بكى أكرم الشاعر نائب بورسعيد مطالبًا بمحاكمة سياسية لرموز النظام السابق وبكي معه أغلب المصريين ما عدا الدكتورة هدى غنية التي ظلت متماسكة حتى إنهاء كتابة الدستور، ولم يتأخر رد الثورة المضادة على أكرم الشاعر فقام الإتحاد المصري لكرة القدم بوضع لمسته السحرية على الخطة وشحن إعلام الرياضة المجرم الأنفس الملتهبة للمباراة وقامت الشرطة بدورها الإجرامي في تعبئة البلطجية وتسهيل دخولهم وإغلاق البوابة تهيئة لارتكاب واحدة من أكبر المذابح في تاريخ مصر الحديث... الآن ننظر للأمور من أعلى متتبعين خط سير الأحداث حتى لا ننجرف معها فلا نرى إلا ما يريد الآخرون لنا أن نراه، فقد يكون لبكاء أكرم الشاعر وتهيئته الأجواء للمحاكمة السياسية دخل فيما حدث وقد لا يكون ولكن هكذا كان تسلسل الأحداث، استيقظ المشير من نومه ليتساءل.. وأين الشعب؟ ورغم أن أحدًا لم يجب المشير عن هذا السؤال حتى الآن إلا أن أحدًا لم يسأل حتى الآن أيضًا ماذا كان يقصد المشير بهذا السؤال؟ وعمومًا فقد أصبح مؤكدًا أن بعضًا من بلطجية بورسعيد دخلوا المباراة وقتلوا نحو سبعين من مشجعي الأهلي الذين لم تخل مدرجاتهم أيضًا من البلطجية وبقية القصة معروفة للكافة. السؤال إذن هل يمكن اعتبار ما حدث مقصودًا به بورسعيد بالذات؟ ألم يكن من الأرجح لمدبري المؤامرة تنفيذها في الإسماعيلية مثلًا أو المحلة أو الإسكندرية وجميعها به ما ببورسعيد إن لم يتجاوزه من البطالة والفراغ وهستيريا تشجيع كرة القدم والقدرة على الدفع بعدد كبير من البلطجية وإمكانية التنسيق مع مجرمي الشرطة والإجابة يمكن أن تكون بنعم أو بلا أو أن الظرف السياسي والرياضي في ذلك الوقت كان أكثر استعدادًا في بورسعيد. وتتقاطع مع الإجابة عن السؤال معلومة مؤكدة أنه من المقرر وحتي قبل ولاية الدكتور مرسي أن ثمة تنمية تجارية وخدمية فائقة تتنظر المدينة البائسة ستجعل منها المركز التجاري واللوجستي الأول في العالم وأن أمريكا اللاتنية بدولها فائقة الحداثة ستنتقل إلى بورسعيد لتستعيض عنها بالبعد الجغرافي وكذلك الصين وجنوب إفريقية وغربها وشمال أوروبا وكوريا واليابان وعندئذ ربما لم يكن بالعالم حاجة إلى مراكز تجارية نشأت مصادفة كسنغافورة ودبي وهونج كونج.. هذا التطور الذي لم يفصل بورسعيد عنه سوى الوقت يحمل أيضًا إجابة محتملة للسؤال الملح.. لماذا بورسعيد بالذات؟ تتقاطع الإجابة أيضًا مع بعد استراتيجي وعسكري واضح يدل عليه تاريخ المدينة الباسلة في المقاومة واستضافة المقاومين والفدائيين عندما هبط المظليون الفرنسيون فيها قبل نحو ستين عامًا لتأمين المجرى الملاحي ضد خطر التأميم (الأهلي أو المصري)، وعندما توالت بعد ذلك الضربات من العدو الإسرائيلي على الشعب الأبي هناك. إن تداعيات زلزال 11 سبتمبر قد انتهت بالولايات المتحدة إلى الاقتراب من هاوية الإفلاس ولو أنها تعاطت مع الأمر بأسلوب أكثر هدوءًا لاستطاعت أن تتوقى تبعاته الجسام ولكنها اختارت التصرف بأسلوب رعاة البقر فانتهى بها الأمر إلى هزيمة محققة في أفغانستان والعراق بل وحتى سقطت حصونها في الشرق الأوسط من مبارك إلى على عبد الله صالح... وإن زلزال القتل في بورسعيد عشية المباراة المشئومة يمكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة إن لم يكن للعقل في التعامل معه الصوت الأعلى واليد الطولى فبورسعيد ليست ملوي، وقتلى الأهلي لم يموتوا في حادث أتوبيس وإن جر أهالي المدينة إلى سجال وطني وقومي بحجة أن قوة ألتراس الأهلي كانت هى السبب في إصدار حكم الإعدام على من أدينوا بقتلهم يزكي روحًا غريبة في المدينة التي كانت جزءًا من حائط الصد للدولة المصرية من جهة الشرق، لذا فإن استراتيجية غير متعجلة الخطوات ينبغي أن تطبق ليس فقط على بورسعيد وإنما في كل مكان من أرض مصر تستهدفه الأيدي الخارجية من خلال عملاء الداخل خاصة في الأماكن التي لا تحتمل ذلك الاستهداف كالمجرى الملاحي العالمي أو النقاط الاستراتيجية . وإن كانت مدن القناة الثلاثة هى مدن حديثة استقبلت هجرات قبل ثلاثمائة سنة حول قناة السويس فهي الآن أحوج إلى استقبال أضعاف سكانها من الوادي والدلتا لزيادة القدرة السكانية في المحافظات الثلاث من ناحية وتذويب النعرات العرقية التي يركب عليها الآن سياسيو المنطقة ممن كانوا محجوبون بالإسلاميين من قبل في الفعاليات السياسية المختلفة فضلًا عن الفلول والطوابير الخامسة وقد رأينا بعضًا منهم يستغيث بالجيش على مصر وكأن الدولة قد شنت الحرب على بورسعيد. إن الشكوى من ظلم القضاء ليست قاصرة على بورسعيد والقول بأن الحكومة قد دفعت المحكمة للحكم بإعدام المتهمين بقتل مشجعي الأهلي مفهوم أنه مختلق فالحكومة والقضاء حتى من قبل ولاية الرئيس الدكتور مرسي كانا وما انفكا ضدين على طول الخط وكذلك القول بأن الشرطة قتلت مهاجمي السجن هناك يتشابه مع من يقول إن الشرطة هى التي قتلت مشجعي الأهلي ولا مناص عن الانصياع للتحقيقات وما تسفر عنه من نتائج تلزم الجميع. إن ضخ استثمارات في بورسعيد يجب أن يتزامن مع توسيع المدينة أو إقامة مدن حولها تستوعب عناصر سكانية جديدة حتى لا نفاجأ يومًا ما بإعلان البدري فرغلي رئيسًا على جمهورية بورسعيد الاشتراكية العظمى. [email protected]