جاء حكم محكمة القضاء الإداري بوقف الانتخابات البرلمانية التي كان من المفترض أن تنطلق الشهر القادم، في التوقيت المناسب قبل الدخول في نفق مظلم يعيدنا إلى سيناريو انتخابات مجلس الشعب السابقة التي أضاعت ملايين الجنيهات في انتخابات باطلة أدت في النهاية إلى حل المجلس، إلا أن قرار القضاء الإداري جاء لينقذ البلاد من إعادة هذا المشهد مرة أخرى قبل الدخول في انتخابات جديدة كان من المفترض أن تبدأ 22 ابريل القادم ، لانتخاب مجلس شعب جديد كان مصيره أيضاً الحل ، ليس الحل فقط ولكن أيضا إضاعة ملايين الجنيهات وربما مليارات. فقد كشف خبراء اقتصاديون أن تكلفة الانتخابات البرلمانية القادمة ستكون أعلى من أى انتخابات سابقة، مشيرين إلى أن تكلفة إجراء هذه الانتخابات قد تصل إلى أكثر من 27 مليار جنيه، والتي نحن في أمس الحاجة إليها في ظل الوضع الاقتصادي المتردي .
وكان من المقرر فتح باب الترشح لمدة ثمانية أيام، بدءً من يوم السبت السابع عشر من مارس، حتى الرابع والعشرين من مارس. وتم تقديم عدة طعون أمام محكمة القضاء الإداري لإيقاف الانتخابات وأصدرت المحكمة اليوم قرارها بوقف الانتخابات البرلمانية وإحالة الدعاوى للمحكمة الدستورية العليا وعددها أربعة عشر دعوى للفصل في مدى دستورية القانون. وجاء في حيثيات قرار محكمة القضاء الإداري الصادر بإيقاف الانتخابات أن مجلس الشورى لم يلتزم بالتعديلات كاملة، وأن الرئيس انفرد بالقرار، و أن الدستور الجديد جعل الدعوة للانتخابات غير سيادية.
ترحيب واسع وتسبب حكم القضاء الاداري في إرباك الحسابات السياسية لجميع أطراف المشهد السياسي ، سواء التي قررت المشاركة وبدأت استعداداتها العملية لهذا الاستحقاق الانتخابي ، أو تلك التي قررت عدم المشاركة، والبدء في مساع قوية لحشد المقاطعة الجماهيرية له ، حيث سادت حالة من التباين في تفسير قرار محكمة القضاء الإداري والتعامل معه.
إلا أن القرار لاقى ترحيباً من العديد من القوى السياسية في مقدمتها أعضاء جبهة الإنقاذ التي تضم الأحزاب المدنية المقاطعة للانتخابات ، كما لاقى القرار ترحيباً من حزب النور السلفي المشارك في الانتخابات وحزب غد الثورة برئاسة أيمن نور وهو مشارك أيضاً في الانتخابات.
واعتبر جبهة الانقاذ أن الحكم "يؤكد صحة موقفها منذ البداية بأن قانون الانتخابات تم إعداده بتعجل مريب في مجلس الشورى الذي يسيطر عليه الإخوان، وفي تكرار لنفس النهج الذي أتبعته الجماعة التي ينتمي لها الرئيس محمد مرسي منذ أن تولى منصبه في مطلع يوليو الماضي، وبغض النظر عن العوار القانوني الواضح الذي شاب ذلك القانون".
وقالت الجبهة، في بيان لها، إن "جميع القانونيين والقضاة السابقين من كافة التيارات، بما في ذلك مقربين من مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان، أجمعوا أن تقسيم الدوائر الانتخابية الذي أعده مجلس الشورى تم تفصيله بوضوح من قبل جماعة الإخوان لخدمة مصالحهم، ولمواصلة خطة التمكين والسيطرة على كافة مؤسسات الدولة".
وأضاف البيان "كما اتقفوا على أنه كان من الضروري إعادة القانون مرة أخرى إلى المحكمة الدستورية بعد أن أنفرد نواب الإخوان في الشورى بوضع تقسيم جديد للدوائر وأضافوا مادة جديدة خاصة بشروط الترشح".
وأشارت إلى أن ما وصفته ب"العناد ورفض التوافق والتشاور والاستماع إلى مطالب المعارضة الممثلة في جبهة الإنقاذ، كان ما ميز رد فعل مؤسسة الرئاسة على كل ما طرحته من مطالب للخروج بالبلاد من الوضع شديد التدهور الذي تعيشه مصر الآن، واستمرار هدر دماء أبنائها على يد قوات الأمن كما هو الحال في بورسعيد والمنصورة والقاهرة والغربية".
جمع الشمل ورغم الترحيب بالقرار إلا أن العديد من تلك القوى الليبرالية، رفضت الإجابة عن سؤال المشاركة المستقبلية بالانتخابات بسبب حالة الارتباك التي أحدثها الحكم، ومنتظرة عقد اجتماعات سواء داخل أحزابها أو الجبهة لبلورة موقف مشترك جماعي، حتى لا تتسبب تلك التصريحات بزيادة شروخ الانقسام داخل الجبهة.
من تلك القوى حزب الدستور، الذي أكد أن الحكم عزز من القناعة التي سبق أن عبر عنها رئيس الحزب ومنسق عام جبهة الإنقاذ الدكتور محمد البرادعي في مارس الماضي من كون إصدار قانون الانتخابات دون عرضه على المحكمة الدستورية العليا للتأكد من مطابقتها للدستور استمرارا للبلطجة السياسية وغيابا لمفهوم سيادة القانون وبديهيات المنطقة السياسي.
وأكد حزب شباب مصر أن حكم القضاء الإدارى بوقف إجراء الإنتخابات النيابية فرصة جيدة لجمع شمل قوى المعارضة من جديد على الساحة السياسية ومحاولة رأب كافة التصدعات التى أصابتها وتوحيد صفوفها وإعادة النظر فى كافة القرارات الخاصة بالإنتخابات مجددا بما يتفق والمصلحة الوطنية .
وكانت الأمانة العامة لحزب شباب مصر قد أعلنت عدم قدرة الحزب على خوض الإنتخابات البرلمانية القادمة لقلة الإمكانيات والموارد المالية للحزب خاصة وأن الحزب يقودة مجموعة من الشباب فى الكثير من محافظات مصر لكنها أعلنت عن مساندتها لكافة الأحزاب التى تتفق مع توجهات " شباب مصر " فى الإنتخابات داعية جميع قوى المعارضة لعدم ترك هذه الإنتخابات لفصيل أوحزب واحد وهو مايحتم ضرورة مشاركة جميع الأحزاب والقوى الوطنية فيها .
وعقب صدور حكم من القضاء الإدارى بوقف قرار إجراء الإنتخابات دعا الدكتور أحمد عبد الهادى رئيس حزب شباب مصر جميع فصائل وقوى المعارضة لإعلاء شأن الوطن والمصلحة العليا للبلاد على المصالح الخاصة من أجل إنقاذ المواطن البسيط من الهوة السحيقة التى وصل إليها خاصة بعد الإنهيار الإقتصادى الذى بدأ يضرب بقوة داخل البلاد وأدى إلى تفاقم حالة الفقر وإنتشار البطالة فى صفوف الكثيرين مما يهدد بثورة جياع تجتاح البلاد قريبا حالة عدم التصدى لتفاقم الأوضاع الكارثية فى مصر مطالبا قوى المعارضة التعلم من الدرس الذى لقنة طلاب جامعات مصر للإخوان حيث إكتسحت كافة القوائم المنافسة لمرشحى الإخوان فى إنتخابات الإتحادات الطلابية وهو ما يجب تطبيقة فى الإنتخابات البرلمانية القادمة التى يجب أن تحرص المعارضة على المشاركة فيها بقوة وفاعلية والتصدى لأى تزوير تمارسة الجماعة .
هذا وقد اعتبر الإعلامي حمدي قنديل قرار وقف الانتخابات البرلمانية درسا لمجلس الشورى حتى يكف عن سلق القوانين، مشيرًا إلى أن التعجل فى التمكين أعمى بصر جماعة الإخوان المسلمين.
وقال قنديل، في حسابه على "تويتر"، مساء الأربعاء، إن "وقف الانتخابات درس للشورى حتى يكف عن سلق القوانين.. التعجل فى التمكين أعمى بصر الإخوان".
وعلّق الدكتور عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية وعضو جبهة الإنقاذ الوطني، على قرار المحكمة، بأنه درس جديد لجماعة الإخوان ولقانونييهم المعينين بالشورى.
وقال حمزاوي، عبر حسابه بموقع "تويتر"، الأربعاء، "مجددا، القضاء يوقف العبث الإخواني بسيادة القانون وبالتشريع، إحالة قانون الانتخابات للدستورية درس جديد للإخوان ولقانونييهم المعينين بالشورى".
الطعن والاحترام وهناك تباين في رد الفعل داخل مؤسسة الرئاسة نفسها على قرار وقف الانتخابات ، فقد أعلن المستشار القانوني للدكتور محمد مرسي إن الرئاسة ستطعن على حكم أصدره القضاء الإداري اليوم، بوقف انتخابات مجلس النواب المقرر أن تبدأ في 22 أبريل المقبل.
ونقلت وكالة "رويترز" للانباء عن محمد فؤاد جادالله مستشار الرئيس قوله :"إن الرئاسة تحترم أحكام القضاء، وقبلت وقف تنفيذ القرار. نحن في نظام حكم ديمقراطي جديد بعد الثورة، ونحترم الأحكام"، لكن "يمكن الطعن على (حكم) القضاء، لأن دعوة الناخبين للانتخابات هي عمل من أعمال السيادة، وستفعل ذلك هيئة قضايا الدولة... الهيئة ستطعن على الحكم".
إلا أن رئاسة الجمهورية أصدرت مساء الأربعاء، بيانًا، قالت فيه: "تؤكد رئاسة الجمهورية احترامها الكامل لحكم محكمة القضاء الإداري الذي صدر بوقف الانتخابات البرلمانية، وإحالة قانون الانتخابات إلى المحكمة الدستورية العُليا، إعلاءً لقيمة دولة القانون والدستور وتحقيقًا لمبدأ الفصل بين السلطات".
وقالت مصادر أخرى برئاسة الجمهورية، إن الرئاسة لن تطعن على حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بوقف انتخابات مجلس النواب.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، أن اللجنة الدستورية والتشريعية والقانونية بالحزب تجتمع حاليًا لدراسة حيثيات حكم محكمة القضاء الإداري الصادر، بشأن دعوة رئيس الجمهورية لانتخابات مجلس النواب.
وقال العريان، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "إن الحكم تعرض لأمرين في غاية الأهمية ويتعلقان بتفسير مواد الدستور المصري الجديد، الأول: يتعلق بمفهوم جديد لأعمال السيادة غير مسبوق في الفقه الدستوري ولا أحكام القضاء الإداري بما ينتقص من صلاحيات الرئيس، الثاني: يتعلق بمعنى الرقابة الدستورية السابقة على القوانين، ومنطوق الحكم وحيثياته تعني أن تقوم المحكمة الدستورية بوظيفة تشريعية ليست من اختصاصاتها إطلاقا، بما يعني تداخل بين السلطات وليس تكامل وتوازن بينها.
وأضاف القيادي بالحرية والعدالة: "إن الإعلام يتوقف فقط عند موعد إجراء الانتخابات وهذا هام. لكن الأهم هو الفهم الصحيح للدستور، وإعمال أحكامه بصورة سليمة، قطعًا هناك آثار سياسية للحكم، وقد أعلنت الرئاسة الطعن على الحكم".
واختتم قائلاً: "نتشاور مع بقية الأحزاب حول طريقة التعامل مع الحكم وتداعياته. الجميع مدعوون للاستعداد الجاد للانتخابات لأنها ستتم وبعد انتهاء الجدل لن تكون هناك حجة للمترددين في الذهاب إلى الصناديق من أجل الاحتكام للشعب وحده.
هذا وقد أكد مراد علي المستشار الإعلامي لحزب الحرية والعدالة، إن قرار القضاء الإداري ليس من شأن الحزب. لكنه من شأن الرئيس محمد مرسي، وإنهم لن يتضرروا على الإطلاق إذا لم تجر الانتخابات، أو إجرائها بعد الطعون التي سيتم تقديمها.
وأضاف خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "الحياة اليوم"، على قناة "الحياة"، إن دراسة القرار من شئون رئيس الجمهورية، وأنهم لم يدرسوا قرارهم بشأن الحكم بعد"، موضحًا أن الطعن مستبعد، وأن الحكم ليس موجه للحزب وأنه لن يضرهم في شيء. لكنهم سيقبلوه كباقي الأحزاب"، مؤكدًا أنهم جاهزون في أي وقت لإجراء الانتخابات في حال رجوعها.
زيادة الغموض ولم يقتصر الامر على ردود الفعل الداخلية فيقط فقد نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية في عددها الصادر اليوم الخميس تقريرًا يتناول الوضع على الساحة المصرية وقرار محكمة القضاء الإداري بوقف إجراء الانتخابات البرلمانية التي كان دعا إليها الرئيس محمد مرسي.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي نشر راديو "بي بي سي" جزءًا منه: إن قرار محكمة القضاء الإداري بوقف الانتخابات البرلمانية في مصر جاء في وقت تواجه فيه الانتخابات المثيرة للجدل تهديدا لشرعيتها بسبب مقاطعة المعارضة.
وتشير إلى أن هذه الخطوة تهدد بتفاقم مشاعر الإحباط في بلد يعاني انقساما شديدا وتشهد فيه العديد من المدن اضطرابات مدنية كبيرة.
واعتبرت الصحيفة أن هذا القرار يخلق المزيد من حالة عدم الغموض حيث أنه لا يزال من غير الواضح كيف سيكون رد جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي وما هي التعديلات التي ستدخلها المحكمة الدستورية العليا على قانون الانتخابات وكم الفترة التي سيستغرقها هذا التأجيل.
وتنقل الصحيفة عن الخبير في الدستور المصري زيد العلي من "المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية" قوله: إن "الخطر يتمثل في أن ذلك قد يتسبب في حالة صد ورد من خلال إحالة القانون ذهابا وإيابا بين مجلس الشورى والمحكمة الدستورية العليا، وهذا على الأقل سيستغرق شهرين".
وبالطبع في النهاية يتفق الجميع على أن إجراء انتخابات مجلس الشعب ضرورة سياسية ومجتمعية، إلا أن هذه الانتخابات ينبغى أن تجرى على أرضية دستورية سليمة، وفى مناخ سياسى ومجتمعى خال من العيوب والثغرات .