تحدثت من قبل عن "شرعية " الرئيس، وفرقت بينها وبين "شعبيته"، وقلت إن الأولى "ثابتة" والثانية "متغيرة".. غير الاضطرابات السياسية، واتساع رقعة الحرائق، والفوضى التي تضرب البلاد، وتنامي نزعة التمرد داخل أهم أداة من أدوات السلطة "الشرطة"، وبوادر تفكك الدولة، والصدام بين مؤسساتها، والتي بلغت حد التراشق بالأسلحة بين المؤسستين الأمنية والعسكرية ببورسعيد، ربما يعيد النظر في "الثابت" و"المتحول" فيما يتعلق بالوضع الدستوري لرئيس الجمهورية. المسألة لا تتعلق فقط ب"الفوضى" التي تهدد وحدة البلاد، وإنما بالخطاب السياسي الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين الموجودة في السلطة الآن.. والذي يتسم بكل ما يبعث على الفزع والخوف على المستقبل والأمن القومي، حال ظلت البلاد في قبضة نظامهم السياسي. لقد تحدثت مع مسئولين بالجماعة، وناقشتهم في الأزمة السياسية التي وصلت حدًا لا يمكن السكوت عنه، أو العتاب الأقرب إلى المجاملة، مهما كانت وشائج القربى أو صلة "الرحم الأيديولوجي".. فمن البر ب"الأهل والعشيرة" إخلاص النصح لهم.. وليس "الطبطة" و"التدليع" كما يذهب إلى ذلك ما يطلق عليهم التيار المدني "المؤلفة قلوبهم"! شعرت بعد المناقشة بالقلق من أن وعي الجماعة، داخل أعلى سلطة تنظيمية ودينية بداخلها.. وعي "مغيب" أو على الأقل استعلائي على النحو الذي يعزز من تنامي مشاعر الكراهية للجماعة. في الفترة الأخيرة.. كان البعض سواء من محبي الرئيس أو من معارضيه، يسأل عنه: أين الرئيس؟!.. بل إن هذا السؤال تصدر مانشيت الصحف الكبرى.. فيما كانت الحرائق تشتعل في أكثر من 14 محافظة مصرية. ذات السؤال نقلته إلى من التقيت بهم من نشطاء بارزين في الجماعة، وكانت الإجابة مفجعة إلى حد كبير وجاءني الرد: الرئيس لا يظهر ليرد على شوية صبية وبلطجية وعملاء للمخابرات الأجنبية! هذا الخطاب الاستعلائي والذي يحتقر الشعب.. ويرى في بورسعيد مدينة "مارقة" بطبعها.. وأنها تحتاج إلى تأديب كما أدبها مبارك.. وأن المحلة طوال عمرها "مدينة متمردة" حتى أيام الرئيس السابق.. وأن المعارضة للرئيس بلطجية.. هذا الخطاب لن يخدم الرئيس ولن ينفع الإخوان.. وربما يعزز من المقاربات التي تعتقد أن الجماعة "مغيبة" لا ترى الواقع ولا تتحلى بالحد الأدنى من التأدب أو اللياقة أو على الأقل في المستوى الذي كان يتعامل به رجال مبارك مع شعبه. الإخوان قدموا لنا الإجابة عن السؤال الذي يبحث عن الرئيس ويتساءل أين هو؟! فيما تتفكك من حوله الدولة وتتصدع مؤسساتها.. أجاب عنه الإخوان: الرئيس أكبر من "البلطجية".. وكأننا بصدد الاستعانة بأرشيف مبارك في مواجهة المعارضة المتنامية ضده.. غير أن الأخير كان من حوله "رجال دولة" يتعاملون بوقت الأزمات رغم فسادهم ب"شياكة".. فيما لا نرى حول النظام الحالي للأسف الشديد إلا الأفظاظ وقساة القلوب والهواة والمغامرين والأجلاف والتافهين والذين باتوا موضوعًا للتهكم والسخرية المخزية والفضائح المضحكة على فضائيات المعارضة.. فهلا انتبه الرئيس.. واستعاد ثقة الناس في شرعيته وهيبته من جديد؟! [email protected]