لم يعرف العالم العربي، ظاهرة تناظر ظاهرة "العاشق المعذب" الذي جسده الفنان الراحل عبد الحليم حافظ في مصر.. وكما أن الفرعونية نتاج "الدولة النهرية" مصر.. فإنه كذلك كان "حليم" أو "العندليب" اسم الدلع" نتاج "الدولة الرومانسية" مصر أيضا. المصريون شعب عاطي ورومانسي.. غير أن المشكلة أنه يتعاطي مع الشأن السياسي أيضا، بهذه النزعة العاطفية شديدة النبل والبراءة.. رغم أنهما نقيضان حيث من المفترض أن تذهب السياسة إذا حضرت العاطفة.. أو تذهب الأخيرة إذا حضرت الأولى.. وإذا التقى النقيضان فهي في واقع الحال تمسي أقرب إلى "الدروشة السياسية" التي تتعامل "ببراءة".. ضررها أكبر بكثير من نفعها. ربما تكون "العواطف"مع التيار الإسلامي.. ولكن استخلاصا من حكمة التاريخ، فإنه من المعلوم بالضرورة أن يكون "العقل" مع السياسة.. لا خلاف على أن "القلوب" ربما تكون على سبيل المثال مع د. عبد المنعم أبو الفتوح.. غير أن الحكم على سلامة قراره خوض انتخابات الرئاسة من المفترض أن يخرج من دائرة "العاطفة" ليكون مستندا إلى معايير "السياسة" وحسب. الإسلاميون ليسوا وحدهم في مصر.. قل ما شئت بشأن التيار العلماني وعدوانيته.. ولكنه موجود.. وإذا كان البعض يقدر قوى الشغب العلماني ب 25 شخصا فقط لا يكفون عن الصراخ في الفضائيات، إلا أن كل واحد منهم يمثل تيارا موجودا فعلا في الشارع، ربما لا يرتبط به تنظيميا ولكنه ارتباط روحي من خلال العقائد السياسية التي تجمع بينهما.. أي أنهم يعبرون بشكل أو بآخر عن طريقة معينة في التفكير وفي التصورات والأحلام وفي الصور الذهنية التي يأملونها في المستقبل.. موجوده فعلا في قطاع ليس بالقليل من الشارع. وإذا كان البعض يرى أن الحكم النهائي لصناديق الانتخابات، فإنه فعلا محق في ذلك على المستوى النظري والتنظيري.. غير أن نتائج الانتخابات "الديمقراطية" في الحالة المصرية الراهنة لن تكون كافية لتعصم "الديمقراطية" الوليدة من المساس بها أو الانقلاب عليها وفق "تخريجة" لن يعدم شياطين العلمانية من ابداعها والبساها ألف لبوس "ديمقراطي" بالباطل.. ولعله من الأهمية مراجعة خبرة حماس بعد "يناير 2006".. وتجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية "عام 1992". الإسلاميون لا يتحركون في جغرافيا المكان وحدهم: في الداخل "شركاء" لن يتركوا حصتهم من "الكعكة" إلا على جثة الوطن.. وفي الخارج "رقباء" لهم مصالح كبيرة في منطقة تمثل مصر مركز ثقالها الثقافي والحضاري والسياسي والعسكري.. ومن المفترض أن يخرج القرار السياسي الإسلامي بشأن المشاركة في صوغ مستقبل مصر ما بعد الثورة، نتيجة محصلة نهائية تكون قد وضعت على أجندة أولوياتها وحساباتها كل هذه الاعتبارات.. وكما يقول المثل "العقل زينة". [email protected]