ينبغى أن نفرق بين "غضب الشارع" و"غضب النخبة".. فأحلام وأشواق "الأول" تختلف تمامًا عن "الثاني".. والوعى بهذا الفارق، قد يخدم صانع القرار، ويضعه أمام حقائق غير مختلطة ومشوهة. الشارع قد لا يعنيه معارك النخبة وقضاياها، وربما لا يعرف عنها شيئاً، وكل ما يعنيه هو "لقمة العيش" كما يقول المصريون. وأحلام الناس "صغيرة" ونعرفها جميعًا، ولا يمكن بحال تجاهلها، فلئن كان ثمة فارق بينها وبين أحلام النخبة، إلا أنها تظل "وقودًا" قد تستخدمه الأخيرة فى إشعال الحرائق وللتوظيف السياسى ضد النظام الحاكم. لا نريد هنا أن نعيد ونزيد فيما يكابده الناس من مشقة يومية، فى كل مناحى حياتهم.. ورغم أنها وكما وصفتها "أحلام صغيرة".. إلا أنها تمثل أكبر تحدٍ، لأى نظام حكم سواء كان إسلاميًا أو علمانيًا، ولا يستطيع أى فصيل سياسى أن يتحملها منفردًا، مهما كان ظهيره الجماهيرى وبنيته الاجتماعية. وهى مسلمة، أهدرت أيضًا بشكل، أضر بالطرفين "الإخوان" و"القوى المدنية".. فمن جهة، ظلمت الجماعة نفسها كثيرًا، بتحملها وحدها فاتورة إدارة البلاد منفردة، ومن جهة أخرى حرمت القوى المدنية من استحقاق المشاركة، وهو "استحقاق" لا "هبة" باعتبارها "شريكاً" أصيلاً فى صوغ الضمير العام الذى فجر ثورة يناير. أعرف أن الاستحقاق الديمقراطي، يعطى للجماعة الحق فى التخلى عن الحساسية المفرطة من عملية ما يسمى ب"أخونة الدولة".. فهو حقها فى "المطلق".. غير أن "الحق" فى أفق "المثالية السياسية"، قد يخلف أضرارًا جسيمة باصطدامه مع الواقع على الأرض ومع الشروط الموضوعية للمرحلة التاريخية المتزامنة معه. وفى تقديرى أن الاضطرابات السياسية الأخيرة، كانت نتيجة ممارسة هذا الحق "المحض" بدون الأخذ فى الحسابات الشروط الموضوعية على الأرض.. والتجربة بكل مآسيها من المفترض أن تعيد الحسابات وقد تحمل على التراجع، والعودة إلى "صوت العقل" لا إلى "سلطة الحق" معزولاً أو مغيبًا عن الأول. إننى أشفق على الرئيس مرسي، فهو على المستوى الشخصى وعلى صعيد الشرعية لا يستحق كل ما تعرض له من أزمات تطورت إلى حد المس بمدى قدرته على تجنيب البلاد الدخول فى الفوضى. وليس بوسع أى محب للرئيس، إلا أن يشعر بقدر وافر من الانزعاج والقلق، من تجاهل حقيقة أن نتائج الصندوق، فى بلد لا يزال يموج بتنامى نزعات التمرد وكسر حاجز الخوف وإسقاط الهيبة عن كل مؤسسات الدولة.. وبيئة اجتماعية معرضة للانفجار بسبب الفقر والجوع والمرض والبطالة وارتفاع الأسعار وأزمات الوقود والطاقة وخلو خزينة الدولة من الأرصدة بلغت حد العجز عن سداد رواتب الموظفين والعاملين.. بلد مثل هذا.. لا يمكن أن تحكمه القوى التى رشحتها نتائج الصندوق منفردة.. فالحمل أكبر من أى فصيل ومن الرصانة والحكمة أن توزع المسؤوليات على "الشركاء" ليتحمل الكل عبء الفاتورة.. لأن ما يجرى الآن هو ظلم كبير للرئيس ولجماعة الإخوان المسلمين. [email protected]