ينبغي أن نعترف بأن التقرير الذي نشرته صحيفة الواشنطن تايمز عن الحالة الصحية للرئيس مبارك تقرير مخيف ومفزع ، ولعله لهذا الإدراك من الجميع أثار كل هذه الزوبعة المستمرة حتى الآن بدون توقف ، التقرير عندما نشر نقلته جميع وكالات الأنباء العالمية تقريبا ومئات الصحف العالمية فضلا عن مواقع الانترنت ، وقد أثار ضيقا لا يخفى لدى صانع القرار المصري تجلى في حملة صحفية عنيفة وغاضبة ضد التقرير وصلت إلى حد اتهام الأمريكيين بالإساءة إلى علاقات "الصداقة" بين النظام السياسي المصري والولايات المتحدة ، رغم أن التقرير لم يصدر عن أي جهة رسمية وإنما نشرته صحيفة من خلال معلومات حصلت عليها كما تقول من جهات استخبارية رفيعة ، والواشنطن تايمز ليست في صدارة الصحف الأمريكية ذات التأثير والحضور العالمي ، ولو كان هناك قصد رسمي أمريكي وتعمد التسريب لكان مع صحيفة أكثر حضورا وانتشارا ، لكن ما أضاف إلى التقرير حساسيته أنه حدد نوعية المرض بالتفصيل وهو من النوعية التي لا تقبل اجتهادا وإنما يقطع بها طبيعة التحاليل الطبية بسهولة شديدة ، تجاهلت مؤسسة الرئاسة الرد على ما نشرته الصحيفة ، واكتفت بالحديث العام عن أن الرئيس صحته "زي البمب" وأن الوزراء يلهثون وراءه من أجل ملاحقة نشاطه وجدول ارتباطاته المزدحم ، وهو كلام لا يليق بمؤسسة الرئاسة وربما كانت نتائجه سلبية وليست إيجابية على الرأي العام ، لأن المبالغة الفجة تشي بالقلق من شيئ ما ، أيضا لوحظ أن هناك تعمدا لإظهار جدول أعمال مزدحم بصورة طارئة على مدار أسبوع للرئيس في أمور بعضها هامشي وبعضها لا يمثل أي إلحاح طارئ ويمكن تأجيله بسهولة خاصة مع ظروف المتابعة الصحية للرئيس بعد العملية التي أجراها في ألمانيا وبحكم السن الذي هو جزء من قدرنا في هذه الحياة والذي لا يمكن أن نعانده أو نتجاهله أو نقنع الآخرين بأن قانونه لا يسري على شخص بعينه ، الحكومة المصرية كلفت الملحق الإعلامي لسفارتنا في واشنطن بإرسال توضيح ورد على ما نشرته الصحيفة ، ونشرته الصحيفة بالفعل ، ومن هزال الرد تجاهلته الصحف بما في ذلك صحف الحكومة المصرية هنا ، لأنه ترديد للحديث عن الصداقة وعن سلامة الرئيس ونشاطه وحيويته ونفي عاطفي ودعائي للمعلومات التفصيلية التي نشرتها الصحيفة عن طبيعة مرض الرئيس وحالته الصحية ، وأنا مندهش لتجاهل الجهات الرسمية حسم الأمر وإفحام الصحيفة بردود علمية قطعية من السهل جدا استخدامها ، وأهمها على الإطلاق التحاليل الطبية التي أجراها الرئيس مبارك في المستشفى الألماني قبل إجراء العملية وبعدها ، فهذه التحاليل هي وحدها التي يمكن أن "تفحم" التقرير الذي نشرته الواشنطن تايمز ، لأنها تمثل الدليل العلمي والطبي اليقيني عن الحالة الصحية للرئيس ، فلماذا لم تستخدم الجهات الرسمية المصرية هذه التحاليل لتكذب تقرير الصحيفة وتقطع الجدل الذي انتشر وما زال داخل مصر وخارجها ، أو أن تسمح للمستشفى بنشر نتائج تلك التحاليل على موقعها على الانترنت مثلا ، طالما أن هناك "شفافية" في تعامل مؤسسة الرئاسة مع الرأي العام حول صحة الرئيس ، وأنه ليس هناك ما نخفيه عن العالم ، والحقيقة أن تردد الحكومة المصرية وغموض موقف الرئاسة في هذا الموضوع ليس من الحكمة في شيء ، بل إنه يزيد من ارباك الرأي العام ، وقلق الناس ، لا يستطيع مهتم بالشأن العام في مصر الآن أن يخفي قلقه على البلد ومستقبلها في ظل هذا الغموض والمخاطر وانعدام الرؤية وانتظار المفاجأة ، نثق بالتأكيد في تطمينات الرئيس أكثر من مرة بأن كل شيء مرتب ولا شيء متروك للمفاجأة ، لكن من حق الناس أن تعرف أيضا وأن تطمئن على "سلامة" تقديرات الرئيس وحساباته ، خاصة وأن الخبرة المصرية طوال نصف قرن تشير إلى أن كل شيء يمكن إعادة تفصيله وتعديله في ليلة واحدة ، بما في ذلك القانون أو الدستور ذاته ، وبالتالي يصبح الحديث المتكرر عن أن الدستور والقانون حدد انتقال السلطة بوضوح في مصر هو كلام "فض مجالس" ، ودليل على التهرب من الإجابة عن السؤال / الهاجس . [email protected]