إخواني الأعزاء أعضاء مجلس شورى الإخوان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فإني أكتب إليكم هذه الرسالة ولا أعلم إن كان مجلس الشورى قد قام بانتخاب أعضاء مكتب الإرشاد أم لا ،ولكن لا بأس فإن لم تنفع اليوم فقد تنفع غدا وقد يستفيد منها الجموع الذين لا علاقة لهم بالأمر . إخواني الأعزاء : أذكركم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة " فاستحلفكم بالله أن تتخيروا وتنظروا فيمن تختاروه في مستواه التعليمي ، وعلمه وأدبه وسيرته بين إخوانه وسيرته الحركية والذاتية والإنجازية ، ومستوى قبوله العام بين الشعب والتيارات المختلفة وفقهه ، و إدراكه لما يجب أن يكون في الوقت الراهن ومقتضيات المرحلة ؛وهى مرحلة المجتمع والتي يجب أن يتمتع أصحابها بالقدر الكامل من الانفتاح والثقة والصدق لدى المجتمع ، ولتعلموا أنكم تختارون قيادات تقدمونها للأمة على أنها واجهتكم وهم أفضلكم فانظروا من تقدمون . كم كنت أتمنى أن تكون عملية الانتخاب بالترشيح من قبل الأعضاء ، وأن يعلن كل من يرى في نفسه أنً عنده ما يجب أن يقدمه ، فليعرضه على إخوانه بكل أمانة وكل ثقة وبدون خوف من اتهام بنفاق أو رياء ، وخاصة وأنه يوجد في الشرع من الأدلة التي تجيز للمسلم أن يطلب الولاية ، وقد أختلف العلماء في ذلك كثيرا كما أنً هناك فرق بين من يطلب الولاية من ولى الأمر ، ومن يطلب ولاية الأمر نفسها فهذه في عصرنا لابد أن يتعرض لها الرجال وأن بعض الصحابة قد طلبوا الإمارة وأجابهم الرسول إلى ذلك كما في قصة زياد بن الحارث من قبيلة صداء، وكان هذا الرجل هو الذي قاد وفد قبيلته إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام ليعلنوا إسلامهم الذي تبعه إسلام قبيلتهم، قال زياد: "وكنت سألته أن يؤمرني على قومي، ويكتب لي بذلك كتابا، ففعل". كما أن طلب عبد الله بن الزبير لها في وجود صحابة أجلاء لم ينتقص من حقه ومروءته ، وأنً رفض الرسول لمن طلبها كان لما يعلمه من صفات الطالبين كما إن قوله يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة فهو صلى الله عليه وسلم لم يرفض طلبه ولكن رفضها لسبب الضعف ،وعندما عرض سيدنا عبد الرحمن بن عوف على أصحاب الشورى الستة لمن أراد منهم أن ينسحب ويؤيد أخاه وقد اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم فقال الزبير قد جعلت أمري إلى علي فقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف فقال عبد الرحمن أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان فقال عبد الرحمن أفتجعلونه إلي والله علي أن لا آلو عن أفضلكم قالا نعم ، فأخذ بيد على فقال لك قرابة من رسول الله والقدم في الإسلام ما قد علمت فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك ، ومعنى أن على وعثمان لم ينسحبا مثل إخوانهما أي أنهما رئيا في أنفسهما أنهما أهلا للولاية ، والتي رشحهم لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كما أنه لا يوجد ما يمنع من ترشيح البعض للبعض الآخر ؛ كترشيح عمر لأبى بكر وطلب الولاية من أبى بكر لقريش وطلب الأنصار الولاية لهم ، ولا أريد أن أزيد في الأدلة والآراء فأنتم والحمد لله أعلم بها منى ولا أريد أن ألزمكم برأي فالأمر أكبر من تبنى رأى ما ؛ دون إقامة أبحاث وورش عمل حوله ، كما أنه لا يوجد في لائحة المكتب ما يمنع العضو من الترشح ولكنه عرف تم التعارف عليه بين أعضاء الجماعة وتحتاج إلى من يلقى حجرا في الماء فيحركها . كما أحب أن ألفت أنظار الأخوة الأفاضل إلى وجوب توافر الصفات التي حددها الشرع فيمن يتولى الأمر ، وهى ما ذكرت في القرآن على لشان ابنة شعيب ويوسف عليه السلام وهم القوة والأمانة والحفظ والعلم. القوة : حيث أن القوة هي إحدى الصفات التي حث عليها الشرع في قوله صلى الله عليه وسلم "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفى كل خير" ، والقوة لا تتمثل في القوى الجسمانية وحدها ولكنها قوة الروح والإيمان أيضا ، والقدرة على قول الحق وأخذ القرار ، ومواجهة الأزمات وليس التنصل منها والقدرة على الاعتراف بالخطأ ،والمقدرة على التنازل والاستقالة إذا شعر المسئول أنه لا يستطع أن يقوم بالمهام المطلوبة منه . الحفظ و الأمانة : وهما بمعنى واحد ، والأمانة وحدها كفيلة بحفظ حقوق البشر وهى الإذن بقيام الساعة إذا ضٌيعت فقد قال صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة ، قال : وكيف إضاعتها ؟قال : إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " وتعنى الأمانة هنا القدرة على حفظ حقوق الغير وتسليمها مرة أخرى لصاحبها أو من أراد صاحبها ، وليس فقط الأمانة المالية وهى متوفرة والحمد لله ولكنها أمانة المجالس والأفراد ، والصدق أمانة والجماعة نفسها أمانة ، وأصحاب هذا الحق هم الإخوان أنفسهم فلابد أن يعلموا بما يجرى لأماناتهم وما يحدث بأموالهم وليست الثقة هي العامل الأحادي في الأمانة ، فالثقة هي الجانب من ناحية المؤتمن أما المؤتًمن فيجب عليه أن يطلع المؤتمن على كل يحدث لأمانته كما يجب على القائد أن ينبه جنوده إلى ذلك . العلم : وتعنى أن يكون عليما بما يؤهله للقيام بمهمته ، ولذلك قالوا في تفسير كلمة عليم أي عليم بما وليتني أو أمرتني وهى صفة لابد أن تتحلى بها القيادات حاليا ، والعلوم التي يجب أن يتحلى بها القائد ، أو الإداري الذي يقود أمته وجماعته إلى تحقيق أهدافها المرجوة حتى يختاره الأعضاء على وعى على أربعة أقسام . - علوم خاصة بالجماعة أو الدولة التي يقودها : فلابد أن يكون الأخ المرشح للقيادة عليم بتاريخ ولوائح وأنظمة الجماعة ، والصراعات المختلفة وأعدائها وأحلافها والأهداف التي تنشدها ، وعصب وهياكل الجماعة أو الدولة ومناطق القوة والضعف في الجماعة . - العلوم الشرعية اللازمة للقائد لتحديد مساره على خطى الشرع ، وهى علوم أساسية لا غنى عنها خطها العلماء مثل أصول الفقه ومقاصد الشريعة ، و السيرة النبوية وطبيعة الدين الإسلامي ، وفقه الأولويات ومدارات الشرع ، وأراء الفقهاء في القضايا محل الصراع وكيفية تلقى الفتوى محل النزاع وتقيميها . - العلوم الإنسانية : وهى التي ترجح كفة المرشحين وتفاضل فيما بينهم ، وهى لازمة لكل قيادة حيث بها تتكون ويتم ترتيب عقليات القيادات حتى يكونوا على أعلى درجة من المسئولية ، والعلوم الإنسانية مثل السياسة والاقتصاد وتاريخ بناء الأمم والجماعات وانتصار الأمم ، والجيوبولتيك والمنطق وعلم النفس والتفكير الإستراتيجي والتفاوض السياسي الخ . - العلوم الإدارية التي يضر الجهل بها : مثل إدارة الأزمات والتخطيط الإستراتيجي وإدارة الوقت ومراحل اتخاذ القرار الخ . ولا تعنى كل هذه العلوم التخصص فيها ولكنها علوم لازمة لتشكيل عقل القيادات ، فلا يمكن أن توجد قيادة قادرة على العبور بجماعتها أو دولتها أو حزبها دون أن تتشكل عقلياتها وفق مقتضيات العصر وهذا الفرق بين قيادات الغرب والذين يتمتعون بصفات قيادية عالية ، وبين قيادات الشرق والعالم العربي ، وحتى إن لم توجد مثل هذه القيادات وهى موجودة والحمد لله فلابد أن تسعى الجماعة إلى إقرارها في منهجها ومحاضراتها . خواطر حول الشورى . الشورى اخوانى الكرام وكلكم تعلمون ليست هي طريقة اختيار المسئولين ، ولكنها منهج وقاعدة وآلية وأدوات لابد أن نتساءل حولها ، وتقام حولها الندوات والمحاضرات وورش العمل والمؤتمرات على الصعيد الخارجي و الداخلي للجماعة ، وهى ليست اقتراع حول من يصلح ومن لا يصلح ، بل لابد أن تسبقها بعض التمهيدات والتعريفات حتى يتسنى لمن يختار أن يكون ذلك على بينة من أمره ، ومن هذه البينة البرامج الانتخابية والتي يقدمها كل مرشح حتى يتم التعريف به ولقد تدبرت في السنة النبوية فوجدت أن للبرامج الانتخابية أصل ، فعندما قام عبد الرحمن بن عوف باستشارة أهل المدينة والصحابة حول الأصلح من على وعثمان وتساوت الأصوات تحديدا والقبول العام جاء إلى المسجد ومعه عثمان وعلى ثم دعا علياً فقال له: أتبايعني على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين من قبلك؟ فقال "بل على كتاب الله وسنة النبي .. وأجتهد رأيي" فانصرف عنه، فدعا المرشح عثمان وعرض عليه ما عرضه على "علي"، فبايعه "عثمان" وقال للناس هذا خليفتكم فقوموا فبايعوه فقام إليه على وبايعه ، وفى رأيي والله أعلم أن عبد الرحمن بن عوف لم يولى عثمان من قبل نفسه ، ولكن كان صوته هو الفارق ولم يحسم رأيه إلا بعد معرفة رأى على وعثمان ، كما أن قول يوسف عليه السلام إني حفيظ عليم هو أنه قد قام بتقديم نفسه لمن لا يعرفه كما جاء في بعض التفاسير. ولذلك حاولت قصارى جهدي أن أضع تصورا للبرامج الانتخابية في الانتخابات الداخلية في ظل المنهج الذي ارتضاه الإخوان ، وهو عدم الترشح وذلك في آخر المقال إن شاء الله ولكن وحتى أكون قد قمت بما تستوجبه على النصيحة والدعوة والأخوة أعرض لحضرتكم فلسفة ومناط الشورى في الإسلام ،حتى يتم عرض أهداف الشورى لنرى إن كانت تحققت أم لا وإلا فندرك أمرنا ونعرض الموضوع مجددا للبحث . ومناط الشورى عندي (المناط هو علة الحكم) هو تدعيم إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، وهى تعنى أن لا يقوم الأخ بمداهنة أي أخ حتى يقوم بتدعيمه في الانتخابات . أما فلسفة الشورى فأرى أنً فلسفة الشورى تنبع من ثلاثة مسائل رئيسية ، الأولى عدم استئثار الإنسان بالحكم والرأي والفكر حتى ولو بلغ صلاحه مداه ، وهذا ما قرره القرآن (إن الإنسان ليطغى ، أن رآه استغنى) فطالما استغنى الإنسان طغى وفجر وتجبر . الثانية وهى أن الفرد مهما بلغ من رشد فإنً لأراء الجماعة فضل على هذا ، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أرشد الناس ما كان احد أكثر مشورة منه . الثالثة إن مشاركة الأمة في أمرها تبعث على حيوية الأمة ونبضها ووحدتها ، والمتأمل في قول الله تعالى في سورة آل عمران في أيه الشورى ( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفوا عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ) وما وقع في خاطري والله اعلم أن العفو والاستغفار والمشورة سبب من أسباب عدم الانفضاض من حول رسول الله بمعنى آخر وحدة الأمة. اقتراحين بشأن الانتخابات إخواني الأعزاء حاولت أن أتدبر كيف نصل لمرحلة عالية من الشفافية في إدارة الانتخابات ، وفى نفس الوقت نحافظ على ما تعارف عليه الإخوان من عدم ترشيح العضو لنفسه وهو ما أرجو أن تتم مراجعته وهو موضوع جدير بالبحث ، ويمكن وضع آليات له حتى تتم اجتياز العواقب التي وضعت أمام تحققه . الأول : وهو أن تقوم اللجنة المشرفة على الانتخابات بوضع تعريف شامل عن كل عضو من أعضاء المجلس وإنجازاته ووظيفته ، كما يقوم كل عضو بوضع برنامج مصغر من عشرة نقاط على الأقل لأفكاره ومنهجه وما يسعى لتحقيقه في حال كونه أصبح عضوا بمكتب الإرشاد أو المرشد ويتم إرسال الورقة الدائرة – بافتراض أن الانتخابات بالتمرير – لكل عضو قبل الانتخابات بأسبوعين أو عشرة أيام للأعضاء وفيها أعضاء المجلس جميعا بسيرة ذاتية عن كل واحد منهم وبرنامج مصغر لهم أيضا ، ويُنصح كل عضو وهى رسالة موجهه للأعضاء أيضا أن يقوم بالبحث في الإنترنت عن كل عضو وما له وما عليه ، وليعلم إخواني أن مواجهة الجماهير وتحمل المسئولية أمام الأمة لهى مسئولية شاقة لا يقدر عليها من ظل أغلب عمره مختبئ عن الجماهير فكيف يواجهها ؟ ، وأن الأخ القيادي الذي حاز على ثقة الناس أفضل ممن ظل أغلب عمره في إطار الجلسات الإدارية الصغيرة لا يعلم احد عنه شئ . الثانية : إذا لم تحظى الفكرة الأولى لدى الأخوة الذين يملكون حق القرار بالقبول فهناك حل آخر ، وهو أن يتم اختيار أعلى خمسة ممن أجرى عليهم الانتخابات والاختيار ويقوم كل منهم بتقديم برنامج لما سيقوم به إذا أصبح مرشدا ، وقد علمنا أن الانتخابات قد أعيدت مرتين عند اختيار المرشد بين الأستاذ مهدي عاكف والدكتور حبيب والمهندس خيرت الشاطر لعدم اكتمال النصاب القانوني ، وأن يختار أعضاء المجلس الأعضاء من خلال هذا البرنامج الإنتخابى . فوائد البرنامج الإنتخابى يمثل البرنامج الإنتخابى خدمة جليلة لجميع الأعضاء سواء المرشح منهم أم المنتخب ، فمن ناحية يكون الاختيار على أساس التجانس بين المرشحين ، فيكون المجلس قادر على العبور بالجماعة دون خلافات كثيرة وإن وجدت فهي توجد في إطار وحدة الفكر ، ولا يقول أحد أن الجماعة كلها ذات فكر واحد فلابد أن يوضح البرنامج أولويات المرحلة عند كل عضو وهى بالتأكيد تختلف من عضو لآخر ، فمن الأعضاء من يريد أن تتجه الجماعة إلى الإصلاح التنظيمي والتركيز على ذلك ، وآخر يوجه جهوده إلى الإصلاح التربوي وعضو يريد أن تتوجه الجهود إلى الانفتاح على الجماهير وزيادة مساحة علنية الجماعة ، والتلاقح مع الإعلام والاهتمام بالشباب وتغيير النظام الإعلامي بالجماعة ، وقد يتسع الفرق أيضا فترى عضو لو أصبح في مكتب الإرشاد لاتجهت جهوده نحو عقد هدنة مع الأمن ، وآخر قد يبتغى تصعيد الاعتراضات السلمية مع الحكومة ، فهو اختلاف تام وهنا يأتى دور البرنامج ليضع لكل عضو خريطة توضح من يختار حتى يتلاءم المجلس ، وهناك عضو يود تكوين مجلس متباين حتى لا تستأثر رؤية واحدة بالأمر ، وعضو آخر يريد انتخاب مجلس متجانس ومتسق مع بعضه لتنفيذ رؤيته ، كل هذا يوضحه البرنامج ولا توضحه المعرفة بالشخصيات والأسبقية والعمل والحركة. كل هذا يا إخوانى أضعه بين أيديكم راجيا الأجر من الله فإن كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان ،وإن كان صوابا فمن الله إنه سبحانه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونهم الوكيل ، فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد والسلام عليكم ورحمة الله . باحث في الفقه السياسي [email protected]