الشرطة هى التى ضيعت مبارك.. عندما أسند إليها الأخير، مهمة إدارة البلاد، وفضل قضاء وقته فى الاستمتاع بمجالسة الفنانين ومتابعة المسلسلات على الفضائيات. الداخلية أيام مبارك كانت "منهكة".. ورغم ظهورها فى صور المؤسسة القوية الباطشة، إلا أنها كانت من الإنهاك على النحو الذى جعلها تنهار خلال ساعات من يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011. تحميل الجهاز الأمنى مسؤولية المواطن المصري، منذ ميلاده إلى وفاته، وتلقى العزاء فيه، جعل من وزارة الداخلية، دولة داخل الدولة، وهى غير قادرة على التقاط أنفاسها، وما أحالها إلى مؤسسة متوترة ومتعبة وتستسهل استخدام العنف والتعذيب والبطش والترويع ضد المواطنين.. إلى أن باتت على رأس الأجهزة التى تحظى بأكبر قدر من الكراهية بين الشعب المصري. بعد الثورة، تحاول الداخلية لملمة جراحها، وتعويض هزيمتها القاسية، وإعادة تأهيل أفرادها نفسيًا ومهنيًا، وهى أضعف بكثير من حالها قبل الثورة.. وغير قادرة على توفير الأمن فى طول البلاد وعرضها.. ويبدو ذلك واضحًا من الغياب الأمنى فى كثير من الأحياء والمناطق داخل المحافظات المختلفة. ومع هذا الضعف والهوان، وعدم التعافى من محنة 28 يناير، فقد حملت السلطات الراهنة الداخلية مهمة التصدى للمتظاهرين والمحتجين على سياسات مؤسسة الرئاسة.. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات يزداد الجهاز الأمنى إرهاقا وتوترا وعصبية.. وبدأ يتسلل إليه الإحساس بأنه ضحية الانقسامات السياسية والمواجهات بين معارضى الإخوان ومؤيديهم.. وتنامت المشاعر داخل الشرطة، بأنها ربما تتحول بالتراكم فى الضمير العام، باعتبارها "شرطة الجماعة".. ويدها الباطشة ضد المعارضة، ولعل ذلك ما يفسر تزايد نزاعات التمرد داخل المؤسسة الأمنية والتى بلغت حد إغلاق عشرات أقسام الشرطة، وإخلاء البعض الآخر، وتبنى ضباط الدعوة إلى العصيان. الأزمة الأمنية الآن، تعتبر جزءًا من الأزمة السياسية، وربما تكون الأولى نتاجًا للثانية.. وإذا كان المأزق السياسى الحالي، وليد الإحباط والتشاؤم من الإدارة السياسية الجديدة التى جاءت بعد الثورة، فإن تصدع الشرطة المصرية سيكون هو النتيجة الأخطر لغياب التوافق بين مؤسسة الرئاسة التى تتصرف منفردة وبين المعارضة التى تتشدد فى مطالبها.. غير أن الناس لا ترى إلا من السلطة، وتحمله المسؤولية.. فالرأى العام إذا غضب "قيراطًا" على جبهة الإنقاذ فإن غضبه على السلطة سيكون 24 قيراطًا كما يقول المصريون. الوضع فى البلد فعلاً بالغ الخطورة، ومن لم ير ذلك، فهو أعمى البصر والبصيرة، ونأمل من الرئيس المرسي، أن يرى الشارع على حقيقته.. وليس من خلال عيون الهواة والمغامرين الذين ينتشرون حوله.. وربما يورطونه فى مأزق الخروج "غير الآمن" من السلطة.. وربنا يستر. [email protected]