تقوم الثورات فى لحظة فارقة لتطهير الأوطان من الطغيان وما يصاحبه من فساد وظلم وتخلف.. ومثل أية ثورة شعبية؛ أعقب ثورة 25 يناير طاقة ثورية هائلة، كانت كفيلة بالقضاء على النظام المخلوع برمته، والبدء فورًا فى إعادة بناء مصر على أسس جديدة، وبأيدى ثورية طاهرة. فقد غسلت الثورة الشعب، ووحدت صفوفه، وشعر المصريون لأول مرة بالفرح والرضا والحماس، وهرب الفاسدون والمفسدون إلى الجحور، خوفاً من المد الثوري.. وكانت مصر جاهزة تمامًا للانطلاقة الثورية، لولا الفترة الانتقالية الكئيبة التى كانت وبالاً على الثورة وعلى مصر. فقد تبددت الطاقة الثورية، وتجرأ الفلول على الخروج من جحورهم شيئاً فشيئاً، ونجح إعلامهم فى بث الفتن ونشر الفرقة والإيقاع بين الثوار.. وتسببت الانتخابات الحرة - التى وضعت النقط على الحروف وأظهرت الحجم الحقيقى لكل فصيل - تسببت فى بروز ظاهرة غريبة على مصر وعلى التحولات الديمقراطية؛ وهى نشوء المعارضة المتوحشة! هذه المعارضة التى تضم مراهقين سياسيين.. معارضة غير ناضجة، هدّامة، تحرّض على العنف، ولا يعجبها العجب، ولا تكُف عن المطالبة بأمور تعجيزية لإيهام الشعب أن الحاكم يحتقر المعارضة. ومع إيماننا بأهمية وجود المعارضة، وبأن الحكم الرشيد لا يكون رشيدًا دون معارضة وطنية واعية ومخلصة وقوية.. فإنه يبدو أن غياب المعارضة الفعلية لستين عامًا مضت قد أثر على الجيل الحالي، لتأتى المعارضة الجديدة - بعد الثورة - بوتيرة المراهقين (السياسيين). فلو نظرنا مثلاً إلى مكونات (جبهة الإنقاذ)، وتاريخ قياداتها مع السياسة والمعارضة.. نجد أننا أمام فئات أربع: فبعضها من فلول النظام المخلوع والمستفيدين من فساده، ومَن شاركوا فى إفساد مصر وتخريبها، ويسعون لإجهاض الثورة، وبعضها من المعارضة المستأنسة التى كانت عميلة للنظام وتمارس المعارضة الزخرفية (الديكورية) بالاتفاق مع النظام لتجميله بالغش والخداع، وبعضها كان من الخائفين من النظام والخاضعين له والمؤتمرين بأوامر أمن الدولة، بالإضافة إلى بعض الموظفين الذين لا شأن لهم بالسياسة ويتعلمون فينا. هل ينكر أحد أن المعارضة الحقيقية للمخلوع كانت محدودة جدًا، ولم تتعدَ بعض الإسلاميين؛ الذين سُجنوا وحُرموا من تشكيل أحزاب أو إصدار صحف، وجُمّد الحزب الوحيد الذى كانوا يتنفسون من خلاله لأنه كان يعارض بصدق؟! أين كانت قيادات جبهة الإنقاذ طوال عهد المخلوع؟.. هل كُنتَ تُحِسّ منهم من أحد أو تسمع لهم رِكْزَا؟! إن أهم ما تُجمع عليه قيادات هذه الجبهة هو احتقار الشعب والاستهانة باختياراته التى لا تعجبهم، نظرًا لانصرافه عنهم، وهم يتفقون جميعًا على العداء للإسلاميين.. إما حقدًا لالتفاف الشعب حولهم، وإما رفضًا للمشروع الإسلامي - دون مناقشة علمية مقبولة، والإنسان عدو ما يجهل. والعجيب أنهم لا يخجلون من الحديث باسم الشعب، ويدّعون أن أغلب المصريين يؤيدونهم.. ونحن نسألهم: بأية أمَارة؟! إن هذه الجبهة يمكن أن نطلق عليها جبهة الساقطين، فمنهم من هرب من الترشح عندما شعر بانصراف الشعب عنه وأيقن أنه ساقط لا محالة، والباقون إما سقطوا بانتخابات الرئاسة، وإما سقطت أحزابهم بالانتخابات التشريعية، فمَن هم ليتحدثوا باسمنا؟! إن المعارضة الوطنية الحقيقية تكون معارضة بناءة، تعرف حجمها الحقيقي، ولا تكون مجرد ظاهرة صوتية بالفضائيات والصحف.. ولكنها تتفاعل مع الشعب وتدافع عن مصالحه وتحافظ على مقدراته، ولا تلجأ للعنف والإرهاب ليُسمَع صوتها، ولا تطالب بالمستحيل للتعجيز. وأود أن أسألهم بصراحة وصدق: فى أية ديمقراطية يستجيب الحاكم للأقلية ويتجاهل الأغلبية؟ هل يوجد فى الديمقراطيات الحقيقية من يمارس سياسة (فيها أو أخفيها)؟ هل تدلونا على دولة محترمة واحدة ينسحب فيها المعارضون إذا لم يؤخذ برأيهم، رأى الأقلية؟ ولنضرب مثالاً بما تصر عليه هذه المعارضة المتوحشة.. إذ اختارت المستحيل وتستميت فى المطالبة به، وهو إسقاط الدستور! إن أحدًا لا يملك إسقاط دستور وافق عليه الشعب، لا الرئيس ولا الحكومة ولا أية سلطة تملك هذا الحق.. سيقولون إن مَن وافقوا عليه نسبة قليلة من مجموع الشعب، ونقول لهم وأين كنتم؟ ألا تدّعون أن الشعب معكم؟ فلماذا لم يستجب لكم ويخرج بالملايين ليقول لا للدستور؟ إن حجمكم الحقيقى هو هذه النسبة التى قالت لا للدستور.. أما ادعاءات التزوير وما أشبه فهى دَوْمًا حجة الساقطين والبلداء بالدول المتخلفة، وهى حلقة مفرغة ليست لها نهاية. والدستور نفسه به آلية فى غاية البساطة والسهولة لتعديل مواده لمن يملك 20% فقط من مقاعد مجلس النواب.. هل تشعرون أن هذه النسبة كبيرة عليكم ويستحيل تحقيقها؟ أم أنه التحالف مع الفلول للعودة إلى نقطة الصفر ووقف حال الوطن، هربًا من الانتخابات؟! لقد فضحتكم قضية الدستور، لأنه مهما كان الرأى فيه.. فليس هناك خطر داهم على مصر من إحدى أو بعض مواده بحيث لا يحتمل الانتظار لشهرين أو ثلاثة. يا جبهة الإنقاذ: مالكم؟ كيف تحكمون؟ لقد قدمتم خدمة جليلة للمخلوع وفلوله.. فكل وقت يمر دون استكمال المؤسسات والبدء فى الإصلاح والتنمية يعطيهم الوقت لنهب المزيد ودعم الثورة المضادة، إنكم بحق جبهة إنقاذ المخلوع وفلوله.. ولن يرحمكم التاريخ ولا الشعب. والسؤال المنطقى الآن: هل يصلح هؤلاء (المشتاقون) للسلطة، بأى ثمن وبأى أسلوب.. هل يصلحون لقيادة وطن؟! همسة: • انتشار سلوك التحريض على العنف وممارسة التخريب، وشيوع التطاول وقلة الأدب على الرئيس المنتخب ممن كانوا يلعقون حذاء المخلوع.. يدل على انحراف خطير عن الثورة والتحول الديمقراطي؛ وبحجة استكمال الثورة! إن استكمال الثورة يتطلب بالفعل تحرك الشعب نفسه من جديد، بالملايين.. لوقف هذا الانحراف ووضع من يديرون عمليات التحريض والتخريب فى حجمهم الحقيقي. لقد كثر من يدفعون علناً مرتبات للمخربين، ومنهم رئيس جامعة إقليمية! وتتزايد أعداد المساكين الذين يبحثون عن هذا المال الحرام.. ولابد من وقفة. [email protected]