بسبب القواعد الجديدة، "أطباء بلا حدود" تترقب اليوم قرارا إسرائيليا بوقف عملها في غزة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    هجوم أوكراني بطائرات مسيرة على موسكو    الاختبارات الإلكترونية لبرنامج الدبلوماسية الشبابية تجذب آلاف الشباب المصري    وخلق الله بريجيت باردو    محكمة تونسية تؤيد حكم سجن النائبة عبير موسى عامين    وزارة الرياضة تواصل نجاح تجربة التصويت الإلكتروني في الأندية الرياضية    بداية تحول حقيقي، تقرير صادم عن سعر الذهب والفضة عام 2026    ولفرهامبتون يحصد النقطة الثالثة من أرض مانشستر يونايتد    ذخيرة حية وإنزال برمائي.. الصين توسع مناوراتها حول تايوان    مصرع طفل دهسه قطار الفيوم الواسطي أثناء عبوره مزلقان قرية العامرية    طقس رأس السنة.. «الأرصاد» تحذر من هذه الظواهر    قوات التحالف تنشر مشاهد استهداف أسلحة وعربات قتالية في اليمن وتفند بيان الإمارات (فيديو)    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    رئيس جامعة قنا يوضح أسباب حصر استقبال الحالات العادية في 3 أيام بالمستشفى الجامعي    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    محافظ القاهرة: معرض مستلزمات الأسرة مستمر لأسبوع للسيطرة على الأسعار    «قاطعوهم يرحمكم الله».. رئيس تحرير اليوم السابع يدعو لتوسيع مقاطعة «شياطين السوشيال ميديا»    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    مصدر بالزمالك: سداد مستحقات اللاعبين أولوية وليس فتح القيد    شادي محمد: توروب رفض التعاقد مع حامد حمدان    نتائج الجولة 19 من الدوري الإنجليزي الممتاز.. تعادلات مثيرة وسقوط مفاجئ    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    استشهاد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على مركبة جنوب نابلس    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    قيس سعيّد يمدد حالة الطوارئ في تونس حتى نهاية يناير 2026    نتنياهو يزعم بوجود قضايا لم تنجز بعد في الشرق الأوسط    من موقع الحادث.. هنا عند ترعة المريوطية بدأت الحكاية وانتهت ببطولة    دعم صحفي واسع لمبادرة المتحدة بوقف تغطية مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    التنمية المحلية: تقليص إجراءات طلبات التصالح من 15 إلى 8 خطوات    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    طرح البرومو الأول للدراما الكورية "In Our Radiant Season" (فيديو)    الخميس.. صالون فضاءات أم الدنيا يناقش «دوائر التيه» للشاعر محمد سلامة زهر    لهذا السبب... إلهام الفضالة تتصدر تريند جوجل    ظهور نادر يحسم الشائعات... دي كابريو وفيتوريا في مشهد حب علني بلوس أنجلوس    بسبب الفكة، هل يتم زيادة أسعار تذاكر المترو؟ رئيس الهيئة يجيب (فيديو)    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    غدًا.. محاكمة 3 طالبات في الاعتداء على الطالبة كارما داخل مدرسة    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    أمين البحوث الإسلامية يلتقي نائب محافظ المنوفية لبحث تعزيز التعاون الدعوي والمجتمعي    ملامح الثورة الصحية فى 2026    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    حقيقة تبكير صرف معاشات يناير 2026 بسبب إجازة البنوك    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    رئيس جامعة قناة السويس يهنئ السيسي بالعام الميلادي الجديد    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    نسور قرطاج أمام اختبار لا يقبل الخطأ.. تفاصيل مواجهة تونس وتنزانيا الحاسمة في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارم يحيي يكتب: تونس الحمراء..وأبناء بن علي في الصحافة المصرية
نشر في البديل يوم 13 - 01 - 2011

* الأهرام والأخبار والجمهورية لم يكتبوا كلمة واحدة عن الانتفاضة التونسية لمدة 10 أيام
* اتحاد الصحفيين العرب كرم الرئيس التونسي فى 2010 لدوره في الدفاع عن الصحافة رغم اضطهاده للصحفيين
* نقيب الصحفيين وصف بن على بصديق الصحفيين العرب والرئيس يعتقل كاتبا انتقد زيارة شارون لتونس
* الأهرام والأخبار في نفس اليوم نشرا إعلانات عن إصلاحات الرئيس التونسي وتجاهلتا ما ورد في الأخبار المنقولة من الوكالات عن الاحتجاجات
* نقباء للصحفيين داسوا على القوانين والمواثيق و تحولوا إلى زبائن لدى ” وكالة الاتصال الخارجي ” التونسية
صرخة صحفية تونسية : لا تأكلوا من لحمنا .. لا تشربوا من دمنا
مسافة كبيرة بين الصورة المزيفة لتونس “الخضراء” تحت قيادة الرئيس زين العابدين بن على “نصير الحريات وحقوق الانسان و صاحب معجزة التنمية والتحديث”، وغيرها من الأوصاف والألقاب مدفوعة الأجر في الصحف المصرية قومية و حزبية و خاصة جديدة و بين حقيقة تونس “الحمراء” التي تنتفض على الدكتاتور زين العابدين و أسرته و عصابته في الحكم والنهب والفساد و التبعية للغرب والتطبيع مع إسرائيل ، فيتساقط في موكب جليل شهداء انتفاضة الخبز والحرية برصاص قوات الطاغية متعدد الألقاب . لكنها هذه المرة القاب من قبيل: ” بينوشيه العرب ” و ” صديقنا الجنرال “. والأخير هو عنوان كتاب ألفه الصحفيان الفرنسيان ” نيكولا بو ” و ” بيير توكوا ” ، وكتب مقدمته الكاتب الشهير ” جيل بيرو ” . وكانت قد صدر ترجمته الى العربية من دمشق عام 2005.
في هذه المسافة الشاسعة بين تونسين ” خضراء ” و “حمراء” ، يقف رؤساء تحرير و مسئولو أقسام وصفحات وكتاب رأي ودكاترة باحثون ومحررون . وقد انخرطوا في الخلط بين الإعلان والتحرير وبين المهام الصحفية والرحلات السياحية . بل وحتي نقباء للصحفيين ، خانوا مصداقية الكلمة وداسوا على القوانين والمواثيق . و قد تحولوا جميعا الى زبائن لدى ” وكالة الإتصال الخارجي ” التونسية ( أشبه بهيئةالإستعلامات لدينا ) ، والتي تنفق ببزخ على تجميل صورة الدكتاتور في الخارج من قوت الشعب التونسي الذي ينتحر شبابه العاطل حرقا أو صعقا بالكهرباء و يموت بالرصاص الحي فقراؤه وأبناء طبقته الوسطي المحتجون على الغلاء والفساد والاستبداد و القمع والتعذيب . وكما قال لي مثقف تونسي فان ” تونس الخضراء” كما يقوم بتسويقها زبائن “وكالة الاتصال الخارجي” تنفق على وسائل الإعلام في الخارج بسخاء منذ تولى “صديقهم الجنرال ” في نوفمبر 1987 وعلى نحو لم يعرفه عهد بطل الاستقلال و مؤسس الجمهورية التونسية الرئيس الحبيب بورقيبه. و بالطبع كما عندنا لا توجد شفافية تفصح عن حجم هذا الإنفاق. لكن متابعة المنشور في الصحافة العربية والعالمية تفيد أيضا بأن صحفنا تتقدمها القومية العملاقة على رأس قائمة زبائن ” وكالة زين العابدين ” ،ومعها عدد من الصحف ساقطة المصداقية في دول عربية وغربية . ومن بينها على سبيل المثال صحف لبنانية محدودة التوزيع ، وصحيفة ” واشنطن تايمز” اليمنية الامريكية و مجلة ” جون أفريك ” الصادرة في فرنسا ، وذلك بعكس الصحف المحترمة التي تحافظ على مصداقيتها مثل ” لموند ” و ” ليبراسيون “.
شخصيا لدي ما يملأ بالوقائع كتابا عن هؤلاء الزبائن في صحافتنا . والكثير من هذه الوقائع عايشته بنفسي وكنت شاهدا عليه من صالات التحرير الى التنفيذ والطبع . ولولا خشية الانزلاق الى كتابة فضائحية لرويت الآن ما شاهدت وعايشت ، وحاولت مقاومته وآخرون عبثا . ولعل ما يخفف بعض الشئ عبء ما أحمل انني حاولت تشريح آليات اللعبة و كيف نشأ وتطور ” نمط من الأداء الصحفي المضبوط على إيقاع قوى إقليمية و دولية بتوجيه من الأجهزة الرسمية عندنا ” . وقد نشرت ذلك في دراسة موثقة ضمن كتاب صدر لي مطلع عام 2005 . وحملت الدراسة عنوان ” كي لا نجرؤ على الكلام : العطايا السخية لسادة النفط و أمريكا ” . صحيح ان الكتاب لم يتعرض نصا ل ” تونس الخضراء” ، لكنه يقدم صورة تجريدية للآليات الحاكمة، و يشير الى صراع كان دائرا مع مطلع الألفية الجديدة في مطابخ الصحف القومية حول تفضيل مصطلح عن آخر في صياغة الخبر و الموضوعات الخبرية في صفحات الشئون العربية والدولية . ولم ينته العام نفسه (2005 ) إلا وكنت من موقع مؤسس و مسئول قسم ” عرب وعالم ” بصحيفة ” الكرامة ” وبمناسبة استضافة ” تونس الخضراء ” لقمة المعلوماتيه ومعها مجرم الحرب رئيس الوزراء الاسرائيلي ” إرييل شارون ” أنشر صفحة كاملة عن الصورة الحقيقية لتونس. و قدمت من بين موضوعاتها تحليلا للصلة بين الدكتاتورية و هذا النمط من التحديث الرأسمالي المظهري و السياسات غير الشعبية من التبعية للغرب الى التطبيع مع إسرائيل .ووقتها اتصل بي زميل مهنه، وقال :” هذه الصفحة الآن سابقة في الصحافة المصرية ، بما في ذلك الصحافة التقدمية “.
وفي وقت لاحق ، وتحديدا في نوفمبر 2007 أصدرت منظمة حقوقية مصرية هي “الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان ” تقريرا تحت عنوان ” من يدفع الثمن ؟.. إعلانات الصحف المصرية لتجميل صورة الدكتاتورية التونسية”. صحيح ان التقرير لم يتطرق الى اسماء السادة زبائن الدكتاتور من زملائنا الصحفيين ،حيث اقتصر على معالجة الموضوعات الإعلانية مجهلة المصدر والتي يجرى نشرها بالمخالفة للقانون وميثاق الشرف الصحفي بوصفها موضوعات خبرية دون تنويه الى انها مجرد ” إعلانات مدفوعة “. لكن التقرير ( المتوافر على شبكة الإنترنت الى حينه) وثق 25 إعلانا ل ” صديقهم الجنرال ” موزعة على ثمان صحف مصرية خلال عام 2006 و حتى إبريل 2007. و
هي : الأهرام و الأخبار والجمهورية و روزا اليوسف (قومية ) و الأسبوع ( خاصة جديدة) و الأحرار والعربي و الأهالي ( حزبية معارضة ) . وقد تصدرت ” الأهرام ” و “الأحرار” القائمة في عدد مرات النشر . لكن الأخطر من ذلك أن التقرير ذاته وثق مخاطبة ” الشبكة العربية ” في 21 مارس 2007 لرؤساء تحرير هذه الصحف بهدف مجرد حثهم على توضيح طبيعة مثل هذه المواد المنشورة في صحفهم .
وما حدث انه ” لاحياة لمن تنادي” ، بل قل : ” لا حياء لمن تنادي”. فقد استمر إهدار مصداقية الصحف و إستغفال القراء و إنتهاك القانون وميثاق الشرف بالخلط بين الإعلان والتحرير دون توقف. ولنأخذ من ” الأهرام ” نموذجا بوصفه أكبر الصحف المصرية و أغناها واكثرها قدرة على الاستغناء عن هكذا خلط بين الإعلان والتحرير يهدر مصداقيته . في 2 نوفمبر 2006 يكتب ” س . ع ” في عاموده تحت ” عنوان تونس لن تتراجع ” يهاجم فيه من وصفهم ب ” الحناجر التي تتهم تونس بالخروج على الإجماع العربي لدعوتها شارون للمشاركة في قمة المعلوماتيه ” . كما يهاجم من انتقدوا ” أحوال حقوق الانسان في تونس ” . فيما كان ” صديقه الجنرال ” يعتقل كاتبا إسمه ” محمد عبو ” ويسجنه 28 شهرا لتجرؤه على نشر مقال على شبكة الانترنت بعنوان ” بن على شارون ” . وقد قيد ل “عبو ” أن يكتب لاحقا مقال ” أبو غريب العراق و أبو غريب تونس ” . أما بشأن الزميل ( س . ع) ” صديق الجنرال ” فيحق لنا أن نسأل : كم مرة قام بالتمتع بتسهيلات و ضيافة ” وكالة الاتصال الخارجي ” التونسية ؟ . وفي 25 نوفمبر 2007 تنشر مجلة ” نصف الدنيا ” النسائية الصادرة عن مؤسسة “الأهرام ” رسالة لزميل آخر ( م . م) تحت عنوان :”تونس تنتقل من ديموقراطية العقيدة الى ديموقراطية البرامج ” !. وبالطبع علينا أن نسأل أيضا كم مرة تمتع هو الآخر بضيافة ” وكالة صديقه الجنرال ” ؟ . وفي 22 مارس 2008 تنشر صحيفة ” الأهرام ” :” في الذكرى ال 52 لاستقلال تونس : بن على يعلن قرارات جديدة لتعزيز الديموقراطية و المشاركة السياسية ” . و الموضوع إعلان واضح لكن دون أي تنويه لذلك ، والمصدر ” تونس خاص”. وفي 6 سبتمبر 2008 ينشر ” الأهرام ” رسالة بعنوان ” في مؤتمر التحدي : تونس تدشن مرحلة الإنفتاح ” . وهو هذه المرة للدكتور والمثقف ( س .أ) . ولما كانت استضافة ” وكاله صديقه الجنرال ” بمناسبة انعقاد المؤتمر الخامس لحزب التجمع الدستوري الوطني الحاكم فقد كتب :” ان الحزب ولا يزال يتحمل مسئولية قيادة النضال والكفاح والاستقلال واصبح عمليا مدرسة للوطنيين التونسيين “. و قال أيضا لافض فوه :” ان الحزب بناء مؤسساتي رصين و عميق و متشعب ” ( والله هكذا كتب وهكذا نشرت الصحيفة العريقة ) . و قال أيضا :” كان شيئا لافتا مثلا أن يقف رئيس الدولة الذي هو في نفس الوقت رئيس الحزب ليردد في عزة وفخار النشيد الوطني مع جموع التونسيين ” . (طبعا لا دهشة في الجمع بين رئاسة الدولة والحزب ولسنوات مديدة لأن الحال نفسه عندنا في مصر و لأن الدكتور نفسه عضو بلجنة سياسات حزب مبارك الحاكم) . وبعدها بأيام وتحديدا في 20 سبتمبر 2008 تنشر “الأهرام ” إعلانا دون تنويه لطبيعة المادة المنشورة تحت عنوان ” تونس .. بدأت مرحلة إعداد إنتخابات 2009′′ . وبالمناسبة فقد سبق ” صديقهم الجنرال زين العابدين ” بزمان صديقه ” حسني مبارك ” في الانتقال من لعبة الاستفتاءات الرئاسية المزورة الى لعبة الانتخابات الرئاسية المقيدة المزورة . وببساطة بدأت اللعبة في تونس عام 1999 وفى مصر 2005 . و بالمناسبة ايضا فان مصدرا حكوميا تونسيا كان اكثر شفافية من أقرانه في مصر ، حين نفي أنباء ارتفاع نسبة استهلاك لحوم الحمير عند الفقراء التوانسه ، وقال :”النسبة هامشية ولا تتعدي 700 طن في العام ” ( برقية لوكالة الانباء الالمانية في 25 إبريل 2010 ) . ولعله ثمه علاقة ما بين استهلاك الفقراء للحوم الحمير في مصر وتونس و هذا النمط من الانتخابات الرئاسية و المعالجات الصحفية لسيرة ” صديقهم الجنرال ” .
و قتلا للضجر ( وهو بالمناسبة عنوان قصة قصيرة للأديب الروسي أنطون تشيخوف تحكي عن ناظر محطة قطارات في بلدة نائية يضطر الى اقامة علاقة حرام مع فتاه فقيرة بلهاء ) نكتفي بالاشارة الى موضوعات إعلانية أخرى صدرت في “الأهرام ” على سبيل الخداع في هيئة موضوعات إخبارية صحفية في أعداد 3 نوفمبر 2008 و 8 نوفمبر و18 ديسمبر 2009 و 21 مارس و 8 نوفمبر 2010 . كما ننصح القارئ الفطن الى متابعة الخداع نفسه بمختلف الصحف المصرية بخاصة مع مناسبتي استقلال تونس وتولي زين العابدين في في شهري مارس ونوفمبر من كل عام .
والآن .. كيف عالجت صحفنا إنتفاضة الشعب التونسي الأخيرة على ” صديقها الجنرال ” ، والتي اندلعت في اعقاب اقدام الشاب العاطل ” محمد بوعزيزي ” على اشعال النار في نفسه في 17 ديسمبر الماضي . هنا و بعد رصد للصحف الكبرى الثلاث “الأهرام ” و ” الأخبار و ” الجمهورية ” عن الفترة بين 30 ديسمبر 2010 و 11 يناير 2011 نكتفى بالملاحظات التالية :
أولا جريمة الصمت .. لاشئ مطلقا عما يجرى في بلد ” صديقهم الجنرال ” في أعداد 31 ديسمبر 2010 و 1 و2 3و 4 و5 و 6 و 7 و 8 و 9 في جريدة ” الأهرام” . و لا شئ أيضا في جريدة ” الأخبار وأخبار اليوم “ في أعداد 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 8 و9 يناير 2011 . ولا شئ مطلقا في جريدة “الجمهورية ” في أعداد 31 ديسمبر 2010 و 1 و2 و 3 و 4 و 5 و 7 و 8 و 9 يناير 2011. وبالمقارنه مع صحيفتي ” الحياة ” و”الشرق الأوسط ” السعوديتين الصادرتين من لندن خلال الفترة ذاتها ، يتضح أن الأولى قدمت 18 معالجة بين خبر ورأي والثانية قدمت 15 معالجة.
ثانيا جريمة خلط الإعلان بالتحرير ..لنلاحظ أن “الأهرام ” نشرت في 30 ديسمبر 2010 بالصفحة السابعة ” شئون عربية ” إعلانا بعنوان ” عقب عدة أيام من المظاهرات : بن على يتعهد بجهود إضافية لمواجهة المتاعب الإجتماعية ” ، مع صورة رسمية مشرقة للرئيس التونسي. والموضوع بدون مصدر وبدون الاشارة الى انه إعلان أو محاولة فصله بأي طريقة عن بقية المادة الإخبارية في الصفحة . أما ” الأخبار ” فقد نشرت في اليوم نفسه ( طبعا ليست صدفة ) موضوعا مماثلا لكن تحت عنوان ” الرئيس التونسي يزور الشاب الذي حاول الإنتحار.. ويستقبل المتضررين من أحداث سيدي بو زيد”.وإن كانت “الأخبار ” قد فصلت بين هذا الإعلان وبين بقية المادة الخبرية بصفحتها ” شئون عربية وعالمية ” ب ” فاصل زجزاج”.
ثالثا.. إكتفت ” الأهرام ” بالمعالجة الإخبارية نقلا عن وكالات الأنباء بعدد 11 يناير 2011 في الصفحة الأولى وتحت عنوانين لا يحتاجان الى تعليق :” 25 قتيلا في الاحتجاجات بتونس وإغلاق المدارس .. والرئيس التونسي : عصابات مأجورة وراء الأحداث الأخيرة ” . و في المتن جاءت تصريحات الرئيس التونسي أولا وشغلت ما يزيد على نصف مساحة الخبر . أما اليوم الآخر للأهرام فقد نشرت في 10 يناير 2011 خبرا على ثلاثة عامود مناصفة مع أحداث الجزائر ، وحمل عنوان :” مقتل 8 بالرصاص خلال الاحتجاجات في تونس “،ومصدره ايضا وكالات الأنباء . وفي حالة ” الأخبار ” فقد اكتفت هي الأخرى بالنشر ثلاث مرات . في يوم 31 ديسمبر 2010 جاء خبر بالصحفة العاشرة بعنوان:” بعد إحتجاجات عنيفة على تفشي البطالة : استثمارات تونسية وأجنبية في سيدي بو زيد ” .و مصدر الخبر وكالة ” رويترز “. ولايتضمن المتن أيه تفاصيل عن انتفاضة الشعب التونسي ، بل يتقتصر على إعلان شركتين واحدة المانية والأخرى تونسية اقامة مشروعين استثماريين في “سيدي بوزيد . و الخبر الثاني في تغطية” الأخبار ” جاء يوم 10 يناير 2011 على عامودين اسفل صفحة 9 وتحت عنوان ” مقتل 8 أشخاص خلال مواجهات تونس ” نقلا عن وكالات الأنباء، وبالأصل عن وكالة الانباء التونسية الرسمية . أما الخبر الثالث خلال تغطية “الأخبار” على مدى الفترة محل الرصد ( 12 يوما ) فقد كان في يوم 11 يناير 2011 . وجاء في الصفحة التاسعة على ثلاثة أعمدة ونقلا عن وكالات الانباء أيضا ، وتحت عنوان فرعي صغير” مقتل 14 شخصا في الاحتجاجات ” و عنوان رئيسي كبير ” الحكومة التونسية : رسالة المحتجين وصلت وسنتخذ الاحراءات “. بالنسبة ل ” الجمهورية ” فقد اكتفت مثلها مثل”الأهرام ” بالنشر في يومين فقط خلال الفترة محل الرصد وفي صفحة ” عالم واحد ” . في المرة الأولى 6 يناير 2011 خبر على عامود واحد بعنوان ” وفاة البوعزيزي مفجر احتجاجات تونس ” ، ومن دون مصدر .وفي الثانية نشرت يوم 11 يناير 2011 موضوعا خبريا مشتركا مع احتجاجات الجزائر على خمسة أعمدة بعنوان : ” مقتل خمسة في اشتباكات الشرطة مع المتظاهرين في تونس ” ، ومصدره وكالات الأنباء .
و لمزيد من فهم نتائج العينة السابقة يتعين أن نسجل الملاحظات الآتية ،بعدما ننبه الى اعتبارات إقتصادية سياسية في القاهرة تتمثل في الخشية من انتقال عدوى انتفاضة تونس الى الشعب المصري:
على عكس فترات سابقة من تاريخها ، فإن الصحافة المصرية عموما باتت تخلو إلا فيما ندر من تقرير إخباري متميز او تحليل جاد بأقلام كتابها يتناول أحوال تلك الدول العربية التي تدفع بسخاء وتستضيف ببزخ القيادات والكتاب والمحررين ومن لهم سلطة النشر من أجل أغراض تجميل الصورة، بما في ذلك تونس ” الخضراء” .
إن من أطلقت عليه في كتابي المشار اليه سابقا والصادر في عام 2005 ” مدرسة الكتابة مدفوعة الأجر من المنخرطين في علاقات النفاق الرخيص مع القادة والأمراء برعاية المؤسسة الصحفية و أجهزة الدولة ” يبدو أنها قد أحكمت السيطرة على اقسام و صفحات الشئون العربية في غالبية صحفنا ، فضلا عن مساحات الرأي في هذه الصحف.وهو أمر حصيلة عوامل وتفاعلات لا مجال لتناولها هنا.
لم يتبق لقارئ الصحف المصرية إلا الثقة في الأخبار المستمدة من وكالات الانباء الغربية. وحتى هذه تخضع في مطابخ الصحف للتلاعب بالمعلومة و الإبراز والإخفاء و غيرها من تكنيكات يعلمها محررو الشئون الخارجية والعربية . ناهيك عن مصالح هذه الوكالات و التحفظات بشأنها والواردة في تقرير منظمة “اليونسكو” لشون ما كبرايد ،و الذي يحمل عنوان ” أصوات متعددة وعالم واحد ” ، وله ترجمة الى العربية صدرت من الجزائر عام 1981. وقبلها يمكن الرجوع الى كتاب استاذنا الدكتور مختار التهامي ” الصحافة والسلام العالمي ” ، والصادر من القاهرة عام 1964. فضلا عن اسهامات لاحقة حول نظرية ” التبعية الإعلامية ” لاساتذة أجلاء آخرين كالدكتورة عواطف عبد الرحمن .
ولكن .. الى من نلجأ لمواجهة هذه الكارثة التي حلت بصحافتنا ؟
هل يفلح ان نلجأ الى نقابة الصحفيين المعنية بتطبيق ميثاق الشرف الصحفي ومحاسبة اعضائها عن انتهاك قوانين الصحافة و اخلاقياتها ؟ . وكيف نلجأ اليها وقد تفضل نقيبها الحالي الاستاذ مكرم محمد أحمد و الأسبق الاستاذ إبراهيم نافع بوصفهما أمين عام ورئيس اتحاد الصحفيين العرب بمنح درع الإتحاد ل”صديقهم الجنرال زين العابدين بن على” في إبريل 2010 ” تقديرا لدوره في الدفاع عن الصحافة بالعالم العربي “، وغير عابئين باحتجاج الصحفيين التونسيين الأحرار و المنظمات الحقوقية المعنية بحرية الصحافة . وهل ننسى ان نقيب الصحفيين المصريين الحالي وصف ” صديقه الجنرال ” بأنه: ” صديق الصحفيين العرب وصديق الإعلام في العالم و القائد الذي يشجع حرية الكلمة والديموقراطية ” . وكم مرة قبلها زار الاستاذان مكرم و نافع تونس في ضيافة ” وكالة الاتصال الخارجي “، منذ ان كانا من بين رؤساء مجالس إدارة وتحرير المؤسسات القومية على مدى عقدين أو أكثر ؟ .وكم كانت حصتهما في حصيلة إعلانات الوكالة المدفوعة الى هذه المؤسسات ؟
وهل يفيد اللجوء الى المجلس الأعلى للصحافة بحكم ما له من سلطات وصلاحيات؟ ، وهو الذي يتحلى بخطيئة الصمت إزاء كل ما يجرى ،وهو يعلم ما هو مخفي ومعلن من أحوال الصحفيين وقيادات الصحف . بل ويسهم في إختيار ” أصدقاء الجنرالات والأمراء ” في المواقع القيادية بالصحف القومية .
وهل هناك معنى لاعتبار هذا المقال بلاغا للنائب العام ،وهو بالأصل يجرى تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية شبيه ” صديقهم جنرال تونس ” ؟.
في الختام يظل في الذهن كلمات قالتها الزميلة التونسية نزيهة رجيبة ” أم زياد ” حين وقفت في نقابة الصحفيين المصريين يوم 3 مايو 2006 خلال الإحتفال بيوم الصحافة العالمي لتناشد زملاءها هنا الامتناع عن نشر الموضوعات الدعائية لنظام دكتاتور تونس ، مذكرة بأن هناك مواطنين في بلادها ينشدون حياة كريمة و إعلاما حرا وهم في مسيس الحاجة لما ينفقه هذا النظام على تجميل صورته في الخارج . قالت في صرخة من القلب :” لا تأكلوا من لحمنا ” . و الآن..و مع الدم الطاهر الذي يروى أرض تونس الحمراء أقول معها :” لا تأكلوا من لحمنا .. لا تشربوا من دمنا “.
و تبقي ملاحظتان :
الأولى .. اننا تجنبنا الكشف في الاستشهادات الواردة سابقا عن أسماء الكتاب والمحررين ، واكتفينا بنشر الحروف الأولى منها ،وذلك توقيا للانزلاق الى التشهير و الشخصنة ، واداركا بان الظاهرة أكبر من الأمثلة المستشهد بها وتمتد الى صحف عدة .
والثانيه ..ان كاتب هذا المقال ساهم في تأسيس و عمل بصفحة ” العرب في أسبوع ” بصحيفة “الجمهورية ” عام 1984 ، و بصفحة ” الحوار القومي” بعدها في عام 1985 ، وكتب للصفحة ذاتها بين عامي 1999 و2001، وعاد للعمل بها في عامي 2005 و 2006. كما عمل بقسمي “الخارجي” بالأهرام المسائي بين عامي 1992 و 1998 و”الشئون العربية ” في الأهرام اليومي بين عامي 1998 و 2003 .كما أسس وأشرف على “عرب وعالم ” بجريدة ” الكرامة “في عام 2005. وطوال هذه الرحلة ومع محطات أخرى يحمد الله أنه كغيره من زملاء عديدين بعيدين عن الشهرة واحتكار مساحات النشر هنا وهناك لم يكن زبونا لأي وكالة اتصال أو سفارة أو وزراة أو من أصدقاء الجنرالات أو الأمراء من زمن عراق صدام الى زمن تونس بن علي.. ويتحدي.
مواضيع ذات صلة
1. كارم يحي يكتب: رسالة من صحفي بالأهرام إلى د.عبد المنعم سعيد .. استقل من الوطني
2. صحفيون بلا حقوق تطالب الصحفيين في مصر بالتضامن مع المحتجين في تونس
3. كارم يحيى : من ملف ” العلاقة الحرام ” صحف قومية أم نشرات حزبية
4. كارم يحيى : مجزرة الإسكندرية والمسألة المصرية
5. تونس تحجب موقع جريدة الأخبار اللبنانية بعد نشرها لوثائق ويكيليكس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.