مرت قبل أيام الذكرى الأولى لرحيل حسام تمام، الابن البار والناقد الناصح للحركة الإسلامية، وللأسف لم يكن حسام تمام استثناءً ممن سبقوه بالرحيل من الإسلاميين، حيث يمضي هؤلاء في تجاهل تامٍ، وتمر ذكراهم دون أن يتوقف أمامها أحدٌ، حيث يبرر البعض ذلك بأن الحركة الإسلامية يجب أن تكون بعيدة عن الشخصنة وتقديس الأشخاص، مع أن المسلمين الأوائل أحصوا صحابة رسول الله فردًا فردًا، ودونوا مناقب وجهاد كلٍ منهم، ليس تقديسًا لهم، ولكن حتى يستلهم اللاحقون تجربتهم ونضالهم. لقد أوجز الأستاذ جمال سلطان في مقال كتبه عند وفاة حسام تمام، ما اعتبره محنةَ حسام وجيل كامل من الباحثين الإسلاميين الجادين، "الذين ضاعوا بين مجافاة المؤسسات البحثية القومية واللادينية لهم حيث كانت تتعمد تهميش من ينتمون إلى التيار الإسلامي، وبين جفاء المؤسسات الإسلامية معهم وعدم تقدير دورهم وعطائهم، وعدم تصور قيمتهم بالنسبة لتطوير العمل الإسلامي وتبصر المستقبل". القضية ليست أن نحتفي بذكرى حسام تمام، وهو يستحق ذلك بكل تأكيد، ولكن المحك الحقيقي هو أن تستفيد الحركة الإسلامية من أفكاره وطروحاته البحثية، وأن تمد يد العون لكل مشروع أو باحث جاد، حتى ولو لم يكن إسلاميًا أو حتى مسلمًا، فتجاهل حسام، بل ومخاصمته من تيارات رئيسية في الحركة الإسلامية، لم يكن استثناءً، فكم ندوة أو مؤتمرًا نظمه الإسلاميون لإحياء ذكرى أعلامهم ومفكريهم؟ لا شيء! وكم جائزة خصصوها لتخليد أسمائم؟ لا شيء! وكم رسالة دكتواره وماجستير مولوا ودعموا أصحابها كي ينقبوا في الإنتاج الفكري والعلمي لمفكريهم وعلمائهم ويكملوا مشروعهم الفكري؟ لا شيء! وكم مركز بحثي وفكري جاد دشنوه كي يحتضنوا ويفرخوا باحثين ومفكرين يرسمون لهم خطط الحاضر وطريق المستقبل؟ لا شيء! وكم صحيفة أو قناة تليفزيونية جادة ومهنية وقفوا إلى جانبها ودعموها كي تعمل في استقلالية؟ لا شيء! وما هو موجود يمثل مبادرات شخصية يقاتل أصحابها كي تستطيع الاستمرار. ولنكن أكثر صراحة ونقر بأن جل فصائل الحركة الإسلامية لم تَعْتد بعد على التعايش مع أصحاب الفكر والرأي المستقل من أبنائها، وأن أي رؤية نقدية، مهما كانت جادة، مصيرها الإهمال ومصير صاحبها التجاهل والإقصاء، لقد كان لي شرف المشاركة في الانطلاقة الأولى لموقع "المصريون" في عام 2005، ثم انتقلت بعد عام إلى موقع "إسلام أون لاين"، ورغم أن الموقعين لم يكن هناك لبس في طبيعة توجهاتهما وانتمائهما الفكري، إلا رغبة القائمين عليهما في انتهاج خط مهني مستقل، لإدراكهم أن ذلك هو الطريق الأصوب لخدمة الحركة الإسلامية والدفاع عنها، أدى لتعرضهم لانتقادات عنيفة من داخل الحركة الإسلامية، بينما كان بعض قيادات الحركة الإسلامية يفتح قلبه وعقله وخزائن أسراره لصحف ومواقع أقل ما يقال عنها إنها "مشبوهة". لقد شاءت الأقدار أن أكون بجوار حسام قبل لحظات من دخوله في غيبوبة، استمرت لأيام قليلة فاضت بعدها روحه إلى بارئها، ومع أنه كان في شدة الألم إلا أنه طلب مني أن أوصل كتابه الأخير "الإخوان المسلمون.. سنوات ما قبل الثورة" إلى أحد أصدقائه الصحفيين كي يسلمه إلى دار الشروق، واتصل بهذا الصديق، ليوصيه بأن يكتب مقدمة للكتاب يذكر فيها أنه لم يكن خصمًا أو عدوًا للإخوان، وإنما كان ناقدًا وناصحًا، وأنه لم يستهدف من النقد إلا التقويم والتسديد. رحمة الله عليك يا حسام كنت ابنًا بارًا لحركة إسلامية، قلما تنصف المخلصين من أبنائها.