أثار مقالى يوم أمس عن "حكومة الإخوان".. جدلاً فى الوسط السياسى الإسلامى، والبعض اتفق مع توقعاتى بأنه ربما تكون "توريطة" فى ظل أوضاع غير مستقرة وتركة مثقلة ومخيفة إلى حد كبير.. والبعض الآخر أكد أن الجماعة "أدها وأدود".. واعتبر "مخاوفى" مبالغًا فيها ولا تقدر "مؤهلات" الإخوان حق قدرها. بالتأكيد.. يظل تشكيل حكومة منتخبة، هو الثمرة الطبيعية لبرلمان ما بعد الثورة.. فضلا عن أن انتزاع حق مجلس الشعب فى تشكيل الحكومة، هو "تعسف" قد يؤدى إلى تأزيم الوضع وليس "تسييله" نحو التحول الذى نأمله.. والمسألة هنا ليست "دستورية"، كما يذهب إليها المجلس العسكرى.. فالواقع وتطور الأحداث واختبار قدرات العسكريين.. أفرزت واقعًا جديدًا فرض استحقاقاته على الجميع وعلى "النصوص"، التى قد تكون مقيدة لصلاحيات مجلس الشعب.. وهو الوضع الذى قد يُعبّد كل الطرق المؤدية إلى تشكيل حكومى جديد بقيادة الأغلبية. المخاوف هنا ربما تكون من نزعة "الاستئثار" التى مازالت مسيطرة على العقل السياسى المصرى فى كل مستوياته.. حكومة ومعارضة، وما بينها من أنشطة سياسية ترغب عادة فى البقاء عند النقطة التى تتوسط الانقسامات السائدة. تجربة الانتخابات.. مقلقة فعلا.. لأن الإسلاميين على اتساعهم وتنوعهم شاركوا فيها بمنطق توزيع المقاعد بحسب الأوزان النسبية.. وهو المنطق الأقرب إلى استعراض القوة، المستقل عن الوعى بدقة اللحظة وخصوصيتها.. ولعل الاضطرابات السياسية والتحرش بالبرلمان وبالمجلس العسكرى وبالإخوان وبالسلفيين والإسلاميين عمومًا، يأتى فى سياق حالة السخط والغضب بين التيارات السياسية التى خرجت مهزومة من الانتخابات.. أو حصلت على نصيب "الهامش" من "التورتة" البرلمانية.. ما أوجد خريطة سياسية داخل البرلمان أقرب ما تكون فى هندسته إلى أيام الرئيس السابق. أعرف أن ثمة فارقًا كبيرًا وجوهريًا بين التجربتين.. تجربة تأسست على التزوير والقمع.. وتجربة ما بعد الثورة.. وهى خبرة ديمقراطية حقيقية شارك فيها الملايين من المصريين.. غير أن مقولة إن الديمقراطية ليست "صناديق اقتراع" وحسب.. ربما تكون صحيحة فى التجربة الأخيرة.. لأن القوى السياسية الكبيرة ينبغى أن تحتوى "الأقلية السياسية" وفق تسويات "ترضية" تنقل إليها الإحساس بأنهم فعلا "شركاء" فى الثورة.. ومن حقهم أن يكونوا أيضا جزءًا من التركيبة السياسية الجديدة بأحاسيس ومشاعر "الندية" وليس بمنطق "الأقلية" المقموعة من قبل الأغلبية. التجربة إذن كان بها بعض "المرارات".. وهى التى قد تحملنا على القلق من أن تمتد بذات الفلسفة فى تحمل مسئولية إدارة البلاد. غير أن الفرصة لم تفت بعد.. وإذا كان ثمة اتجاه لسحب الثقة من حكومة الجنزورى.. وحماس من الإسلاميين لوراثته.. فإنه من الحِكمة أن تكون الحقائب قسمة بين الشركاء ليس وفق الأوزان النسبية للقوى المنتخبة.. وإنما وفق توزيع المسئوليات على الجميع.. واعتماد منطق "الكفاءة" وليس "الولاء". [email protected]