزاز وصياح وضجيج ومعارضة من أجل المعارضة". واعتبر الفقي الخدمات هي "المؤشر الحقيقي لنجاح الناخب، والحزب الوطني استطاع أن يكسب ثقة المواطنين، لأنه يحقق لهم خدمات كثيرة لم يحققها لهم أي حزب آخر"، واستدرك قائلا "مازالت الخدمات هي المؤشر الحقيقي للاختيار، وأنا حينما كنت في البرلمان استطعت أن أقدم خدمات للمواطنين في دائرتي في كل مجالات الحياة كسفر وتأشيرات حج ووظائف وغيري من أعضاء الوطني". وحول "تسويد" صناديق الاقتراع كما رصدها مراقبون ووسائل الإعلام، قلل الفقي من أهمية ذلك، قائلاً إن "لكل دائرة ظروفها ولم يحدث أن سودت الصناديق في كل الدوائر بل هي حالات استثنائية بدليل رصدها بالكاميرا، وليست كل الصناديق سودت للوطني بالعكس المعارضة هي التي كانت تسود الانتخابات، ولم تكن الانتخابات مزورة بالمساحة التي تصورها المعارضة، فهناك تهويل لكل ما يفعله الحزب الوطني حتى لإنجازاته من المعارضة والإخوان ومن بعض الفضائيات العربية". ولم ينف الفقي أن الإقبال على التصويت في انتخابات الأحد كان ضعيفًا مقارنة بنسبة الناخبين المصريين الذين يحق لهم التصويت والذين يتجاوزون عددهم أكثر من 40 مليون ناخب مصري، وقال: "عدم المشاركة هو إساءة للمواطن نفسه، وكان عليه أن يشارك حتى لو كان يشك في نزاهة الانتخابات لكن كان لابد أن في كل الحالات وعدم المشاركة تعود إلى أن معظم الناس مشحونة بكتابات مبالغ فيها عن مساوئ وفساد عن مصر ولذلك رأوا الجانب المظلم فقط". في المقابل رأى الفقي أن "هناك جوانب مضيئة لم يُتحدث عنها أحد، مثل تحديث وتطوير مطار القاهرة ومكتبة الإسكندرية إنجازات لم يتحدث عنها أي أحد ولا الفضائيات العربية التي تتحدث عن المساوئ فقط، ولهذا فإن الإحباط قلل من نسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات وجاءت المشاركة ضعيفة بنسبة 15% بينما في انتخابات 2005 كانت المشاركة بنسبة 35%". بدوره، عزا الدكتور حسام بدراوي عضو لجنة السياسات بالحزب "الوطني" نجاح الوزراء المرشحين إلى ثقة الناس فيهم وحبهم وتقديرهم لهم، لأنهم "على المستوى الشعبي يخدمون حتى في مواقعهم كوزراء فهم مقدرون من قبل الناس"، كما أكد في تصريحات ل "بي بي سي" العربية. وردًا على الشكاوى بخصوص المندوبين داخل اللجان، قال بدراوي "للأسف الناس لا يعرفون القانون جيدًا الذي يلزم فقط بدخول 6من المندوبين مع العضو في عملية الفرز ولو كانوا أكثر يلجأون للقرعة، ولم يحدث أن مندوبي "الوطني" أكثر من المعارضة أو "الإخوان" فهذا تهويل وادعاءات، لكن في بعض الدوائر كان للحزب "الوطني" أكثر من عضو وهذا الأمر جعل الناس يعتقدون أن مندوبين الوطني أكثر". وعلى الرغم من استبعاد القضاة من الإشراف الكامل على الانتخابات إلا أن بدراوي أكد أن القضاة هم الذين أشرفوا على العملية الانتخابية، وأضاف في رده على حدوث تزوير في وجود القضاة، "الإشراف القضائي موجود ولم يقصر والناس تتحدث أنه لا يوجد إشراف قضائي بالعكس كان على كل صندوق قاض"، على حد قوله. بينما وصف الدكتور علي السلمي مساعد رئيس حزب "الوفد" الانتخابات بأنها "كانت صدمة لكل المحبين للديمقراطية ولم تكن في جانب المواطن المصري". وأشار في مداخلة هاتفية إلى أن الانتخابات "كانت بعيدة عن الحقيقية وحدث فيها كل ما كانوا يتخوفون منه على الرغم من وعد السلطة إلا أنه كان هناك تزوير وتزييف وتسويد للصناديق لصالح الوطني"، بحسب اتهامه. فيما قال حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، إن طرد المندوبين من داخل اللجان "أمر يشكك في نزاهة الانتخابات"، وقال: "على القضاة أن يستبعدوا الصناديق المسودة من الوطني كي نشعر أن هناك قدرًا من النزاهة".