إن ما يشهده الوطن هذه الأيام من احتقان بلغ ذروته ومداه ، يعبر عن أزمة سياسية عميقة ، بفعل حالة الاستقطاب التى شاركت فيها معظم فصائل التيار الموصوف "بالإسلامي" ومعظم قوى المعارضة ، وأججتها القرارات والممارسات التى اتخذتها السلطة بداية من الإعلان الدستوري وانتهاءً بلواحقه وتوابعه ، بما مهد الطريق لقوى "الثورة المضادة" لتعميق حالة الاستقطاب والتصدع والانشقاق في جسم الوطن ، واستثمارها في إحداث حالة من الفوضى والتخريب والكراهية المتصاعدة بين فصائل الوطن وقواه . تلك الأزمة في الواقع ليست أزمة توصيف ، بقدر ما هي أزمة علاج ! فلا خلاف على أن الاحتجاج السلمي من حقوق المواطن في التعبير عن آرائه والشكاية من آلامه ؛ ولكن : - متى كان الاحتجاج السلمي اقتحاما للممتلكات ، وانتهاكا للحرمات ، وتنابذا بالألفاظ ، وإراقة للدماء ، وكشفا للعورات ، واستقواء بقوى الفساد ، وتترسا بالبلطجية لنيل الحقوق ومعارضة السياسات . - متى كان الاحتجاج السلمي غطاء سياسيا للعنف والإفساد ، أو صمتا عن التجاوزات والمخالفات ، أو فرحا بالفرقة والفوضى والشقاق . إن الحقيقة سافرة كالشمس لا تحتاج إلى إثبات في أن ما يجرى اليوم أمام المركز العام لجمعية الإخوان المسلمين بالمقطم من حرق وقتل وتخريب ، أو بالمحلة الكبرى من قطع للطرق والمواصلات ومحاصرة للمساجد وترويع الرجال والنساء ؛ ليس من المعارضة الشريفة بحال ، بل هى جرائم تستوجب أشد العقاب . الأزمة الحقيقية إذن ليست في التوصيف لما يجري بل في علاجه ومنعه ، وهو أمر قريب المنال لو خلصت النوايا ، وتضافرت الجهود ، وصدقت العزائم ، وتوفرت الإرادة ، لتحقيق ما يلي : - تنديد جميع القوى السياسية والمجتمعية بالعنف الواقع ، واستنكار العنف المتوقع سبيلا للمعارضة والاحتجاج ، والكف عن التنابذ والتخوين والعزف على وتر الاستقطاب . - اضّلاع الرئيس المنتخب بمسئوليته في تحقيق الأمن ، والحفاظ على الأرواح والممتلكات ، وفض الاشتباك ، ومحاكمة المخربين والقتلة ؛ وفقا للقانون . - إعادة هيكلة جهاز الشرطة ومحاكمة المتورطين فيه بالنكوص عن تأدية واجبه في حفظ الأمن ؛ وفقا للقانون . - التحقيق الفوري والعاجل مع الفاسدين والمحرضين والكذبة في أجهزة الإعلام ؛ وفقا للقانون . - دعوة الرئيس القوى السياسية إلى حوار وطنى عاجل وشامل ، يتلافى أخطاء الحوارات السابقة ، ويتميز بالجدية والوضوح والشفافية والالتزام . - تحقيق شراكة وطنية بإقالة الحكومة الحالية ، واختيار حكومة وحدة وطنية على أساس الكفاءة والخبرة وليس على أساس الثقة أو المحاصصة ، وتحقيق إنجاز ملموس وعاجل في ملفات العدالة الاجتماعية . بهذا وغيره نساهم في علاج حالة الفوضى والاحتقان ، ونقطع الطريق على قوى الثورة المضادة ورؤوس الفساد ، وعديمي الشرف من الانتهازيين المتخفين في شعارات السلمية والوطنية ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حى عن بينة ! أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]