أعيد وأكرر هنا أن الكلام عن "تآكل" شرعية الرئيس، هو من قبيل "الدجل السياسي".. لأن الشرعية لا تكتسب من الجماعات السياسية وأحزاب النخبة ولا من الأداء الرئاسي، وإنما هي استحقاق انتخابي وحق قانوني ودستوري. وبالتالي فإن "الشرعية" لا تزيد ولا تنقص ولا تتآكل.. فهي ثابتة ومستقرة ولها حصانة "الصندوق".. ولكن يمكن أن نتحدث عن "شعبية" الرئيس. والأخيرة تختلف عن الأولى.. فهي فعلًا "تتآكل" وقد تزيد وقد تنقص.. وبالتالي فإن ثمة فارقًا حقيقيًا بين "الشرعية" و"الشعبية".. الأولى الكلمة فيها ل"الصندوق" والثانية يفصل فيها "الأداء السياسي". في مصر.. مازالت الشعبية رهن "الإحساس" لا "القياس".. إذ لا توجد مؤسسات علمية رصينة وتتمتع بالمصداقية يمكن الاعتماد عليها في قياس اتجاهات الرأي العام، خاصة وأن استطلاعات الرأي باتت واحدة من أدوات الصراع السياسي، ما يفقدها "الحيدة" التي تؤسس لمصداقيتها في الضمير العام. وبالتالي فإن الكلام عن شعبية الرئيس مرسي، يظل في إطار "الإحساس" بالغضب والسخط من الأداء الرئاسي، على النحو الذي لا يقطع بتدهور شعبيته بشكل دقيق.. فإذا كانت الأخيرة قد تراجعت بالإحساس في الأوساط والمجتمعات المدنية والشعبية، فإنها مازالت عند مستويات عالية عند التيارات الإسلامية الأكثر تنظيمًا وامتلاكًا لبنى اجتماعية وأهلية وخيرية مؤثرة.. فضلًا عن شعبيته بين جمهور المتدينين في مصر. صحيح أن التراجع في الأوساط الشعبية يرجع لأسباب اقتصادية.. وفي مجتمع النخبة المدنية يعود إلى أسباب سياسية، إلا أن هذا التراجع لا يبنى عليه في استشراف مستقبل الرئيس.. لأنه ينتشر في بيئة إما غير منظمة "المناطق الشعبية" أو غير قادرة على الحشد الممنهج "القوى المدنية".. على عكس التيار الإسلامي القادر على حشد الأصوات الموجهة بشكل جيد، قد يوفر فرص الفوز لمرشحه، رغم تراجع شعبيته الحقيقية على سبيل المثال لا الحصر. أريد أن أقول إن "الشرعية" تظل حاضرة رغم تآكل "الشعبية" بقوة الصندوق.. وقد يعاد إنتاجها لذات التيار السياسي الذي ينحدر إليه المرشح، بقوة التنظيم والتحضير والحشد، بغض النظر عن منزلته على مقياس "الشعبية". إن الرهان على منطق "تآكل" الشرعية من أجل إسقاط الرئيس أي رئيس الآن بالدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة أو لاحقًا حال أكمل الرئيس مدته.. رهان خاسر لا يمكن الاعتماد عليه، لأن الانتصار في معركة الشرعية ليس بالضرورة يكون بالاتكاء على القياس العفوي ل"الشعبية" وإنما بالاستناد إلى الجهد والعمل والصبر والمثابرة في عمليات الحشد والتوجيه.. فالشرعية تحتاج إلى "غطاء تصويتي" منظم.. وليس إلى غطاء شعبي "مبعثر" وتائه يفضل "القعود" في البيت عن تكبد مشقة التصويت ل"بديل" يتعالى عليه وغريب عنه ولا يعرفه إلا محض "ضيف" دائم وممل على قعدات السواريه الليلية بفضائيات تتساقط عليه كسفًا من كل الاتجاهات. [email protected]