أزمة الثقة هي المدخل المناسب لفهم وتفسير مظاهر الفوضي في المشهد الانتخابي, والتي قد تؤدي إلي الانقلاب علي الديمقرطية. فهناك انتقادات مشروعة لقانون الانتخاب وأداء اللجنة المشرفة. ولا يثق قطاع واسع من الناخبين وعدد من المرشحين في سلامة ونزاهة الانتخابات, وبالتالي لا يسلمون بنتائجها, بينما تقبل النخبة بنتائج الانتخابات لكنها غير قادرة علي التوافق لاحتواء المخاوف من وصول رئيس من الإخوان أورئيس من رموز النظام القديم فهي تفتقر للثقة فيما بينها, وفي علاقتها بالمجلس العسكري. نخبتنا السياسية قديمة في تفكيرها وتركيبها السني وخبراتها, ولم يطلها التغيير بعد الثورة, وبالتالي قاوم أفرادها علي ما بينهم من خلافات دخول شباب الثورة أو ممثلين عنهم نادي النخبة, كما أن شباب الثورة فشلوا في التوافق علي شخصيات ورموز تمثلهم, ومن هنا تراجع تأثير النخبة علي شباب الثورة الذين تمردوا علي النخبة في أحداث عديدة آخرها مظاهرات العباسية, والاحتجاجات علي نتائج الانتخابات الرئاسية. وما أخشاه أن يتسع تمرد الشباب علي النخبة الهرمة في السن والتفكير تحت عنوان العودة للشرعية الثورية, لأن المجلس العسكري أجهز علي الثورة, فلم يحقق التغيير المطلوب الذي يعتبر شرطا للثورة وأبقي علي النظام وأختزل الثورة في إجراءات ديمقراطية حدد شروطها وضوابطها ملكا لرأسمال سياسي وقوانين أصدرها نظام مبارك الذي يفترض أن الثورة جاءت للقضاء عليه. خطاب شباب الثورة يبدو مقنعا, في ضوء فشل المرحلة الانتقالية, وعدم الثقة في قرارات لجنة الانتخابات, وبؤس نتائج السباق الانتخابي, لكن هل يمكن العودة للشرعية الثورية من خلال القدرة علي حشد وتعبئة ملايين المصريين تحت شعارات أو مطالب محددة علي غرار ما حدث في25 يناير؟ أعتقد أن هذه المهمة صعبة للغاية, لأن التاريخ لايعيد نفسه, كما أن معطيات الواقع تغيرت كثيرا, فثمة قوي اجتماعية وكتل تصويتية مليونية سلمت بنتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتشكلت أوضاع سياسية من الصعب الانقلاب عليها, مما يعني أن شرعية البرلمان والجولة الأولي هي نتاج المرحلة الانتقالية المتعثرة, ومن غير المقبول سياسيا وأخلاقيا تفجير صدام بين شرعية البرلمان وشرعية الثورة, بل لابد من تكاملهما, ويرفض الإخوان والسلفيون أصحاب الأغلبية البرلمانية هذا الصدام, ويؤكدون أنهم مع الشرعية الثورية ولكن بأساليب غير التظاهر السلمي, وأعتقد أن هناك شرائح واسعة من الفاعلين سياسيا أو من حزب الكنبة يؤيدون الاستقرار ومواصلة سيناريو انتخابات الرئيس. لذلك فإن الإخوان يطرحون طريقا ثانيا للعودة للشرعية الثورية يتلخص في القبول بنتائج الجولة الأولي والحشد والعمل علي الفوز بالجولة الثانية, ويراهن الإخوان علي أن تحدي فوز شفيق قد يعيد تحالف معسكر الثورة خلف مرشحها, لكن أزمة الثقة في وعود الإخوان والتزاماتهم السياسية خلال العام الماضي يخيف الأحزاب المدنية وشباب الثورة, ويجعلهم يتشككون في أي تعهدات أوضمانات قد يقدمها الإخوان. من هنا يقترح شباب الثورة بلورة بديل ثالث عوضا عن خيار الإخوان ورموز النظام القديم, وبالإمكان أن يقود حمدين صباحي هذا البديل الشعبي الثوري, غير أن هناك من يشكك في إمكانية ايجاد وتفعيل أداء هذا البديل في وقت قريب, وهناك أيضا من لا يثق في قدرة هذا البديل حال نجاحه في كسب معركة مزدوجة ضد الدولة الدينية والدولة البوليسية العسكرية. اعتقد انه رغم كل الصعوبات لا بديل أمام القوي المدنية وشباب الثورة من البدء في مشروعهم التوحيدي, والذي لابد أن يتسم بالمرونة الفكرية والتنظيمية, ويتخذ شكل جبهة عريضة تحت قيادة نخبة جديدة من شباب الثورة. أما الإخوان فإنني علي قناعة بأن اللحظة الحالية تجسد قمة قوتهم, وقمة ضعفهم في آن واحد, فقد تراجعت الأصوات التي حصل عليها مرشحهم مقارنة بالانتخابات البرلمانية, وانصرفت عنهم كثير من القوي الثورية والمدنية, ومع ذلك عليهم أن يحاولوا كسب ثقة هذه القوي, لكني أعتقد أن الجماعة لم تبادر وتتحرك سريعا ومن دون مماطلة للاستجابة لمطالب القوي السياسية في وثيقة العهد حتي تستعيد ثقة القوي المدنية في مواقفها والتزاماتها, وارجح ان التيار الغالب سيركز لدواع عملية يجيدها علي إعادة التحالف بين القوي الإسلامية ظهر في الاستفتاء علي الدستور لخوض جولة الإعادة. حيث سيخوض التيار الإسلامي الانتخابات باعتبارها المعركة الأخيرة, فإما الانتصار أو العودة للسجون من هنا قد يوظف الدين في جولة الإعادة مايوجد حالة من الاستقطاب تهدد الوحدة الوطنية. وأمامنا في الحقيقة ثلاثة احتمالات لا رابع لها الأول أن ينجح مرسي, وعندها فان السؤال التحدي هل تقبل الدولة العميقة والجيش هذا الفوز, والذي يعني إحكام سيطرة الإخوان ولأول مرة في تاريخ مصر علي كل سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية ومقعد الرئيس,وهل يمكن للقوي المدنية والمسيحيين الاطمئنان لهذه السيطرة الاخوانية المستحقة طالما جاءت عبر صناديق الانتخاب؟ اتصور أن أزمة الثقة في الإخوان ستحرك مواقف كل هذه الأطراف وتثير قلقها ومخاوفها, والذي قد يؤدي الي احتمال الانقلاب علي الديمقراطية, وهي مخاوف مشروعة تماما في ظل عدم وجود دستور يحدد طبيعة الدولة أو صلاحيات الرئيس. وفي ظل مخاوف من قيام دولة إسلامية مثل إيران والسودان, وبالتالي تصبح هذه الانتخابات الأخيرة, وتحاصر المعارضة ويتهم أفرادها بالخروج عن الإسلام إذا ما عارضوا الحكومة ونظاما إسلاميا!! مصادر ومحطات عدم الثقة في الإخوان كثيرة, لكنها تظل اقل من عدم ثقة القوي المدينة وشباب الثورة في شفيق, فالرجل وجه خطابا منفتحا وإصلاحيا بعد فوزه بالمرتبة الثانية في الانتخابات لكن تاريخه وتصريحاته واعتماد حملته علي بواقي الحزب الوطني تثير كثيرا من الشكوك, وتباعد بينه وبين شباب الثورة والقوي الليبرالية التي تخشي دولة دينية اخوانية, لكنها تخاف أيضا من إعادة إنتاج نظام مبارك وتشكك في مصداقية نوايا شفيق الإصلاحية, وأتصور انه من الصعب علي شفيق وحملته استعادة ثقة قطاعات واسعة من الناخبين,لكن يظل هناك احتمال فوز شفيق وهو الاحتمال الثاني, والذي يطرح السؤال التحدي هل يقبل الإخوان بالنتيجة أم سيلجأون للشرعية الثورية تحت دعوي ان الانتخابات مزورة, وإذا خرجوا للشارع فهل سيدعمهم السلفيون والقوي المدنية وشباب الثورة أم يتخلون عنهم تخلي الإخوان كثيرا عن شباب الثورة ويتركونهم في مواجهة قد تكون ساخنة مع المجلس العسكري والرئيس الشرعي المنتخب, والحقيقية انه يصعب التكهن بشكل أو نتائج تلك المواجهة ونتائجها وهل ستقود الي فوضي أم موجة ثورية جديدة أم الي انقلاب عسكري؟ يتبقي الاحتمال الثالث والأخير وهو الذي لايثق فيه كثير من المحللين وهو أن يتقبل الجميع الشعب والجيش ومؤسسات الدولة العميقة نتائج الانتخابات ويحترمون شرعية الرئيس المنتخب سواء كان شفيق أو مرسي وفي هذه الحالة علي الرئيس أن يبادر بطمأنة الجميع, من انتخبوه أو عارضوه, ويؤكد التزامه بدولة القانون والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. عميد المعهد الدولي للإعلام