هذه الجملة قالها د/على الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطني ..فى إحدى أحاديثه الكثيرة عن الانتخابات الرئاسية القادمة وعن مرشح الحزب للرئاسة وكل هذا الكلام المكرور المعاد . د/على قامة أكاديمية رفيعة وسياسي عتيق خبر الدولة المصرية فى نشأتها الحديثة جيدا .. بأطوارها الثلاث الطور الناصري و الطور الساداتي و الطور الأخير الممتد فى العقود الثلاث الأخيرة .. وفى كل طور قام بالدور العريق للمثقف الى جوار السلطة .. افاد قدرما فاد و استفاد قدر ما استفاد ولازال فىالعمر بقية . ومثل الدكتور على كثيرون..أكاديميون وأساتذة جامعات يعرفون الحق والباطل والصواب والخطأ وتجاوزوا سن الطموح العنيف وحققوا الكثير من الأمجاد الشخصية ..لكنهم كمن يشرب من ماء البحر لا يرتوون ولا يكفون . هذه الجملة المنسوبة للدكتور على خطيرة للغاية ..ذلك أنها تنقض فكرة الحكم الجمهوري من أساسها ..فكرة الجمهورية التى أتت بها ثورة يوليو1952م..وأعاد الى الذاكرة تاريخ مصرمن أيام قمبيز والاسكندر والبطالمة والرومان والعرب..وهو يشير بحنكة المثقف المنحاز إلى فترة المماليك والفترة العثمانية ..حين كان الأميرمن أمراء المماليك إذا شعر بقوته يذهب إلى القلعة ويغير السلطان وعوام الناس(أصحاب الهم الشعبي) يذهبون الى مزارعهم وحوانيتهم وكأن الأمر لا يعنيهم..إهمالا وتجاهلا وإعراضا..ولأن أهم شيء في حياة المصريين لم يقترب منه هؤلاء الطائشون المغامرون وأعنى به الدين والنيل ..فلم يعبأوا كثيرا بمسألة الحكم والحكام . فترة أكثر أهميه تجاهلها د/على وهى مجيء محمد على بإرادة شعبيه كاملة ..الملفت للنظر أنه جاء بعد احتلال اجنبى دخل بخيله الأزهر فانتفض الناس واكرهوا هذا المحتل على المغادرة ..وقد كان.. وفى نشوة الحمية الوطنية ظهر السيد عمرمكرم زعيما شعبيا جديرا بحب الناس وثقتهم . فمهد لمجيء محمد على..الذي جاء بالفعل وما ان استقرت سلطته حتى قرر أن يسحب هذه الحالة الاستثنائية من ذاكرة الوعى الشعبي(مثلما يريد د/على) ويجعل الحكم له ولذريته من بعده إلى أن جاءت حركة يوليو وأقامت الحكم الجمهوري..فبعد أن كانت الجماهير خارج دائرة الحكم والسلطة أصبحت(الجماهير) هى مانحة الشرعية للحكم الجديد..اسما وفعلا.(وهو مالا يريده د/على) . لكن ما حدث فعليا هو ماكان يحدث من قبل في القرون الغابرة.. استئثار كامل بالسلطة والقرار .. وتفرد استبدادي بكل شئون الحكم . وثائق المخابرات الأمريكية ذكرت ان الرئيس عبد الناصر التقى كيرميت روزفلت مسئول إدارة الشرق الأوسط فى مارس 1952 وقال له أن الجيش سيقوم بانقلاب وطلب عدم تدخل أمريكا وعدم تدخل القوات البريطانية فى الإسماعيلية ..واتفقت وجهه نظريهما.. روزفلت وناصرعلى انه لا يمكن الانتظارحتى تحدث ثورة شعبيه أو ديمقراطية تأتى بالإخوان أو الشيوعيين وأضاف ناصر(إن تطلعات الشعب المصري محدودة و أن المصريون قد عاشوا ألاف السنين على الكفاف ويمكنهم العيش على ذات النمط لمدة ألف عام أخرى)هكذا نظر الجمهوريون الجدد للشعب المصري وهكذا عاملوه وتعاملوا معه .. ولنا جميعا ان نتأمل فى ضوء ذلك أزمات الخبز والمياة والكهرباء والمواصلات والاسكان والصحة والتعليم . مقوله د على الدين تذكرك بما قاله الرئيس ناصر..صحيح نحن نعيش حالة جمهورية من ستين عاما لكنها جمهورية بلا جمهور .جمهورية تقوم على استبعاد الجمهورمن المشاركة..ذكرت الأستاذة صافينازكاظم انه بعد هزيمة 1967 كان الأستاذ محمد فايق يمرعلى المثقفين و الناشطين قائلا لهم ..لا تشغلوا أنفسكم بمسألة السياسة والحكم تفرغوا انتم للعمل الشعبي وثقوا تماما أن الحكم فى أيد أمينة(كلهم يقولون ذلك) قال هذا بعد احتلال سيناء وأزمة عامر/ناصر والحالة العامة كانت شديدة البؤس . الجمهورية منظومة قيم قانونيه وحقوقية ينظمها عقد اجتماعي سياسي ثقافي يقوم على احترام التعددية ونبذ الاستبداد. الجمهورية برلمان قوى وأحزاب فاعلة ونقابات مؤثرة وصحافة حرة وتعليم متقدم ..وكل هذا لا يكون إلا بجماهير يقظة تسير في مسارات المشاركة المتعددة بهمه وعزم تخطيء مرة وتصيب مرات . د على الدين ذكر ضمن ما ذكر ان الأخ جمال مبارك هو مرشح محتمل للحزب الوطني فى الانتخابات الرئاسية القادمة وانه من الممكن ان يكون(اوباما)مصر ..المحطات الطويلة التى مرعليها اوباما قبل ان يصل للحكم معروفه ومهدت تمهيدا طبيعيا لمجيء اوباما .. ولا أدرى على ما قامت المقارنة . صحيح أن الأخ جمال مبارك يمارس العمل السياسي من ما يقرب من خمسة عشر عاما لكن الأمر كليا مختلف . وأنا بالمناسبة أرى كل الحق للأخ جمال فى ترشيح نفسه للرئاسة لكنه يواجه عقبه كبيرة لتتميم شرعيه مجيئه وهى أن الأخ جمال حسنى مبارك جاء للرئاسة بعد السيد حسنى مبارك. فكيف لنظام جمهوري – به من العيوب ما به – يأتى فيه الابن رئيسا بعد الأب الرئيس . الفرصة الحقيقية للأخ جمال هى بعد أن يكمل ما بدأه من إصلاحات في الحزب الوطني خلال العشر سنوات القادمة..ثم يتقدم للرئاسة منافسا لمن سيأتي بعد الرئيس مبارك _حفظه الله_ أو لغيره من المرشحين.وبهذا يكون الأخ جمال ضرب عصفورين بحجر..الأول هو تتميم خبراته السياسية والحزبية والثاني محو كلمه توريث من العمل السياسي . ما قاله د/على خطأ كبيرلايجب الموافقة عليه..فالحضورالجماهيرى والشعبي فى عمليه الحكم والسياسة مهم . لأن من هذه الجماهير سيخرج (حاكم )المستقبل كما خرج اوباما ..ولان هذه الجماهير حين يتم تنظيمها فى كتل اجتماعيه وسياسية فاعله تكون ضمانة لمنع استبداد الحكم وتغوله . فالحل ليس احتقار الجماهير كما نبه إلى ذلك تروتسكى إنما احترامها وضخ دماء المعرفة والعمل الوطني فى عروقها.