لقد كان الربيع العربي بحق بمثابة قفزة بالنسبة للمواقع الاجتماعية على شبكة الإنترنت في مجتمعاتنا العربية. لقد صار لتلك المواقع دورًا أساسيًا في إدارة دفة الأمور في البلاد العربية وعرف أثرها في حياة قطاع عريض من الناس الذين اندفعوا نحوها اندفاعًا لما كان لها من دور مؤثر في قيام وجريان الثورات والانتفاضات الشعبية في العالم العربي لما كان لها من دور في تنظيم الاحتجاجات ونقل الأخبار وعرض مختلف الآراء. لقد صار إدمان الإنترنت والالتصاق بالشاشات بمختلف أحجامها صفة بينة هذه الأيام وتحول عدد من البشر لمجرد ضغطات أزرار تعكسها تلك المواقع. الإنترنت كوسيلة اتصالات حديثة سهلت على البشر أمور عدة كالبحث عن الوظائف والمعاملات المالية والبحث عن المعلومات وحتى إيجاد شريك الحياة وخلافه ولكن الملاحظ أن اعتبره بعض الناس عالمًا مستقلًا وحياة خاصة. لقد صارت ضغطة "مشاركة" على فيس بوك أو "تغريد " على تويتر على سبيل المثال عملًا كافيًا ليقنع الإنسان نفسه أنه قد نصر قضية أو رفع ظلمًا، فعلى سبيل المثال لو نشرنا مليون صورة للمسجد الأقصى على الفيس بوك على سيغير ذلك من واقع الأمر شيئًا؟! نعم ربما يكون لكل ذلك دور في شحذ الهمم أو تجديد الأمل لكن الأمر ليس مختزلًا في المعارك الكلامية الإلكترونية غير ذات المعنى. إن الحرب النفسية والإعلامية لهي عامل من عوامل عدة تتضافر معًا في نطاق خطة محكمة نحو النصر، ولكن أن يكتفي بها فقط بل وفي أطر محددة رسمها لك عدوك أصلًا!! إن هذا لأمر عجيب. صار الاكتفاء بالمقعد الوثير خلف لوحة المفاتيح جهادًا عظيمًا في نظر البعض، بل إن نصرة الحق لا تحتاج عناءً أكثر من عدة ضغطات على الأزرار، وهذا نتاج طبيعي لهمم تزداد ضعفًا وأرواح تزداد مسخًا، وكبر يغلو في قلوب البشر كل يوم. إن الذي ينشر بدم بارد صور طفل يذبح في سوريا أو طفل يحرق في بورما مذيلًا إياها ببعض الصرخات المكتوبة قد يكذب على نفسه مقنعًا إياها أنه قد وضع لبنة في طريق النصر ويبرر لنفسه أنه غير متقاعس ولا متوانٍ. ولكن يظل كل ذلك بلا أي معنى طالما الوضع على الأرض كما هو وذلك الابتذال لو كان بمقام الاختزال للمعاني الجليلة والأعمال العظيمة فهو من أعراض حب الدنيا والإخلاد إلى الأرض. إن علياء الأمور والمجد والرضا عن النفس هي في العالم الواقعي الذي نعيش فيه وليس في عالم افتراضي لا يعكس سوى صورًا قد يكون أكثرها زائفًا. فأنت أنت لست الذي تراه في المرآة. إن صاحب الإخلاص والهمة هو من ينال علياء الأمور أما السفاسف التي يعيش الناس في دوامتها هذه الأيام فلو ظلوا واقفين عند حدودها فسيواصل الظلم مسيرته حتى يجهز على الإنسانية.