رغم أن الدستور الجديد نص فى مادته (50) على حق التظاهرات السلمية للمواطنين.. وأن حق الاجتماعات الخاصة مكفول دون إخطار.. ونصت كل الاتفاقيات الدولية.. ومواد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على هذا الحق الأصيل.. فإن وزارة العدل خرجت علينا بمشروع قانون تتضمن بعض مواده نصوصا غريبة ومقيدة لحرية التظاهر.. مما دعا المستشار أحمد مكى وزير العدل لأن يصرح بأن مشروع القانون مطروح للمناقشة فىكل المحافل الحزبية والسياسية والمؤسسات والهيئات قبل تقديم صورته النهائية لمجلس الشورى. ولا أحد ينكر أن بعض مواد مشروع القانون تعتبر مواد إيجابية لحقن دماء المصريين التى تراق فى المظاهرات بسبب وجود عناصر مندسة من البلطجية والمأجورين التى تعتدى على المنشآت والمتظاهرين.. وأن يكون حق التظاهر على نحو لا يؤدى إلى الإخلال بالأمن أو النظام العام أو تعطيل مصالح المواطنين أو قطع الطرق أو المواصلات أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الممتلكات أوحرية العمل. ولكن الغريب والعجيب.. أننا نجد بعض المواد التى تجعل أن هناك حرما معينا لا يزيد على خمسمائة متر لإقامة مظاهرة أمام القصور الرئاسية والمجالس التشريعية ومقار الوزارات ومقار السفارات والمحاكم والمستشفيات ودور العبادة والأماكن الأثرية والسجون وأقسام ومراكز ونقاط الشرطة.. وأنه لا يجوز تنظيم المظاهرة إلا بعد تقديم إخطار إلى قسم أو مركز الشرطة المزمع المظاهرة فى دائرته وقبل موعدها بخمسة أيام على الأقل وتحديد مكان المظاهرة وميعاد بدايتها ونهايتها. كما أن مشروع القانون أجاز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص أن يعترض على المظاهرة بطلب يقدم إلى قاضى الأمور الوقتية بإلغائها أو إرجائها أو نقلها لمكان أو خط سير آخر متى وجدت أسباب جوهرية لذلك، ويصدر قاضى الأمور الوقتية قرارا مسببا بذلك على وجه السرعة. *** ولا أدرى كيف يمكن تحقيق ما تنص عليه مواد مشروع القانون وهى تتضمن كلمات مرسلة ومطاطة.. فتقول المادة الخامسة عشرة إنه لا يجوز حمل لافتات أو إلقاء أى عبارات أو أناشيد أو أغان تعد من قبيل السب والقذف أو يكون من شأنها تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو تثير الفتنة أو تحَرّض على العنف أو الكراهية أو إهانة أى هيئة من هيئات الدولة ومؤسساتها أو الإساءة إليها ما يجوز حرية التعبير السلمى. وقد نص مشروع القانون على أن مجلس الوزراء- الذى سوف يراعى حسن سير العمل وانتظام المرور- يصدر قرارا بتحديد منطقة كافية فى ميدان التحرير وفى أماكن أخرى سواء فى القاهرة أو غيرها يباح فيها التظاهر دون تقييد بالإخطار أو الوقت. وأشار مشروع القانون إلى أنه يحظر على المتظاهرين إقامة منصات للخطابة أو للإذاعة وإقامة خيام أو غيرها بغرض المبيت أمام الأماكن التى منع مشروع القانون التظاهر أمامها. وهذا المشروع سمح لرجال الشرطة بفض المظاهرات عن طريق خمس خطوات.. الأولى توجيه إنذارات شفهية مسموعة ثم استخدام الغاز المسيل للدموع ثم استخدام خراطيم المياه، ثم استخدام الهراوات البلاستيكية ثم إطلاق طلقات الخرطوش فى الهواء، ولا يجوز لرجال الشرطة استعمال القوة إلا إذا وقع اعتداء على النفس أو المال أو بناء على أمر قاضى الأمور الوقتية. وقد فرض مشروع القانون أحكاما مغلظة على الذين يخالفون قانون التظاهر تصل عقوبتها إلى الحبس والغرامة التى لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تتجاوز ثلاثين ألف جنيه. ولكن فى نفس الوقت تناسى مشروع القانون أن ينص على عقوبات الذين يتجاوزون حدهم من رجال الشرطة مع المتظاهرين ويستخدمون العنف معهم أو يفرطون فى استعمال القوة فى فض المظاهرات، كما يحدث حاليا! *** إن مشروع قانون تنظيم المظاهرات يحتاج إلى حوار مجتمعى واسع حتى لا نصادر على حق المواطنين فى التعبير عن آرائهم تجاه الأحداث التى تمر بها مصر.