في ليلة الخامس والعشرين من يناير من العام الماضي وبعد احتشاد آلاف الشباب المصري في ميدان التحرير مطالبين بالكرامة والحرية والعدالة الإنسانية أدركت أن تغييرًا عظيمًا سيحدث في مصر وإن كنت لم أطلق لخيالي العنان حينها لتصور ما حدث بعدها فقد كان أكبر من تصوراتنا وأحلامنا، وبعد خروج مبارك على الشعب المصري بخطابه الباهت ليلة جمعة الغضب أدركت حينها أن نظامه سيزول ودولته الظالمة المستبدة لن تستمر أكثر من ذلك فقد كان حل الأزمة على بعد خطوات منه وبكلمات قليلة كان يمكنه تفكيك هذه الحشود الغاضبة ولكنه عجز – ومن معه -عن إدراك كل هذا ليرحل مبارك وبعدها حاولت أركان دولته وعصابات الفساد إقناع جموع المصريين بأن الثورة قد انتهت برحيل مبارك ولكن أبى الشعب المصري إلا أن يستمر في ثورته من أجل اجتثاث الفساد من جذوره وتمكن خلال الفترة الماضية من تحقيق نجاحات وإن لم تكن كاملة في معركته المصيرية ضد عصابات الفساد. كما خاض الشعب المصري معركة أخرى مع أصحاب الاتجاه التغريبي العلماني الذين أرادوا له أن يظل يرسف في أغلال الأسر ومتمرغًا في أوحال التبعية للغرب على كل المستويات العقدية والأخلاقية والتشريعية والسياسية... الخ، وألا ينطلق لبناء نهضته معتمدًا على ثوابته وركائزه العقائدية والحضارية التي تحقق له الاستقلال وتحميه من الذوبان في قيم وعقائد الحضارة الغربية المسيطرة المهيمنة. ومن هنا فإن المعركة التي تدور الآن على أرض مصر ليست بسبب إعلان دستوري أو تشكيل جمعية تأسيسية بقدر ما هي معركة المصير بين مشاريع متضادة لا يمكن لها أن تلتقي فهناك معركة بين مشروع الفساد ومشروع التطهير، ومعركة ثانية بين المشروع العلماني التغريبي والمشروع الإسلامي الوطني، ومعركة ثالثة بين المشروع الصهيوأمريكي وبين المشروع الوطني المنحاز لقضايا أمته وثوابتها التاريخية، وآخر رابع بين المشروع الشيعي والمشروع السني، لذا فإن معركة اليوم التي يخوضها الشعب المصري هي معركة مع كل أصحاب هذه المشاريع الذين لم يجدوا غضاضة من الاجتماع والتنسيق رغم ما بينهم من خلافات وعداوات فهم يدركون أنها معركتهم الأخيرة وإذا ما مرت بسلام فإن الشعب المصري لن تتمكن قوة من إيقافه وهو منطلق لبناء نهضته ومستقبله لهذا لم يكن من المستغرب أن نجد الفريق الهارب أحمد شفيق يمدح البرادعي وصباحي وموسى ويصفهم بالرموز الوطنية الكبيرة!! على رغم ما بينهم من عداوات، أو نسمع مصطفى بكري يصف البرادعي بالقيمة الوطنية وهو الذي رماه تحت قبة البرلمان قبل شهور قليلة بالعمل لصالح الأجندات الخارجية!! كما يجب أن نتماسك ونحن نرى ليلى علوي ويسرا ووفاء عامر وشوبير وغيرهم في ميدان التحرير يهتفون باسم الثورة!! وكل هؤلاء كانوا قبل عامين يرقصون فوق جثث الشباب المتناثرة في ميدان التحرير وميادين مصر، لكل هذا لم أتفاجأ وأنا أقرأ تقارير صحفية تتحدث عن تعانق المال الأمريكي والإيراني والخليجي من أجل القضاء على ثورة المصريين العظيمة لأن جميع الدوائر المشار إليها تعلم جيدًا معنى أن يتحرر الشعب المصري بإمكانياته البشرية والمادية من عصابات الفساد وعرّابين المشروع التغريبي فمصر بخصائصها المحورية والتاريخية هي الوحيدة القادرة على قيادة الأمة نحو التحرر من تبعات الاستعمار التي لا تزال جاثمة فوق صدرونا وتحقيق حلم المخلصين من أبنائها ومسار الثورة المصرية منذ اندلاعها وحتى الآن يدلل على أن إرادة الله النافذة شاءت لهذا الشعب أن يفيق من غفوته وسباته وينطلق نحو مكانته الريادية المكلف بها تاريخيًا وحضاريًا. لذا فإن المطلوب اليوم هو إنهاء حالات الاستقطاب التي شهدتها الساحة المصرية طيلة الفترة الماضية وأن يكون الاستقطاب اليوم على أساس المشروع الوطني الجامع المرتكز على قيم وثوابت الإسلام العقدية والحضارية والرافض لأي تحالف مع الفاسدين والمستوعب لكل الأطياف الدينية والفكرية التي تنطلق مدخلاتها من ثوابتنا وتصب مخرجاتها في الصالح الوطني والتي ترفض أيضًا الارتباط بأي أجندات أو مشاريع خارجية، كما أن المشروع الوطني يجب أن يجمع في جنباته كل المقدرين لرأي الشعب واختياراته والرافضين للتمرد المستمر على اختيارات الشعب المصري منذ استفتاء 19 مارس وحتى الآن والذي وصل إلى حد اتهام الشعب بالجهل وبأوصاف أخرى بذيئة. وصدقوني فكما رعى الله هذه الثورة وهى لا تزال مولودًا صغيرًا لا يعي من شأنه شيئًا فسيتم الله علينا نعمته وسيحفظها في منعطفاتها الخطيرة ولحظاتها المصيرية لأن التغيرات الكامنة في رحم الغيب عظيمة الشأن جليلة القدر. فاطمئنوا ستنصر الثورة المصرية - بل كل ثورات الشعوب العربية - بإذن الله تعالى وحوله وقوته. [email protected]