«الدواء المصرية» توقع مذكرة تفاهم مع وكالة تنظيم الأدوية في أنجولا    بلومبرج: الولايات المتحدة قد تواصل مصادرة ناقلات النفط قبالة سواحل فنزويلا    د. آمال عثمان تكتب: المرتزقة.. وتجارة الدم    انطلاق مباراة الأهلي وإنبي بكأس عاصمة مصر    ذا أثلتيك: صلاح يعود لقائمة ليفربول أمام برايتون بعد اجتماع مثمر مع سلوت    غلق مركزين لعلاج الإدمان و 25 منشأة طبية في قنا    وفاء الغزالى تكتب: أنقذوا الحضارة فى «اللوفر»    عروض تراثية وفنون شعبية..«الشارقة للمسرح الصحراوي» يستعد لافتتاح الدورة التاسعة    ياسمين عبد العزيز عن فترة مرضها: «شوفت الموت ورجعت»    رشح أم إنفلونزا.. كيف تميز بينهما وتحمي نفسك؟    علي ناصر محمد تحدث عن تشكيل المجلس اليمني المشترك بين الشمال والجنوب    وزير الثقافة ينعى الناشر محمد هاشم.. صاحب اسهامات راسخة في دعم الإبداع    علي ناصر محمد: حكم جنوب اليمن شهد نهضة تعليمية وتنموية    رئيس المجلس الأوروبي: يجب تحويل التعهدات بتلبية الاحتياجات المالية لأوكرانيا إلى واقع    الجبهة الوطنية أكبرهم، 12 مقعدا خسائر الأحزاب في انتخابات ال 30 دائرة الملغاة    تعاون مصري - ياباني لتعزيز تنافسية المشروعات الصناعية| فيديو    فيجا حكمًا لمواجهة برشلونة وأوساسونا    إشادات دولية بالإنجاز الحضاري.. المتحف الكبير يصنع طفرة سياحية غير مسبوقة    ضبط 42102 لتر سولار داخل محطة وقود لبيعها في السوق السوداء    اتحاد الصناعات: 1822 مشروعًا تديرها سيدات في مجالات غذائية مختلفة    «الإفتاء» تواصل قوافلها إلى شمال سيناء لتعزيز الوعي ومواجهة التطرف    تجارة عين شمس تتوج أبطال كأس عباقرة أصحاب الهمم    نقيب العلاج الطبيعى: إلغاء عمل 31 دخيلا بمستشفيات جامعة عين شمس    أخبار مصر.. كشف أثرى لبقايا معبد الوادى للملك «ني أوسر رع» بمنطقة أبوصير    مفاجأة سارة.. هشام طلعت مصطفى يرصد 10 ملايين جنيه دعمًا لبرنامج دولة التلاوة    ما حكم زيارة المرأة الحائض للمقابر والمشاركة في الغسل؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز شراء سلعة لشخص ثم بيعها له بسعر أعلى؟.. أمين الفتوى يجيب    سويلم: العنصر البشري هو محور الاهتمام في تطوير المنظومة المائية    دوري المحترفين.. الصدارة للقناة والداخلية يهزم مالية كفر الزيات    رئيس مجلس الوزراء يستعرض أبرز أنشطته الأسبوعية: استثمارات جديدة ودعم البحث العلمي وتعزيز الأمن الغذائي    مجلة تايم الأمريكية تختار مهندسى ال AI شخصية عام 2025    الليلة.. كنوز التلاوة وسر 100 أسطوانة للشيخ محمد رفعت في فيلم الوصية الوثائقي    الصحة: «فاكسيرا» تبحث مع شركة e-Finance إنشاء منظومة إلكترونية متكاملة لخدماتها    طبيب عروس المنوفية: كانت متوفية من ساعتين ورفضت منحهم تصريحا بالدفن    الأوراق المطلوبة للتعيين بوظيفة مندوب مساعد بقضايا الدولة دفعة 2024    مدرب برايتون: أتمنى مشاركة محمد صلاح غداً.. وأزمته مع ليفربول لا تهمنا    "بحوث الصحراء" ينظم ورشة عمل حول الخبرات المصرية في تطبيقات المؤشرات الجغرافية وتحدياتها    أمن سوهاج ينجح في تحرير طفل مختطف خلال ساعات.. وضبط المتهمين    عمومية اتحاد السلاح توافق على اعتماد الميزانية وتعديل لائحة النظام الأساسي    226 طن مواد غذائية، قافلة صندوق تحيا مصر تصل بشاير الخير بالإسكندرية    رئيس شعبة الكيماويات: صناعة البلاستيك تواجه تحديات عالمية    مصر تعزز التحول الأخضر بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للعمران والبناء المستدام    كأس إنتركونتيننتال.. يورتشيتش يعاين ملعب "أحمد بن علي المونديالي" قبل مواجهة فلامنجو    ضبط طرفي مشاجرة بالإسكندرية بسبب خلاف مالي    الغارات الإسرائيلية على لبنان لم تُسجل خسائر بشرية    نجوم العالم في ختام مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025    أمطار خفيفة في مناطق متفرقة بالجيزة والقاهرة على فترات متقطعة    فصل سورة الكهف....لا تتركها يوم الجمعه وستنعم ب 3بركات    نانت «مصطفى محمد» ضيفًا على أنجيه في الدوري الفرنسي    خبير ضخ الفيدرالي الأميركي 40 مليار دولار شهريًا خطوة استباقية لضمان السيولة وتجنب اضطرابات السوق    وزارة التضامن تشارك بورشة عمل حول تعزيز إدماج ذوي الإعاقة في مصر    «المجلس الأعلى لمراجعة البحوث الطبية» ينظم ندوة لدعم أولويات الصحة العامة في مصر    وزيرة التنمية المحلية تناقش مع محافظ القاهرة مقترح تطوير المرحلة الثانية من سوق العتبة    مصر تتوج بفضيتين في الوثب العالي والقرص بدورة الألعاب الأفريقية    طريقة عمل الأرز بالخلطة والكبد والقوانص، يُقدم في العزومات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 12-12-2025 في محافظة قنا    فيديو.. لحظة إعلان اللجنة العامة المشرفة على الانتخابات البرلمانية الجيزة    رد مفاجئ من منى زكي على انتقادات دورها في فيلم الست    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستبداد والفساد والإرهاب والخراب وطوارئ مبارك د. سعد الدين إبراهيم
نشر في المصريون يوم 05 - 05 - 2006


جاء مد مجلس الشعب لقانون الطوارئ يوم الأحد الماضي (31/4) لسنتين إضافيتين مفاجأة متوقعة لنظام الرئيس حسني مبارك. فهو نظام لم يحكم مصر يوماً واحداً بلا قانون للطوارئ. وقد استغل مبارك الأغلبية الكاسحة لنوابه في مجلس الشعب لكي يمرر هذا التمديد في نصف ساعة، دون مناقشة تذكر، رغم صيحات وغضب مائة وثمانية أعضاء، هم ربع المجلس، احتجاجاً على هذه الهرولة الفاضحة والمهينة لممثلي الأمة. ولعل لسان حال آل مبارك كان يقول، "لهذا الغرض قمنا بتزوير الانتخابات، حتى نأتي إلى هذا البرلمان الصوري بنواب يفعلون ما نأمرهم به وهم صاغرون". ولمن لا يعرفون أو يتذكرون، فإن قانون العمل بحالة الطوارئ هذا يعطي السلطة التنفيذية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية (الذي هو محمد حسني مبارك) صلاحيات بغير حدود أو رقابة، منها القبض على أي مواطن، دون إذن من النيابة، وحبسه لمدد تتجدد، دون محاكمة، وحرمان المواطنين من كثير من حرياتهم وحقوقهم الأساسية، المنصوص عليها في الدستور والمواثيق الدولية بما في ذلك حق الإضراب والتظاهر والاجتماع، وتكوين الجمعيات. كما يعطي قانون العمل بحالة الطوارئ لرئيس الجمهورية سلطة إصدار أوامر جمهورية لها قوة القانون، وتوقيع الاتفاقيات الدولية ومنها صفقات السلاح، دون الرجوع لمجلس الشعب أو الخضوع لمحاسبة الجهات الرقابية. وقد كان وما يزال هذا الجانب من سلطات رئيس الجمهورية هو الباب الواسع لانتشار الفساد الكبير، وبشكل مقنن في أعلى مستويات الحكم. فهناك بنود عديدة للإنفاق من موارد الدولة، لا نعلم نحن المواطنون، ولا مجلس الشعب شيئاً عنها. وتبرر السلطة هذا التستر والإخفاء بحالة الطوارئ ومقتضيات الأمن القومي! وضمن المبررات التي ذكرها رئيس الوزراء لطلب تمديد قانون العمل بحالة الطوارئ ما واجهته البلاد مؤخراً من أحداث الفتنة الطائفية في الإسكندرية (أوائل أبريل) والتفجيرات الإرهابية في منتجع دهب بشبه جزيرة سيناء (أواخر أبريل). وهذان مبرران زائفان. حيث أن حالة الطوارئ مفروضة على الشعب المصري منذ أكتوبر 1981 (عقب اغتيال الرئيس أنور السادات). ومع ذلك تزايد الإرهاب خلال سنوات حكم حسني مبارك بمعدلات لم تشهدها مصر طوال عشرة قرون وتحديداً منذ "حركة الحشاشين" في القرن الحادي عشر الميلادي. فيقدر عدد من راحوا ضحية "الإرهاب" (أي القتل لأسباب سياسية) في عهد مبارك أكثر من عشرة آلاف إنسان (من المدنيين والمتشددين ورجال الأمن). وينطبق نفس الشيء على حالات الاحتقان والمواجهات الطائفية. فبينما لم تشهد مصر أي حوادث من هذا النوع بين عامي 1911و1971، فقد شهدت ثلاثة أحداث فقط خلال حكم الرئيس السادات (1970-1981)، في الإسكندرية والخانكة والزاوية الحمراء. أي بمعدل حادث واحد كل أربع سنوات. أما في عهد مبارك (1981-2006) فقد شهدت مصر ما لا يقل عن ثمانين حادثاً راح ضحيتها عشرات الأرواح، غالبيتهم العظمى من الأقباط. أي أننا هنا بصدد ثلاثة أحداث طائفية في المتوسط على الأقل كل عام، طوال سنوات حكم مبارك، أي رغم وجود حالة الطوارئ. لقد تسببت أحداث الإرهاب والفتنة الطائفية في عدم شعور أصحاب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية باستقرار الأحوال في مصر، فأحجم عدد كبير منهم عن الاستثمار فيها. وتوجه معظمهم إلى خارج البلاد، وإلى مراكز جذب وأمان أخرى في المنطقة مثل قبرص ودبي والأردن. حتى أن إمارة متناهية الصغر مثل دبي، لا يتجاوز سكانها مليون شخص، ولا توجد بها أي موارد طبيعية أو أثرية، أصبحت تجتذب من السُياح أكثر مما تجتذبه مصر، التي تعتبر كلها متحفاً مفتوحاً من الإسكندرية إلى أسوان. لقد ابتدعت دبي، بين كثير مما ابتدعته، ما يسمى بسياحة التسوق. أي أن حكامها الأذكياء من آل مكتوم حوّلوا إمارة دبي إلى "سوق مفتوح" يتمتع بالأمن والأمان، فاجتذب ملايين الزائرين ومئات المليارات من الاستثمارات سنوياً بينما حكام مصر من آل مبارك، بطوارئهم حولوا مصر إلى بلد طاردة للكفاءات ورؤوس الأموال. وهنا لا بد من التوقف عند طبيعة العلاقات التبادلية بين الطوارئ والاستبداد والفساد والخراب. ودون استغراق في تفصيلات يعرفها المراقبون، فإن حالة الطوارئ كما شرحنا تفصيلاً أعلاه تعني "سلطة بلا رقابة". وقديماً قيل أن "السلطة مفسدة". وبالتالي فإن "السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة". وقد عبّر عن نفس المعنى علماء الاجتماع السياسي بقول مأثور هو "إن السلطة بلا رقابة تتحول إلى عصابة". وفي وجود عصابة تحكم فإن الناس لا تأمن على أرواحها، أو حرياتها، أو حقوقها، أو أموالها من أفراد تلك العصابة. فهي (أي العصابة) لا تتسلط فقط على الشئون والأموال العامة، ولكنها يمكن أن تسطوا على ما يحلوا لها من الشئون والأموال الخاصة. وقد امتلأت الساحة المصرية في السنوات العشر الأخيرة بقصص هذا السطو على الأموال والممتلكات الخاصة. ومن ذلك ما يتعلق بشركات طيران (مثل زاس ZAS) أو توكيلات تجارية (مثل سيارات بيجو، وبي إم دبليو، ومرسيدس). أما السطو على المال العام، فحدث ولا حرج. وقد قدر أحد الباحثين حجم هذا الأخير بخمس مليارات جنيه سنوياً خلال العقد الأخير بما في ذلك بيع وحدات القطاع العام بأقل من القيمة الحقيقية (طبقاً لأسعار السوق) وتخصيص الأراضي المملوكة للدولة، والعمولات والرشاوى. والسلطة التي تتحكم بلا رقابة، وبالتالي تتحول إلى عصابة للسطو العام والخاص، تحتاج إلى ما يبقى احتكارها على مقادير الأمور، فهي لا تريد منازعاً أو شريكاً أو حسيباً أو رقيباً. باختصار، هي تريد الاستمتاع واحتكار السلطة والثروة بهدوء. وقد حقق لها قانون الطوارئ ذلك من ناحية، وجهاز أمني متضخم (اكبر من الجيش) من ناحية أخرى. ولكن الذي لم يحسب نظام مبارك حسابه هو أن بقاء الحال من المحال. فقد تسبّب تركيز واحتكار السلطة والثروة في حماية الأجهزة الأمنية، إلى لجوء مواطنين يتزايد عددهم، يوماً بعد يوم، إلى وسائلهم الخاصة في معالجة مشكلاتهم، حتى لو كان سطوا مقابل سطو الحكام، أو عنفاً مقابل عنف أجهزة هؤلاء الحكام. من ذلك ما نراه من لجوء الأقباط بشكل متزايد إلى الاعتصام والمظاهرات واستخدام للعنف للدفاع عن النفس أو للانتقام، بعد أن تراخت الدولة أو تجاهلت أو تواطأت في حمايتهم وحماية مقدساتهم. ومن ذلك أيضاً ما يلجأ إليه أهالي شمال سيناء من مهاجمة المواقع السياحية في جنوب سيناء، بعد طول تجاهلهم وإهمالهم. فبينما يقضي آل مبارك نصف العام تقريباً في ربوع ومنتجعات جنوب سيناء، لم يتفضل أي منهم بزيارة أو تفقد شمال ووسط سيناء منذ تحريرها، ولو مرة واحدة. لذلك لا عجب أن يختار أهل الشمال والوسط عيد تحرير سيناء (25/4) موعداً لضرب أحد المواقع المدللة في جنوب سيناء. وهو ما فعلوه في مناسبات وطنية أخرى مثل 23 يوليو و 6 أكتوبر. وكأن أهل سيناء يقولون لآل مبارك "ما دمتم لا تعترفون بنا كمواطنين مصريين لهم كل الحقوق، فنحن لا نعترف بكم ولا بأعيادكم، ولن نترككم تهنأون بحكمكم في هدوء"! وهكذا نرى أن "الطوارئ" لم تحقق لأهل مصر أمناً أو أماناً، أو استقراراً أو استثماراً أو ازدهاراً. وكل ما حققته هو مزيد من احتكار السلطة والثروة والسطو المقنن على أموال البلاد و تهديد أمن العباد. فها هو مبارك الكبير يرتع في السلطة لربع قرن، وهاهم آل مبارك وحاشيتهم وأجهزتهم يغرفون من ثروتها بلا حساب. ومن هنا كان الخراب نتيجة منطقية لثلاثية الطوارئ، وهي الاستبداد والفساد والإرهاب. إن البديل الحقيقي الذي يحمي البلاد من شرور هذه الثلاثية الرهيبة هو انتهاء حالة الطوارئ، لكي يحل حكم القانون، وينشأ قضاء مستقل، ونظام حكم ديمقراطي. وقد وعد حسني مبارك بهذا كله أثناء حملته الانتخابية الخامسة. ولكنه لم يف بما وعد به في تلك الحملة، كما لم يف بما كان قد وعد به في حملاته الأربع السابقة. فهل الرجل كان يكذب على شعبه أم أنه يحاول، ولكن يحتاج إلى ربع قرن آخر؟ فإن لم يكمل ما وعد به في حياته فربما سيترك المهمة في الأيدي الأمينة لمن يثق فيهم، وهم آل مبارك. والله أعلم.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.