عشية الاستعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية، كانت الأوضاع فى مصر، شديدة الارتباك، فالمسألة لم تكن تتعلق بتنامى نزعات "الخروج" عن سلطة الدولة فى أكثر من محافظة.. وإنما تجاوزت ذلك إلى ما هو أخطر، بتنامى نزعات التمرد داخل مؤسسات القوة.. والصدام "المسلح" فيما بينها، وهو ما حدث فى بورسعيد، غير أن الإحساس بالمسؤولية، ردع "شهوة" البحث عن سبق، وتحدث الإعلام عنها بشيء مِن الخجل.. دون التوقف عنده طويلاً. توجد فى البلاد أزمة حقيقية، والكلام عن أنها فى بضع شوارع أو مدن وأن المشاركين فيها "قلة" أو "بلطجية".. يعتبر كلامًا "مُغيبًا" ويعكس خفة كارثية فى تقييم الأوضاع على الأرض.. على النحو الذى قد يمضى بنا إلى أن نصحوا ذات صباح على زلزال سياسى كبير ومخيف. ناهيك عن الأزمة السياسية التى خلفها قانون الانتخابات، وتواتر التقديرات القانونية، بأنه غير دستوري، ويؤسس لبرلمان "منعدم" وسيفضى بالبلاد نحو الدخول فى فوضى سياسية أكبر من تلك الراهنة، وربما يرسم طريقًا ل"خروج" السلطة على ذات الطريقة التى خرج بها مبارك بعد برلمان 2010 الفضائحي. غالبية القوى السياسية كانت قد قررت المشاركة فى الانتخابات رغم أنها كانت "مجازفة" كبيرة، بسبب التكهنات الأقرب إلى الحقيقة بشأن "دستورية" البرلمان.. والكل كان يراهن على أية مفاجآت تحمل صانع القرار على أن يعيد القانون إلى المحكمة الدستورية مجددًا درءًا للمشاكل المتوقعة لاحقًا. كان ثمة رهان على "الضغوط" التى يمارسها حلفاء الإخوان "التيار السلفي".. وآخرون كانوا يراهنون على القضاء.. وفى المحصلة فإن الجميع كان يتوقع "المفاجأة" التى تنقذ الجميع من مأزق سياسى بالغ الخطورة، سواء للسلطة حال قررت المضى قدمًا فى إتمام الانتخابات على القانون الحالي.. أو المعارضة التى قررت "المقاطعة" وتبحث عن أى مبرر "قانوني" أو "أخلاقي" يحملها على التراجع.. فضلا عن مسألة الوقت والتجهيزات إذ تعتقد قوى سياسية بأن الوقت يداهمها، وهى غير مستعدة الاستعداد الكافى لخوض السباق الانتخابي. قرار محكمة القضاء الإدارى بوقف الانتخابات وإعادة عرض القانون على الدستورية، كان هو "المنقذ" للجميع: الرئاسة والمعارضة.. ولعدد كبير من القوى السياسية التى كانت تشتكى من ضيق الوقت. الإحساس ب"الغبطة" كان جليًا من الجانبين: الرئاسة التى أعلنت على الفور وبلا تردد، احترامها لحكم القضاء.. والمعارضة التى كانت تنتظره، لتتخذه تكأة للتراجع ومراجعة قرار المقاطعة. أعرف أن البعض قد يكون غاضبًا من حكم الإدارية.. غير أن ذلك لا يمنع من أن أجواء التفاؤل كانت هى السائدة فى المشهد السياسى المصري، وأعيدت الثقة فى إمكانية انتخاب برلمان "آمن".. فى أكبر خطوة نحو الاستقرار وإعادة بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية، التى طال انتظارها. [email protected]