من الخطأ أن نتعاطى مع أزمة الشرطة في مصر الآن، منفصلة عن السياق السياسي العام.. لأنها في الأساس ثمرة الأزمة السياسية المتفاقمة. الشرطة.. مثل الشعب المصري، تغيرت كثيرًا عن ذي قبل، وتنامي نزعة التمرد بداخلها يأتي أيضًا في سياق تنامي نزعات التمرد في كل الأطر السياسية والاجتماعية والتعليمية حتى داخل التنظيمات التي تحكمها علاقات "سلطة صارمة". تبدو الشرطة الآن وكأنها ضحية الصراع على السلطة، بين الإخوان ممثلين في مؤسسة الرئاسة وبين المعارضة ممثلة في جبهة الإنقاذ.. ولما كان الإخوان في الحكم، فإن الشرطة تعاني سوء الفهم لدى الرأي العام، وتعزز داخلها القلق من أن يكون الانطباع الذي استقر في الضمير الوطني عنها، أنها شرطة الإخوان.. وأنها تسدد فواتير الأزمة بين الأخيرة والمعارضة. حل أزمة الشرطة لن يكون إلا من خلال حل الأزمة السياسية الراهنة، بالعمل على عودة الهدوء إلى الشارع، وهو الهدف الذي لا يزال السؤال بشأن المسئول عن انجازه حائرا حتى اللحظة. العنف في الشارع الآن يحظى بغطاء سياسي وإعلامي، وهو في حصانة هذين الغطاءين منذ اليوم الأول من الصدام بين المعارضة ومؤسسة الرئاسة.. ولن تستطيع السلطة التصدي لهذا العنف طالما ظل محتفظًا بهذه "الحصانة". جبهة الإنقاذ تقول إنها لا تدعو إلى استخدام العنف، وصدر منها بيانات تدينه، وهي فعلًا ربما لا تكون طرفًا مباشرًا فيه، غير أنها سعيدة به، توفر له الغطاء السياسي، وكذلك الإعلامي من خلال الفضائيات المحسوبة على التيار المدني. وستظل الشرطة منهكة وربما تتنامى نزعات التمرد بداخلها بمضي الوقت، إذا لم يهدأ الشارع من خلال تقديم رؤى جديدة تعيد بناء الثقة بين الرئاسة والمعارضة. المشكلة التي تحتاج إلى مراجعة، هي أن قطاعًا من الرأي العام الإسلامي، يريد دائمًا إدانة البرادعي مثلًا على طول الخط ونعته ب"المخرب" و"العميل" وما شابه.. فيما يعفي الرئاسة من أية مسؤولية بشأن العنف.. وهو كلام عاطفي ولا يقوم على العدالة والإنصاف ولا على مقتضى الحال إذا اقترب وقت الحساب. الناس لن تحاسب البرادعي الموجود في المعارضة.. وإنما ستحاسب الرئيس الذي يملك السلطة وصانع القرار والذي من واجبه أن "ينجح" في وضع حد لأسباب العنف.. فإذا "فشل" فإن جبهة الإنقاذ لن تكون مسئولة عن فشله.. ولن تحاسب على فشله.. وإنما هو وحده الذي سيُسأل وسيحاسب، حتى لو كانت المعارضة سببًا في فشله.. فهو من المفترض أن يكون لديه المهارات في إدارة الأزمات وتجاوزها لا أن يكون متورطًا في صناعتها. ويبقى أن نؤكد هنا أن مشكلة الشرطة ستظل مرهونة بقدرة النظام على إعادة الهدوء إلى الشارع من خلال حلول سياسية مع المعارضة وليس من خلال عصا الأمن الغليظة.. ولا من خلال تغييب الوعي عن الحقائق على الأرض واتباع سنة مبارك حين لم ير في المعارضة بعد برلمان 2010 إلا ثلة من موظفي المعاشات يبحثون عن الترويح والتسلية. [email protected]