باستقراء التاريخ القديم والحديث، لم تنهض الرسالة والشريعة وتنتشر إلا فى ظل تحالف الدعوة والدولة وعلاقة صادقة تكاملية بين العلماء والدعاة والحكام، أما الانحدار فلم يحدث إلا فى فترات الصدام والتوتر ونجاح المتربصين فى الوقيعة بين الإسلاميين والحكام ليخلو لهم الجو. قد نختلف مع الرئيس الراحل أنور السادات رحمه الله فى بعض مواقفه السياسية وبعض أفكاره التي ضمنها مذكراته؛ كرأيه فى السلطان عبد الحميد وولعه بأتاتورك.. الخ، لكن لا نشكك فى وطنيته وإخلاصه لبلده وشعبه، وطالما اعترفتُ باعجابى وحبي لهذه الشخصية المصرية الوطنية الثرية، وسجلتُ احترامي لتاريخ نضاله وبما حققه لمصر فى أكتوبر 73م. مما أخذته على هذا القائد إمعانه فى التملص من المسئولية فى الأوقات الحرجة، لدرجة أنه يسائل عبد الناصر – بعد فوات الأوان - فى " البحث عن الذات " كيف لم يتحرك ويتخذ إجراءا سريعاً ضد عبد الحكيم عامر قبل الكارثة ! والسؤال نفسه موجه للسادات فكيف التزم الصمت ولماذا لم يتحرك للضغط عبد الناصر وقتها لإنقاذ الجيش من الهزيمة ؟ هم يختلفون فيما بينهم ويأكل بعضهم بعضاً والداهية من يستمر ويتألق نهاية الصراع كما فعل السادات، لكنهم فى النهاية يحتاجون لحليف قوى من خارجهم، وطالما تمنوا جميعاً أن يكون هذا الحليف الصادق – دون مناورات وخداع – هو الإخوان. يقع الإخوان دائماً فى فخ الشيوعيين الذين يسعون للإيقاع بينهم وبين الحكام ، فعلوها ونجحت أيام عبد الناصر ، حيث أخذ الشيوعيون جانب الإخوان ضد عبد الناصر ونجحَ الشيوعيون فى تنظيم مظاهرة طلابية أطلقوا فيها شعارات إسلامية رافضة لعبد الناصر لتلصق بالإخوان وخرجت مظاهرة حاشدة بالإخوان بعد أيام فقط من قرار عبد الناصر الإفراج عنهم وقد تصور أنه بمجرد إخراجهم ستتم المصالحة وتوجه بنفسه لبيت الهضيبى لتطييب خاطره لكنه قابله – كالعادة – بفتور ، وزادت المظاهرة التي تورط فيها عبد القادر عودة الأمورَ تأزيماً . وأكدت تسريبات المخابرات الأمريكية الأخيرة حقيقة معروفة عندما نقلت عن سيد مرعى رئيس مجلس الشعب الأسبق وصهر السادات قيام طلاب شيوعيين بالتوجه إلى جامعة الأزهر وتحريض طلاب الإخوان على المشاركة فى مسيرة لمطالبة السادات بتطبيق الشريعة الإسلامية. أنور السادات رحمه الله رمز سياسي كبير كان له دور مهم فى عودة الإخوان للساحة، حيث أخرجهم من السجون وأتاح لهم الدعوة والهيئات والجمعيات، وكان له فضل كبير اعترف به عمر التلمسانى – راجع أيام مع السادات -، إلا أنهم خالفوا المتفق عليه وألبوا الجماهير وطلبة الجامعات حتى اتهمهم السادات بالتقية وقول ما لا يضمرون فى قلوبهم، مروراً باستغلال الوضع الاقتصادي وتحركاته السياسية على صعيد العلاقة بأمريكا وإسرائيل واتفاقية السلام، انتهاءاً بمقتله على يد الجهاد والجماعة الإسلامية نتيجة عدم مراجعة الجماعة الأم لأخطائها وعلاقتها مع الحكام والدولة، وهى الحادثة التي هللَ لها الإخوان واعتبر محمود الصباغ القيادي الاخوانى المعروف فى كتابه " التنظيم الخاص " من قتلوا السادات أبطالاً قتلوا طاغية خائن - على حد وصفه -. تسريبات المخابرات الأمريكية تلمح لتورط القذافى فى تمويل ودعم من قتلوا السادات والإخوان، وسواء ثبت هذا أو لم يثبت، فهذا لن يؤثر فى القضية الأساسية وهى أن الإخوان مشاركون بعدم المراجعة وبتأليب الرأي العام وبالشحن السياسي والاعلامى ثم بالإقرار والرضا فى مقتل السادات صاحب الفضل الكبير عليهم وعلى الدعوة. الأصدق على الإطلاق بين من سبقوا مرسى من الحكام فى إقامة شراكة حقيقية شفافة مع الإخوان هو السادات، وكانت له رؤيته الخاصة فى إسلامية الدولة وأسلوب عمل الحركة الإسلامية لدمجها فى المجتمع وتصحيح مسار العلاقة بينها وبين الدولة، وهو الذي قال رداً على إساءة أحد متطرفي الأقباط فى المهجر: " أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة "، وكان له الفضل فى هذا الموقع المتقدم للشريعة فى الدستور، بعد أن كانت مصدراً ثانوياً يأتي بعد القوانين المدنية. على الجماعة التخلص من روح الثأر والانتقام؛ فالمتأمل لمسار وتطور علاقة السادات معهم أنه تعامل بحسن نية ومصداقية وتمنى أن يعمل بعهم بروح المحبة والود –كما قال - وترجم ذلك بأفعاله، لكن الإخوان كما فعلوا مع عبد الناصر انتقاماً لخروجه عنهم وضمه تيارات أخرى للثورة والحكم، كذلك لم ينسَ الإخوان للسادات أنه كان عضو يمين فى المحكمة التي حكمت على تنظيم عام 54م.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.