المرء يعيش بأصدقائه.. ترتبط روحه بأرواحهم ومساره بمساراتهم، تتشابك آهاتهم وأحلامهم وآلامهم.. هكذا كان بيننا حسام تمام وهكذا رحل! رحل شاباً لم يتجاوز أربعينه.. رحل قبل أن تنصفه الثورة كما ظلمته وظلمت جيلنا جميعا جوقة الكتابة ومرتزقة الإعلام في العهد السابق! كان حسام حساما مشعا استطاع أن ينتبه لقضايا مهمة في فضاء الإسلاميات والظاهرة الدينية السياسية والاجتماعية بل والفنية، لم ينتبه لها من أتيحت لهم المكاتب الوثيرة في مؤسسات الصحافة والبحث الحكومية وغير الحكومية، انتبه للأجيال الجديدة في الإخوان المسلمين والعنصر النسائي في الحركات الإسلامية، كما اهتم حسام بعلاقات التأثر والتأثير بين الحركات الإسلامية العولمية والقطرية والإقليمية، وانتبه للمقولات التحليلية الغربية، وانتبه للظاهرة الدينية بعموم، ليس فقط في بعدها السياسي، ولكن أيضا في بعديها الاجتماعي والفكري. كان للصديق الراحل دور كبير في تدشين موقع "إسلاميون"، وقبله في باب ثقافة وفن في شبكة "إسلام أونلاين"، قبل أن تتركها الكوادر المصرية بعد أن اختلفوا مع القيادة الفطرية لها، تركوها دون أن تلتفت لهم مؤسسات مصر، التي اكتفت بتعيين أسماء "تعبانة" ليست لها من ميزة إلا الخفة والمملوكية، خدامين لرؤسائهم، أو تربطهم ببعض ذوي النفوذ قرابة جينية، مع استثناء للمحترمين القلائل في هذا المكان. نجح الراحل أيضا في تطوير شبكة علاقات، لم تغرقه في المصرية شأن الكثيرين الذين لا يعرفون شيئا خارج مصر، بل اتسع راحلنا العزيز للتعرف على مختلف الباحثين والمؤسسات المتخصصة في الظاهرة الدينية في أنحاء العالم المختلفة، بدءا من شراكاته البحثية مع باتريك هايني أثناء إقامته بالقاهرة ثم في تنقلاته، حتى عمله بمؤسسة "مرصد الأديان" بسويسرا، ونشر حسام عدداً من المقالات تُرجمت للإنجليزية والفرنسية عبر علاقاته العميقة في هذا المجال. من أمتع ما قرأت لصديق مصري كتاب حسام حول تفكك الإخوان، ودراسته حول تسلف الإخوان، وسائر ما كتب حول عمرو خالد وعبد المنعم أبو الفتوح وتيار المحافظين والإصلاحيين داخل كبرى الجماعات الإسلامية في العالم العربي.. كنت دوما أشاغبه وأحترمه وأختلف معه، ولم يكن حسام ضجيجا دعائيا شأن الكثيرين ممن يطمون آذاننا ويقذفون بعيوننا كل يوم، كان حقيقة هادئة وموضوعية ومرنة تبحث عن الحقيقة وترومها ولا تروم سواه. بكى جيل أنيس منصور أنيسهم.. ولي أن أبكي أنيسي حسام تمام.. ولي أن أحيي جيلي فيه والمجتهدين والمتميزين فيه بدءا من حسام تمام وليس انتهاء به، ولكن المقام اليوم مقام حسام الذي رحل بهدوء يليق بهيبته مخففا قلقنا عليه قليلا. كان قريبا على المستوى الإنساني، فقد كانت به أخلاق الرجال الذين يصدقون إذا وعدوا ويغضبون إذا ما استشعروا بإهانة، كان متسامحا صادق الجميع.. الإسلاميين والعلمانيين واليساريين، لم يكن منعزلا ولا منتفخا، كان موضوعيا وجادا وإنسانيا في مختلف حركاته، لا يستحي أن يقول استفدت وأن يقول تعلمت، كما يعرف كيف يفيد ويعلم. لم يكن حسام شأن أغلب الجيل الجديد من خريجي الإعلام و العلوم السياسية رغم اهتمامه وانشغاله بهما، فقد كان عميقا شأن الجيل السبعيني والثمانيني من هؤلاء باستثناءات قليلة.. يقرأ في الأدب والرواية والألسنيات.. يتسع اتساع حياتنا وينقب بحثا عن الحقيقة فيها، لم يغادره أدبه وابتسامته في كل الأحوال سواء حين احتدم خلاف أو وجد تقديرا وابتهاجا به أو بما كتب. ربما تكون الوحدة سمة من سمات الكاتب والمثقف، لأنه يمارس تدبير المتوحد، بتعبيرات ابن باجة، تدبير التفكير وفعل التأمل والاستبطان والاستكشاف، وليس أصدقاؤه إلا مرائيه.. إلا أرواحا تلتقي- مهما تباعدت الأماكن- فيا ترى كم خسرت الروح بفراق الحسام التمام!! كان يوما صعبا ومجهدا.. ولكن فاجأني رثاء صديقنا السوري عبد الرحمن الحاج عن حسام، ثم مقال صديقي العزيز والمتميز مراد بطل الشيشاني عنه بعد وفاته، كان لا بد أن أكتب عن أنيسي كما كتب البعض عن أنيسهم!! وعزائي لأصدقائه في الغرب والشرق وكل الجادين في هذا الوطن الذي عشق الهشاشة طويلا! كان حسام تمام يفاجئني على ال"فيس بوك" أو التليفون بتحيته وفكرته وابتسامته.. كان إنسانا يشع صوته صدقا..كما يمتلئ ثقة في غير غرور.. تحاورنا وفكرنا معا كثيرا.. كنت فخورا به صديقا وأخا وزميلا إنسانا من بني جيلي المظلوم في هذا الوطن المكلوم من قديم برموز زائفة وشلل تأكله.. كان حسام يشق الحقيقة ويتجاوز السطح ويكشف المسكوت عنه.. يا ترى من سينصفك أيها الصديق الحقيقي والباحث الحقيقي والإنسان الذي لم يجهده الألم.. فقد طمأنتني كثيرا عند اتصالي بك وحاجتي إليك.. كيف خدعتني ورحلت؟!