الإذاعة المصرية منذ تفجيرات دهب ، وهي ما انفكت تتكلم عن سيناء وجمالها وحلاوتها وخفة دمها ، أي أن الحكومة لم تتذكر سيناء إلا كلما وقعت مصيبة أو كارثة ، وبدون ذلك فإنها منسية حتى من "حقوق المواطنة" ! حال سيناء وأهلها في تقديري ، دلالة على غلو بعض الأقباط ، عندما يتحدثون عن "تعمد" المسلمين تهميشهم فيما يتعلق بالوظائف ذات المكانة الاجتماعية ، فأهالي سيناء جميعهم عرب ومسلمون ، ويشكون من تعمد السياسات الرسمية للدولة ، التعامل معهم باعتبارهم مواطنين "درجة ثانية" ، إذ يحرم شبابها من الالتحاق بالوظائف المهمة أو السيادية ، وهي شكوى متواترة عن أهالي سيناء ، وعلى الرغم من أن سياسة التهميش المهني فيما يتعلق بمهن المكانة الاجتماعية تمارسه مؤسسات الدولة مع كافة فقراء المصريين ، أو مع كل من ليس له بطن ولاظهر بغض النظر عن دينه مسلما كان أو قبطيا ، إلا أنها أكثر حضورا كما يروي السيناويون مع سكان شبه جزيرة سيناء !. فضلا عن أن سيناء تبدو حتى لغالبية المثقفين المصريين مكانا مجهولا ، لايكاد يعرفون عنها شيئا إلا هزيمة 67 ، و انتصار أكتوبر العظيم عام 1973 . و اعتقد أن سيناء في وعي معظم المصريين ، مساحة غير واضحة التضاريس ، و تحتاج إلى جهد كبير من قبل الدولة ، لتساعد الوعي المصري على اكتشاف سيناء من جديد ، ليس فقط على مستوى قيمتها الأمنية ، باعتبارها البوابة التي ظلت عبر تاريخ مصر القديم و الحديث ، التي يستسهلها الغزاة في احتلال مصر ،و كأنها نزهة لاصطياد "الأرانب البرية" ، و لكن باعتبارها فراغا بكرا ، لا يزال محتفظا بكل مقومات إنزاله منزلة "سلة مصر" الغذائية ، و يمكن بقليل من الاهتمام ، أن تخفف العبء عن الوادي الذي استنزفته سياسات الدولة العشوائية ، و تركه لمافيا الأراضي تفعل به الأفاعيل. و لا أدري ما إذا كانت الدولة لديها خطط واضحة ، لإعادة تأهيل سيناء سكانيا ، خاصة و أن أي زائر لها يستشعر و كأن حبات الرمل تستجديه ، و تناشده التوسط لها عند الباشاوات الكبار ، الذين يرفلون في نعيم الوادي و يتفيئون ظلاله ، تستصرخه أن يهمس في آذانهم أو يصرخ في وجوههم : سيناء غنية بكل ما تستلذ به الأعين و تشتهيه الأنفس ، و إنها فقط تنتظر الأيدي العاملة ، و تشجيع الدولة لتلك الأيدي على الهجرة إلى سيناء . لقد اكتشفت أثناء وجودي بالعريش العام الماضي ، أثناء قضاء اجازتي الصيفية على شواطئها ، أن الحس الوطني لأهلها ، و قيم الارتباط بالأرض ، لا يزال محتفظا بحماس و زخم أيام حرب التحرير ، و هي ملاحظة أثارت دهشتي و استغرابي ، خاصة و أن ثقافة شباب وادي النيل ، باتت تميل أكثر إلى تبني قيم و مفاهيم الترف و الدعة ، و لعل دهشتي ترجع إلى أنني قست شباب مصر كلهم ، بمقاييس شباب الوادي ، الذين غيبتهم خلاعة "روبي" و مياصة " نانسي" . و المفارقة الجديرة بالملاحظة هنا ، هو أنه في الوقت الذي ما انفك فيه المسئولون بالوادي يتباهون بانتمائهم لفرعون و حضارته الحجرية الميتة ، فإن أهل سيناء يتباهون بانتمائهم العربي الإسلامي ، و سمعت أحد كبار مناضليهم السابقين و هو يعدد مناقب هذه الصحراء المباركة ، و يقول و هو يعرفنا بسيناء : إن هاجر زوجة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام "سيناوية" و أن ماريا القبطية زوجة النبي صلى الله عليه و سلم ، هي الأخرى "سيناوية" ، و أن ماريا بفطرتها النقية و التي استقتها من طهارة الصحراء و نقائها أسلمت في الطريق قبل أن تصل إلى المدينةالمنورة ، بعد أن تأثرت بخلق الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة ، و الذي كان يصطحبها في رحلتها من مصر إلى الجزيرة العربية. و تباهى المناضل السيناوي بأن العريش أول مدينة مصرية تتبع النور المحمدي و تُسلم وجهها لربها .. لله رب العالمين .. نظرة يا أهل الوادي إلى سيناء إنها تستحق منا الكثير ، ولانتعامل معها بمنطق : "في الحزن مدعية وفي الفرح منسية " . [email protected]