نحو 17 مليون مصرى اختاروا الإسلاميين فى الانتخابات الأخيرة.. هذا الرقم غير المسبوق يفرض على المراقب تأمل "التساؤلات" بشأن استحقاقاته، وأهمها بالتأكيد، ما إذا كانت تلك الملايين، تريد فقط "البرلمان".. أم تريد ما هو أبعد وأرفع.. أقصد مقعد "الرئاسة"؟! يأتى هذا السؤال فى سياق "غضب" البعض، ممن يحثون الإسلاميين على اقتسام السلطة مع "شركاء" الثورة.. ويحذرونهم من "التكويش" على كل شىء: البرلمان والحكومة والرئاسة. أعرف أن الملايين التى منحت ثقتها فى التيار الإسلامى، كانت أحلامها أكبر من "مقاعد" مجلس الشعب.. وتعتقد أن من حق "الأغلبية" المنتصرة.. أن تشكل الحكومة وتطلب أرفع منصب سياسى رسمى فى البلاد.. وهو اعتقاد "صحيح".. ويظل صحيحًا.. طالما احتكمنا إلى الديمقراطية وإلى صناديق الاقتراع.. غير أن ثمة مسافة فى وعى الاحترافيين السياسيين، بين ما ترسمه نتائج الانتخابات من لوحات "رقيمة".. وبين "احتياجات" اللحظة التاريخية المتزامنة معها: وقد يقبل المنتصرون ب"اقتسام" السلطة مع "شركاء" وقد يرفضون، فيما يظل معيار المفاضلة هنا هو "الواقع الموضوعى" و"الاستقواء" به حال فُضل خيار عن آخر. عوام الناس تحكمهم بالتأكيد "العواطف".. وهى مشاعر يجب احترامها، ولكن فى ذات الوقت لا يجوز الاستجابة لضغوطها.. فالسياسى المحترف أكثر التصاقًا بالتفكير العقلانى.. وقلما ينزل عند العواطف العامة حال تصادمت مع المصالح العليا للبلاد.. وفى تقديرى فإن "الأرقام"، التى أفرزتها صناديق الاقتراع رغم دلالتها المهمة لا تكفى وحدها لحرق المراحل والقفز على الواقع.. فمصر أكبر من أى فصيل سياسى.. ومشاكلها فى تلك اللحظة استثناء أخطر من أن تتحمل إدارتها قوة سياسية "منفردة". المشكلة.. التى من المفترض أن تظل حاضرة على أجندة الحسابات السياسية، هى أن مصر اليوم تمر بظروف استثنائية.. ولا يصلح لها منطق استعراض القوة.. فهناك "شركاء".. لا يجوز إقصاؤهم بأى شكل من الأشكال، جاءت بهم الثورة.. وينبغى أن يكونوا شركاء فى الحكم مع من جاءت بهم الانتخابات.. وهو خيار استثنائى تقتضيه احتياجات "الدولة الرخوة".. وإعادة بناء مؤسساتها بتوزيع المسئوليات بين كل من شارك فى هدم النظام القديم. نريد أن يقترب الوعى العام أو يتفهم هذا الظرف الاستثنائى.. الذى يحتاج إلى بعض "التنازلات".. إذ يظل "التشدد" والتمسك باستحقاقات النتائج وحدها، معوقًا أمام "الفائزين" بالانتخابات، فى النهوض بدورهم.. وقد يصطدمون بمفاجآت تخصم من رصيدهم فى الضمير العام.. وتحول دون حضورهم بذات الزخم فى المستقبل. [email protected]