المعارضة أعلنت أنها ستقاطع الانتخابات البرلمانية القادمة، فيما تحدثت تسريبات بأنها بصدد تحضير "قائمة سرية" لخوض الانتخابات باسمها. ويبدو لي أن المعارضة مازالت قلقة من قرار المقاطعة، ولعلها تدرك أنه قرار على قدر كبير من "المجازفة".. إن لم يكن من قبيل "الطيش السياسي" الذي لم يتعلم من تجاربه السابقة. ولا أدري ما إذا كانت المعارضة، راجعت بشكل جيد، سؤال المقاطعة، وما إذا كانت قادرة على سداد فاتورته الباهظة؟! حتى الآن ليس بوسع المراقب إلا أن يعتقد بأن قرار المقاطعة خضع ل"الانفعال" وليس إلى "العقل".. وبعيدًا عن قراءة جيدة لاتجاهات الرمال المتحركة في المشهد السياسي المصري.. والتي كانت نتائج الانتخابات الطلابية الأخيرة، أقرب تجلياتها بشكل يمكن القياس عليه لاستشراف خريطة توزيع الأوزان النسبية للقوى السياسية المشكلة للبرلمان القادم. تاريخ جماعة الإخوان، يشير مباشرة إلى أنها الجماعة الأكثر شطارة، حال وجدت نفسها أمام سؤال، المقاطعة أم المشاركة؟! الإخوان هو التنظيم الوحيد الذي تعرض لمحن كبيرة ولضغوط أمنية وسياسية كان من شأنها، أن تحمل الجماعة على الانزواء إلى الظل ومقاطعة أي نشاط سياسي حتى لو كان هامشيًا لا قيمة له. ومع ذلك شاركت في كل الانتخابات البرلمانية، فإن خسرت المقاعد، فإنها تكسب في المقابل حضورها الإعلامي والشعبي، فضلًا عن استدرار تعاطف الرأي العام معها بصفتها جماعة سياسية "مضطهدة". المحصلة النهائية اليوم لهذه "الشطارة الإخوانية".. أن الجماعة في السلطة.. و"السجين السياسي" محمد مرسي في القصر الرئاسي.. ومبارك في السجن، في واحدة من أكثر المشاهد غرابة في تاريخ النضال الوطني المصري. قرار المقاطعة، يعتبر ممارسة موروثة من إرث "الكسل السياسي" الذي يحرم صاحبه من نعمة الخيال والإبداع.. لأن المسألة بالتأكيد تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد للبحث عن بدائل تحفظ للمعارضة ضمانات بمكاسب تعوضها خسائرها المحتملة حال شاركت في الانتخابات. التفكير النمطي الذي يربط بتلقائية وبدون مراجعة بين "المقاطعة" و"الشرعية"، به قدر كبير من استسهال البحث عن "حلول" أو "بدائل".. لأن الشرعية "ثابتة" لا تزيد ولا تنقص.. ولكن "الشعبية" تختلف فهي تتآكل وتتراجع أو العكس.. بالتالي فإن المقاطعة لن تجدي حال كان الهدف منها النيل من الشرعية.. ولكن المشاركة قد تساهم في النيل من شعبية السلطة، حال أديرت الانتخابات بقانون مشكوك في دستوريته، وهندسة الجهاز الإداري بالدولة، على النحو الذي يساند قوة سياسية واحدة للفوز بالأغلبية.. ولعلنا نتذكر برلمان 2010.. حيث شارك الجميع في الانتخابات آنذاك وفاز "الوطني" بالأغلبية الساحقة.. والنتيجة كانت دخول مبارك وكبار رجال نظامه السجن. [email protected]