حالة من الارتباك تسيطر على المشهد السياسى المصرى مع انتخاب الرئيس الجديد وبدء إعلان تشكيل جديد للجمعية التأسيسية للدستور، فضلاًَ عن الانقسام بين عدد من القوى السياسية حول الإعلان الدستورى المكمل، وهذا ما جعل عددا من الخبراء يضعون روشتة بالوضع السياسى أمام الرئيس الجديد.يرى الفقيه الدستورى د. إبراهيم درويش أن الإعلان الدستورى المكمل سحب بعض الصلاحيات من الرئيس المنتخب، وبعد بطلان وحل مجلس الشعب انتقل اختصاص السلطة التشريعية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس المنتخب سيحلف اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا. ويضيف: أننا بصدد وضع دستور جديد، وبعد بطلان الجمعية التأسيسية الأولى، فمن المؤكد بطلان الجمعية التأسيسية الثانية لأنها تضم أعضاء من مجلسى الشعب والشورى، والسبب الثانى لبطلانها أنها تشكلت فى وقت متأخر من الليل.. ولم تنشر فى الجريدة الرسمية. ويتساءل درويش كيف سيحصل الرئيس المنتخب على صلاحيات فى ظل عدم وجود دستور، حيث تم انتخاب مجلس الشعب قبل الدستور.. وما حدث من إعلان دستورى مكمل يجعل المجلس العسكرى صاحب السلطة التشريعية والرئيس صاحب السلطة التنفيذية ولا علاقة له بالشكل التشريعى. وفى ظل ما حدث لا يمكن تحقيق أى هدف من أهداف الثورة من حرية أو عدالة اجتماعية. ويطالب د. عبد العزيز حجازى رئيس الوزراء الأسبق الرئيس المنتخب بأن يوفر لكل مواطن سبل الحياة الكريمة فى إطار من الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك تفعيل دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى وجمعيات رجال الأعمال والمنظمات التعاونية، وتعظيم الناتج القومى، وترشيد الإنفاق.. ووضع منظمومة للعمل الوطنى وتحديد الأولويات.. ولابد أن يحرص الرئيس الجديد المنتخب على حرية المجتمع دون أن تكون «سداح مداح».. فنحن نريد تحقيق مبادئ التكافل الاجتماعى بين الأغنياء والفقراء. ومن جانبه، يقول نبيه الوحش المحامى بالنقض: إنه بعد انتخاب الرئيس نحتاج إلى خارطة طريق تبدأ بوضع دستور جديد يحدد سلطات الرئيس، واختصاصات كل قيادات الدولة من قضاء ومجلسى شعب والشورى وغيرها من أجهزة الدولة. ويعيب نبيه الوحش على الإخوان أنهم أرادوا من قانون العزل السياسى أرباك أى مرشح من النظام السابق وكان يجب أن يفعل بدلاً منه قانون الفساد السياسى ولابد من احترام المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، ولابد من العمل على تأسيس دولة القانون والمؤسسات. ويضيف أن القوانين التى صدرت وصدق عليها المجلس العسكرى ونشرت فى الجريدة الرسمية تعتبر نافذة وبالنسبة لأهداف ثورة يناير، فهى لم يتحقق وتم تعطيل هذه الأهداف.. وبعض القوى السياسية ليس عندهم ولاء للوطن. وأكد الوحش أن الإعلان الدستورى المكمل أعطى للرئيس المنتخب كافة الصلاحيات عدا حق التشريع والرقابة بعد حل مجلس الشعب.. ويجب ألا يجمع الرئيس بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.. ومن اختصاصات الرئيس تعيين الوزراء. ويقول اللواء أحمد فخر رئيس المركز الدولى للدراسات المستقبلية والاستراتيجية إن من يصل إلى كرسى الرئاسة لابد أن يضع نصب عينيه ثلاثة أشياء: (العيش - الحرية - العدالة الاجتماعية)، وهى الأهداف التى قامت على أساسها ثورة يناير. ويحث الكاتب سعد هجرس الرئيس المنتخب على التواصل مع الثورة وأهدافها الذى انتخب من أجلها.. ويأسف أن المرشحين للرئاسة لا ينتميان إلى الثورة.. ومع ذلك يظل هناك أمل فى أن الرئيس سيكون عليه التعامل مع أهداف ثورة يناير.. لأن الثورة مازالت حية، ومطالبها مازالت ملحة.. وإذا لم تتم الاستجابة لهذه الأهداف سنجد الرئيس يواجه موجة جديدة من الثورة. إجراءات لحماية الثورة ومن ناحية أخرى، يقول د. عاطف البنا أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة إن هناك العديد من الإجراءات يجب أن يتخذها الرئيس المنتخب لحماية الثورة وتهدئة الشارع المصرى، منها زيادة الرعاية لأسر الشهداء والمصابين وزيادة التعويضات.. وكذلك إدانة كل من تسبب فى قتل وإصابة المتظاهرين، وتقديم القتلة للمحاكمة وتوفير وظائف لأهالى الضحايا ورفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع الأسعار .. وتخفيض الحد الأقصى للأجور فى الحكومة والقطاع العام. وأوضح د. عاطف البنا أن الوطن ينتظر رئيسًا وحكومة قوية، ومجلس شعب مستقلا، لأن الحكم فى الدولة لم يعد حكم الرئيس كفرد.. إنما نظام الحكم يضم الرئيس والحكومة ومجلس الشعب وقد حدد الإعلان الدستورى اختصاصات الرئيس بالإضافة إلى صلاحيات كل هيئة، مع ملاحظة أن سلطات الرئيس فى دستور 1971 كانت مطلقة والشعب المصرى خرج من نظام الاستبداد إلى نظام الانتخابات للرئيس وللبرلمان.. ولن يستطيع أى حاكم بعد اليوم قهر الشعب مرة أخرى. ويؤكد المستشار أحمد مكى رئيس محكمة النقض السابق أنه يجب على الرئيس الجديد إعادة بناء مؤسسات الدولة والتخلص من أركان النظام القديم، ودعم الحريات العامة، ودعم منظمات المجتمع المدنى، ومحاسبة المسئولين عن الفساد. ويشيد المستشار أحمد مكى بدستور 71 بشرط تعديل صلاحيات الرئيس، وتوزيع الصلاحيات بين الرئيس والسلطة التشريعية، ولابد أن يضمن الرئيس نزاهة الانتخابات البرلمانية القادمة.. وتحقيق التوازن بين السلطات. ويطالب المستشار أحمد مكى باستمرار مجلس الشعب المنحل لأنه لا يجوز أن تظل مصر لمدة شهرين بدون مجلس شعب، وعن صلاحيات الرئيس فإنه لكى تضمن عدم عودة فرعون جديد يجب مساءلة ومحاسبة جميع المسئولين وهذا أمر موجود فى كل دساتير العالم، فلابد من مساءلة الرئيس.. ووضع قيود على سلطاته، وذلك بإشراك الحكومة والبرلمان معه فى اتخاذ القرارات. ويطالب د. عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الرئيس المنتخب بإصلاح قانون السلطة القضائية.. ومحاكمة كل من تورط فى قتل الثوار.. وعزل فلول النظام السابق.. وأن يترك الرئيس النواحى الدستورية والتشريعية للمجلس العسكرى حتى يخرج الدستور بالشكل الذى يرتضيه الشعب، وتحديد سلطات الرئيس وسلطات البرلمان لأنه ليس من المنطقى أن يكون للرئيس دور فى صياغة القانون أو وضع صلاحيات الرئيس. خارطة الطريق ويقول المستشار أشرف عمران إن الدستور الجديد هو خارطة الطريق التى تسير فى ضوئها كل السلطات وقبل وضع الدستور سنعيش فى فترة تخبط وبعد إصدار الإعلان الدستورى المكمل فإن صلاحيات الرئيس ستكون منقوصة إلى حد ما، ولكن ذلك سيكون لفترة محدودة، وسوف يحدد الدستور الجديد صلاحيات الرئيس، فإما ان يكون النظام فى مصر رئاسيا أو برلمانيا أو يكون نظاما رئاسيا برلمانيا.. وعندها ستمدد السلطات فى كل هذه الحالات. ويؤكد د. عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق انه بعد إصدار الإعلان الدستورى المكمل على المجلس العسكرى أن يسلم السلطة التنفيذية والتشريعية آخر شهر يونيو الحالى، لأن مهمة المجلس العسكرى حماية البلاد، وأضاف الأشعل أن الإعلان الدستورى المكمل تضمن اختصاص المجلس العسكرى بوضع الميزانية واتخاذ قرار الحرب، والمجلس العسكرى يقول إنه لا يريد البقاء، لكن أفعاله غير ذلك. أما انتخابات مجلس الشعب القادم فستكون تحت إشراف المجلس العسكرى، ويجب أن تشترك معه الحكومة القادمة التى سيعينها الرئيس المنتخب، مطالباً بأن يصدر الدستور الجديد على غرار دستور 71، وأن تكون هناك صلاحيات متوازنة بين الرئيس والبرلمان بحيث ألا يكون من حق الرئيس حل البرلمان؛ وألا يكون من حق البرلمان محاكمة الرئيس، كما يجب أن يكون من حق الرئيس إصدار تشريعات جديدة تتناسب مع الوضع بعد ثورة يناير. ويعتقد د. محمد شحاته الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية أن الرئيس المنتخب ليس لديه صلاحيات بعد حل البرلمان.. وإلى أن تحل أزمة البرلمان فمن حق الرئيس التشريع.. والإعلان الدستورى المكمل ماهو إلا انقلاب.. وسيؤدى إلى تصعيد المشهد السياسى.. وحتى نصل إلى حل مناسب فعلى المجلس العسكرى تنظيم انتخابات جديدة على المقاعد الفردية بالبرلمان حتى تصبح للرئيس صلاحيات. إعلان متوازن ويوضح د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع أن الإعلان الدستورى المكمل متوازن.. ويحدد صلاحيات الرئيس.. وقد رفضنا انتخاب رئيس بلا صلاحيات لأن ذلك يضر بمصلحة البلاد بعد أن كنا نعانى الديكتاتورية المفرطة فى صلاحيات الرئيس. وأضاف: من يرفض الإعلان الدستورى يجب أن يدرك أنه سيتم إصدار دستور جديد، وسيتم الاستفتاء عليه من الشعب، إما أن يقبله أو يرفضه وقد استجاب المجلس العسكرى للقوى السياسية واصدر إعلانًا دستوريًا مكملاً ليصحح الأوضاع ويسد الثغرات التى تواجه انتخاب الرئيس. كما أن الإعلان الدستورى به إيجابيات فقد حل الاشكالية التى ظللنا نعانى منها منذ تنحى مبارك ألا وهو الدستور أولا، وهو الأمر الذى رفضه الإخوان والسلفيون والإعلان الدستورى يحل الإشكالية الخاصة بتأسيسية الدستور. وتطالب القوى السياسية والمجتمعية بتمثيل جميع الطوائف المجتمعية فى تأسيسية الدستور حتى يصدر دستور يليق بمصر. ويعتبر د. عصام العريان القيادى بجماعة الإخوان المسلمين أن الإعلان الدستورى انقلاب ناعم على القواعد الدستورية والمدنية.. ورفض العريان إصدار إعلان دستورى مكمل لأنه ليس من صلاحيات المجلس العسكرى. ويرى خالد على المرشح الرئاسى السابق أن الاعلان الدستورى يقضى على صلاحيات الرئيس المنتخب ويعطى وضعاً خاصا للمجلس العسكرى.. والمفروض أن الرئيس المنتخب من حقه ان يطلب من المجلس العسكرى التدخل لمنع حدوث اضطرابات داخل البلاد.. وليس من حق المجلس العسكرى إصدار تشريعات حتى انتخاب مجلس شعب جديد، والحق فى التشريع يكون للرئيس، كما أن الإعلان الدستورى سلب سلطة الرئيس فيما يتعلق باللجنة التأسيسية للدستور، ويعطى للمجلس العسكرى صلاحية الاشتراك مع مجلس الوزراء الجديد فى وضع السياسة العامة للدولة والاشراف على تنفيذها.. وهذا حق أصيل للرئيس. وفى النهاية يقول د. أسامة الغزالى حرب الرئيس الشرفى لحزب الجبهة الديمقراطى إن هناك تحديًا خطيرًا سيواجه الرئيس المنتخب وهو تحقيق التوازن بين القوى الاسلامية والدينية من ناحية والقوى المدنية.. اضافة إلى مشكلة وضع الدستور خاصة بعد الاختلاف بين هذه القوى على نسب التمثيل فى الجمعية التأسيسية للدستور.