كان نجاح الرئيس السياسي في الوساطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وإيقاف الهجوم الإسرائيلي على غزة، مما أدى لموجة من الإشادة العالمية في بداية النصف الثاني من نوفمبر، هي آخر نقطة في المد السياسي للرئيس، وأقصى اتساعًا سياسيًا له، فبعدها بيومين ووسط إعلان غامض عن قرارات هامة مرتقبة في يوم 22 نوفمبر 2012 أصدر الرئيس إعلانًا دستوريًا مكملًا، تضمن حزمة من القرارات وصفت بالثورية منها: - جعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أي جهة أخرى (مثلًا المحكمة الدستورية) منذ توليه الرئاسة حتى انتخاب مجلس شعب جديد (!!). - إقالة النائب العام المستشار/ عبد المجيد محمود واستبداله بالمستشار/ طلعت إبراهيم. - إمداد مجلس الشورى واللجنة التأسيسية بالحصانة (حتى لا تُحل كما حدث لمجلس الشعب) وتمديد الأخيرة بفترة سماح شهرين لإنهاء كتابة دستور جديد للبلاد. - إعادة محاكمات المتهمين في القضايا المتعلقة بقتل وإصابة وإرهاب المتظاهرين أثناء الثورة. ورأى عدد كبير من مؤيدي الرئيس أنها كانت قرارات لازمة، بينما رأي الكثير من المتابعين أن الشكل التي خرجت به يحمل الكثير من الاستفزاز بفرض حسن النية، بينما رأت أطياف المعارضة-التي لا تفترض بطبيعة الأمر في الرئيس حسن النية ولا الرشد في استخدام الصلاحيات- أنها صلاحيات إمبراطورية لم تعط لرئيس قط، وأنها تحول الرئيس فورًا لحاكم مطلق. وعلى الفور اجتمعت القوى السياسية المعارضة في مقر حزب الوفد، وكان من ضمن المتواجدين في هذا الاجتماع محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسي وأيمن نور، ونقيب المحاميين سامح عاشور وجورج إسحاق. وقد أعلنوا رفضهم للإعلان الدستوري، بينما أيدته القوى الإسلامية جميعها عدا حزب مصر القوية الذي ذكر أنه مع إقالة النائب العام إلا أنه يرفض عملية تحصين الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، واستقال سمير مرقص مساعد الرئيس، وجميع مستشاري الرئيس المستقلين (سكينة فؤاد-سيف الدين عبد الفتاح-عمرو الليثي-فاروق جويدة-محمد عصمت سيف الدولة) من مؤسسة الرئاسة احتجاجًا على صدور الإعلان الدستوري ولتجاهلهم، بينما أعلن المفكر القبطي دكتور رفيق حبيب مستشار الرئيس ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة، انسحابه من العمل السياسي بما في ذلك أي دور في مؤسسة الرئاسة أو الحزب. واعتبر المجلس الأعلى للقضاء أن الإعلان الدستوري يتضمن "اعتداء غير مسبوق" على استقلال القضاء وأحكامه، وتلقت الأوساط الاقتصادية الإعلان الدستورية بالصدمة، كما أحدث حالة من عدم الترحيب خارجيًا. ولجأت المعارضة إلى الخيار الأخير والأكثر تطرفًا وهو الاحتكام للشارع فورًا ودعت للحشد والعصيان المدني دون أن تضع له الضوابط الكافية، فانطلقت المظاهرات فورًا نحو الإتحادية، وخلال اليومين التاليين تم إحراق 26 مقرًا للإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة في أنحاء البلاد دون إدانة جدية وصريحة من قوى المعارضة مما أسهم في توفير ما أطلق عليها لاحقًا (الغطاء السياسي للعنف). لقد شكل الإعلان الدستوري منعطفًا هامًا وخطيرًا في هذا العام من حكم الرئيس، وأخذت أدبيات قوى المعارضة تردد حتى الآن أنه القرار (الذي قسم الشعب المصري) وأنه إعلان (لسلطة مطلقة دكتاتورية) وأنه (مثل استفزازًا للقضاء والمجتمع المدني)، ولو أردنا أن نناقش تلك المقولات لقلنا أنها بترتيب المصداقية والدقة من الأخيرة إلى الأولى، فصحيح أنها مثلت استفزازًا للمجتمع المدني والقضاء، لأن المجتمع المدني لا يقبل ولا يأمن أن يعطي كل هذه الصلاحيات للرئيس، وأما بالنسبة للقضاء فالاستفزاز تجاهه واضح، لكن علينا أن نتذكر أنه ذاته قضاء مبارك الذي دعا أقطاب المعارضة أنفسهم لتطهيره قبل شهور!!، وأما أنه أعطى سلطة مطلقة دكتاتورية فهذا ليس دقيقًا والدقيق أن يقال إنه أعطى السماحية لإمكانية ذلك، وأما أنه القرار (الذي قسم الشعب المصري) فهذا وهم صريح، فالشعب المصري كان منقسمًا حتى النخاع قبل هذا الإعلان، (العجيب أن الذين يقولون إن الإعلان الدستوري قسم الشعب المصري يقولون أيضًا إن استفتاء 19 مارس 2011 قسم الشعب المصري، فكم مرة قُسم الشعب!)، وانقسم الشعب بعده في الانتخابات التشريعية، وفي الانتخابات الرئاسية، فالشعب منقسم سياسيًا بطريقة صريحة منذ عام ونصف قبلها، ومنقسم أيديولوجيًا لمائتي عام قبلها انقسامًا كان مقموعًا وجاء أوان ظهوره، وصدق حازم أبو إسماعيل حين قيل له إن الإعلان الدستوري قسم الشعب فقال "ائتوا بالجرائد للخمسة أيام السابقة على الإعلان واقرأوا كيف كان الشعب أصلًا منقسم بشدة"... ولم يكن في الإعلان ذاته ما يستهدف طائفة أو فصيل سياسي حتى يقال إنه قسم الشعب، فمعظم من أيده هو من كان يؤيد الرئيس ومعظم من عارضه هو من كان يعارض الرئيس!!، لكنه كان إعلانًا مستفزًا وغير موفق لا فيه ولا في شكله ولا في مضمونه، لم يوجد انقسامًا من العدم لكنه وسع الانقسام الموجود وعمقه، وصدق القائل: ما خاب من استشار...فهلا كان قد استشار!! م/يحيى حسن عمر عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.