لا يفكر في مثل قانون منع التظاهر الذي أعلن عن نصوصه مؤخرا تحت عنوان "قانون التظاهر" إلا طاغية من سلالة المستبدين الأوائل ، والحقيقة أن الكارثة ليست في نص القانون فقط ، بل أن يخرج هذا القانون باسم مجلس الوزراء الذي يرأسه شخصيات طالما احترمت الليبرالية والحريات العامة مثل الدكتور حازم الببلاوي والدكتور زياد بهاء الدين والدكتور حسام عيسى والمتظاهر الدائم كمال أبو عيطة ، هذه مصيبة ، ويعني أن هناك انتكاسة حدثت بالفعل في وسط بعض القوى التي كانت منتسبة إلى ثورة يناير ، نحن أمام قانون جديد يشل أي قوة سياسية تفكر في التظاهر احتجاجا على أي موقف سياسي أو اقتصادي أو أمني أو غير ذلك ، وتجعل من التفكير في التظاهر مغامرة خطرة تعرضك للسجن كما تعرضك لغرامات باهظة تصل إلى ثلاثمائة ألف جنيه ، لمجرد أن تقول الشرطة أنك خالفت شروط التظاهر ، والقانون الذي تم حشوه بنصوص تمهيدية مضحكة لأنها تشرح في المشروح وتصف المظاهرة والمسيرة بشكل أكاديمي ، وفوق العشرة وتحت العشرة ومن يدخلها بإذن ومن يدخلها بدون تصريح ، وكلام ساذج من هذه النوعية قصد منه التعمية على أخطر ثلاث نصوص فيه ، يحيث يتم "شربهم" في ثنايا كلام فارغ لا قيمة له إلا في الدراسات الأمنية . القانون في المادة السادسة منه قدم "طعما" يوحي بأن مصر على أبواب انفتاح وأن التظاهر يحدث بمجرد الإخطار ، أو كما يقول نص المادة «الإجراءات الواجب اتباعها على كل من يريد تنظيم اجتماع عام، أو موكب أو مظاهرة، بأن يخطر قسم أو مركز الشرطة الذي يقع بدائرته المكان المستهدف بأنه يريد ذلك، وبصورة كتابية، وأن يتم الإخطار قبل البدء في المظاهرة بأربع وعشرين ساعة على الأقل ، على أن يتضمن الإخطار مكان المظاهرة، موعد بدئها وانتهائها، وبيانًا بموضوعها والغرض منها، والمطالب التي يرفعها المشاركون فيها، وبيانًا بأسماء الأفراد أو الجهة المنظمة للاجتماع العام، ووسيلة التواصل معهم» ، هذه المادة الطعم ، وبغض النظر عن تحويلها أي داع إلى التظاهر إلى مخبر لجهاز الأمن ، إلا أن الأخطر أن المواد التالية أنهت أي قيمة لها ، وجعلتها مجرد حبر على ورق أو حالة خداع قانوني ليس أكثر ، وعلى سبيل المثال جاءت المادة التاسعة لكي تحظر على المتظاهرين «أن يعتصموا أو يبيتوا في أماكن المظاهرة، أو تجاوز المواعيد المقررة للتظاهر أو الإخلال بالأمن أو النظام العام، أو تعطيل مصالح المواطنين، أو إيذاءهم أو تعريضهم للخطر، أو قطع الطرق والمواصلات أو تعطيل حركة المرور» ، وطبعا لا يوجد في مصر خمسة أشخاص فقط وليس مائة ألف شخص يجتمعون في مكان إلا وتأثر المرور أو تعطل ، كما أن حكاية الإخلال بالنظام العام وتعطيل مصالح المواطنين هو من نفس نوعية الكلام المطاط الذي طالما استخدمه نظام مبارك في قوانينه القمعية من أجل حصار الحياة السياسية وتجفيف منابعها ، ودع عنك أنها تسلب من المتظاهرين الحق الطبيعي في الاعتصام ، وهو من بديهيات الاحتجاج السلمي في أي مكان بالعالم "الديمقراطي" ، كل هذا قبل أن تأتي المادة العاشرة لتنهي كل شيء ، حيث نصت على «أنه يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص اتخاذ قرار بإلغاء الاجتماع العام أو المظاهرة أو إرجائها أو نقلها لمكان أو خط سير آخر، في حالة حصول الأمن على أدلة ومعلومات كافية بأن إحدى المخالفات المنصوص عليها في المادة السابقة، قد توافرت لدى المنظمين، مع منح المنظمين حق التقدم بطلب إلى قاضي الأمور الوقتية لإلغاء قرار الداخلية، على أن يصدر القاضي قراره مسببًا على وجه السرعة» ، وهذه المادة هي التي تجعلنا بكل اطمئنان ويقين نضع عنوان هذا القانون بأنه "قانون منع التظاهر" ، وذلك لأن الداخلية في بلادنا لها معزة خاصة مع التظاهر وترحب دائما به ، وبالتالي فأي طلب مظاهرة محكوم عليه بالرفض قطعا ، إلا إذا كانت مظاهرة من "الأهالي" المعروفين من أصدقاء الداخلية التي تستعين بهم في المهام الوطنية العظيمة والذين تصفهم القوى الحاقدة بالبلطجية ، وأما حكاية حصول الأمن على أدلة ومعلومات كافية بأن هناك مخالفات ستحدث في المظاهرة فالدرج ملآن وجاهز من الآن والتقارير مطبوعة سلفا ، ورغم أني ضد حكم محمد مرسي وأنتقد كثيرا مما كان فيه ، إلا أن الشهادة تقتضي أن أسجل هنا أن قانونه الذي أعده لتنظيم التظاهر كان يجعل التظاهر حقا مطلقا بمجرد الإخطار وبدون الرجوع إلى أي جهة ، وأن على الجهة المتضررة أن تلجأ هي وليس المتظاهرين إلى القضاء ، هذا كان قانون الرجل الذي ثرنا عليه والذي أعده القاضي الفاضل المستشار أحمد مكي ، والحقيقة أنه إذا لم تنتفض القوى الوطنية جميعها ضد هذا القانون الإجرامي فلسوف تشرب المر والعلقم عما قريب ، وإذا صح أن الثورة مستمرة فإن أول ما ينبغي أن تطيح به هو هذا القانون الأسود ، لأنه من نوعية القوانين التي لا تصدر لكي تعمل وتحترمها الشعوب ، وإنما لكي تثور الشعوب عليها وتضعها تحت أقدامها .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1