طبعًا في ظل الأحداث الجارية قد يستغرب البعض حديثنا عن انتخابات بالأساس، لكن آفة مصر التفكير في آخر لحظة و"الصربعة" المعهودة التي تحول كل شيء إلى مسخ دميم، لذا وبرغم الظرف الحالي، تحتم علينا المسئولية أن نعد العدة للخطوات القادمة. لا شك أن النظام الحالي للانتخابات البرلمانية والذي شابته عدم الدستورية قي الانتخابات السابقة هو نظام ثبتت عدم جدواه، وقد ترتب على ذلك حل البرلمان السابق بعد ثبوت عدم دستوريته بالفعل، طبعًا لا داعي للخوض في كيف وصلنا لهذه المرحلة وأسباب تعقيد هذا الأمر لأنها معلومة للجميع. وبينما نحن مقبلون على استحقاق انتخابي جديد، وجب علينا اختيار نظام انتخابي يستطيع أن يحقق بعض النقاط الأساسية، المطلوب من هذا النظام ببساطة شديدة هو أن: 1- يكفل عدالة التمثيل 2- يراعي تكافؤ فرص المرشحين وهنا نتناول سريعًا الأنظمة المقترحة مع المحاولة للوصول إلى نظام أمثل. النظام الانتخابي السابق خلط ما بين القوائم والنظام الفردي، ويجب الإشارة إلى أن هذا النظام المختلط غير مفيد للمجتمع المصري بدرجة كبيرة، لأنه يتسبب في عدة مشاكل، الجزئية الأولى تتمثل في اتساع رقعة الدوائر الانتخابية لتتناسب مع المقاعد المخصصة للقوائم، هذا يشكل مجهودًا كبيرًا في ظل الحداثة الراهنة للعمل السياسي الجماهيري في مصر، الجزئية الثانية خاصة بالتواصل الجماهيري والتي اعتادت ترابطًا شخصيًا بين النائب وأفراد دائرته الانتخابية، الجدير بالذكر أيضًا أن غالبية نظم القائمة النسبية المعمول بها في العالم تشتمل على القوائم المغلقة، بمعنى أن ترتيب المرشحين على القائمة يكون ثابتًا طبقًا لما يقره الحزب الذي يقوم بإعداد القائمة، حيث لا يمكن للناخب التعبير عن خيارات أو تفضيل أي من المرشحين أو حتى تعديل ترتيبهم. هذا يطرح فكرة العودة لنظام انتخابي قائم بالكامل على النظام الفردي، لهذا النظام طبعًا مميزات عديدة وبعض المساوئ أيضًا، من المعروف أن هذا النظام مثلًا متبع في الولاياتالمتحدة وفي دول كثيرة، الضالعين في العملية الانتخابية يعلمون تمامًا أن هذا النظام هو المقياس الحقيقي للشعبية وهو الأكثر ضراوة، وربما تكلفة على المرشحين، لكن هذا النظام يتلافى مشاكل عديدة منها معضلة تقسيم الدوائر للقوائم، المشاكل الداخلية التي تفرض نفسها على الأحزاب بسبب ترتيب الأعضاء في القائمة، هذا النظام أيضًا مستساغ من المواطن المصري لأنه يعطيه هذا الشعور بالخصوصية والتواصل مع نوابه بشكل أقرب وأسرع، لكن لهذا النظام بعض المشاكل، المشكلة الأولى هي صعوبة هذا النظام على الأحزاب حديثة النشأة وبالذات أحزاب التيارات المدنية، حيث لا يتوافر عندها كوادر قادرة على حسم معارك انتخابية على المستوى الفردي، ويتضح ذلك جليًا من الانتخابات البرلمانية السابقة، حيث حصدت أحزاب الإسلام السياسي أكثر من 80٪ من المقاعد الفردية، المشكلة الثانية وهي الأهم هي أن النائب تحت النظام الفردي غالبًا ما يتحول إلى نائب خدمي بحت ويغفل دوره التشريعي تحت ضغوط الناخبين. هذا يفرض علينا البحث عن نظام يوفر مزيدًا من الليونة، وهنا يطرح نظام القوائم الحرة نفسه بقوة، فهو هجين ما بين النظام الفردي الذي يمكنك من اختيار شخص بعينه وفي نفس الوقت يعطيك كناخب مجموعة أخرى من الخيارات، حيث يمكن للناخب توزيع الأصوات على مختلف المرشحين، وذلك سواء كانوا فردي أو يتبعون لحزب واحد أو لأحزاب مختلفة، أي أن الناخب غير مقيد بالاقتراع لصالح مرشحي حزب واحد فقط، ذلك النظام يعطي الناخب قدرة أكبر على التأثير في النتائج الفعلية للانتخابات، يتلافى مشكلة ترتيب القوائم للأحزاب ويعطي الناخب إمكانية اختيار مرشح يعرفونه جيدًا. كما بدأنا حديثنا، ربما مازالت أحداث اليوم تخيم علينا بظلالها وتمنعنا من التفكير في الخطوات القريبة لكن لابد أن نتذكر أن أغلب الكوارث التي تحيط بنا سببها الأساسي هو تأخرنا المعتاد في التخطيط والسعي إلى "سلق" الأمور في آخر لحظة.