بغياب الكاتب الكبير أنيس منصور الذى توفى عن عمر يناهز 87 عاماً بعد صراع مع المرض يغيب أقدم عمود يومى فى الصحافة المصرية والعربية وهو عموده «مواقف» الذى ظل يكتبه لأكثر من 50 عاما بحيوية ورشاقة ومهارة فائقة حتى لو اختلفت مع ما يكتبه، ويغيب أيضا أحد الكتاب الكبار الذى قدم للصحافة والأدب والثقافة إسهامات مهمة أثارت الإعجاب فى حين أثار صاحبها الكثير من الجدل لمواقفه السياسية وبالتحديد موقفه من قضية التطبيع مع إسرائيل وهو ما جعل أغلب المثقفين يتفقون عليه صحفيا وإبداعيا ويختلفون عليه سياسيا. ولد أنيس منصور عام1924 بالدقهلية وكان ترتيبه الأول على مستوى الوطن فى الابتدائية والتوجيهية.. حصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة مع مرتبة الشرف الأولى عام1947، وبدأ حياته معيداً وتتلمذ على يد د. عبد الرحمن بدوى، ولم يستمر فى الحياة الأكاديمية كثيرا، فانطلق إلى الصحافة واحترف فن كتابة الرحلات، وسافر إلى دول عديدةً ووقع على أجمل وأطرف ما فيها وابتكر أسلوباً فريداً مميزاً له يحافظ على إيقاع المقال السريع بحيث لا يمله أحد، وتفرغ للكتابة والعمل الصحفى فى مؤسسة أخبار اليوم ثم عمل فى مشواره رئيسا لتحرير العديد من المجلات منها: الجيل، هى، آخر ساعة، أكتوبر، العروة الوثقى، مايو، كاريكاتير، الكاتب.. وجوه كثيرة وأنيس منصور صاحب وجوه كثيرة فهو أستاذ الفلسفة والمثقف الكبير وكاتب القصة القصيرة والتراجم والسير الذاتية ورئيس تحرير العديد من المجلات، وكتابات أنيس منصور متعددة من الصحافة والأدب والترجمة الى أدب الرحلات والسير ومنها: فى صالون العقاد وهى وعشيقها، وفوق الكهف وتعب كلها الحياة، وحول العالم فى 200 يوم، وبلاد الله لخلق الله، وغريب فى بلاد غريبة، وأعجب الرحلات فى التاريخ. إضافة إلى عشرات المؤلفات التى تحولت إلى أعمال درامية مثل: «من الذى لا يحب فاطمة»، «اتنين.. اتنين»، «عريس فاطمة»، «غاضبون وغاضبات» و«الذين هبطوا من السماء»،و«الذين عادوا إلى السماء»، و«لعنة الفراعنة». وبجانب تأليفه باللغة العربيّة ترجم أنيس منصور العديد من الكتب والأعمال الاجنبية إلى العربيّة. أفكار ومواقف ويعتبر أنيس منصور من أكثر الكتاب غزارة فى إنتاجه، فضلا عن قدرته على الكتابة فى موضوعات جذبت القراء حوله من جميع الأعمار لذلك كان الكاتب صاحب الكتب الأكثر مبيعاً لدرجة أن كتاباته كانت تمثل ظاهرة أدبية فى فترة من الفترات . وكان يؤمن بأن أى فكرة لا تساوى شيئا ما لم تقدم البرهان على صحتها... وكان يرى أن أعظم تحية يمكن أن يسعد بها كاتب هو أن يشعر كل قارئ بأنه يقصده بما يكتبه وبذلك تكون الكتابة رسالة عامة وخاصة فى نفس الوقت، ورغم كلماته المتحيزة ضد المرأة، التى جمعها فى كتابه «قالوا»، إلا أنه يرفض تصنيفها كعدو، ولكنه فقط يحب الحديث عنها بعبارات ساخرة تجسد العلاقة بينها وبين الرجل. وقد حصل أنيس منصور على العديد من الجوائز، من بينها جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب عام وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1981، وجائزة مبارك فى الآداب عام 2001. رفض السياسى ورغم الاتفاق على قيمة ما قدمه وأنجزه أنيس منصور على مستوى الصحافة والأدب طوال أكثر من 60 عاما إلا أن موقفه السياسى تعرض لنقد حاد من مثقفين وكتاب خاصة موقفه من قضية التطبيع وعلاقته بالسلطة وحسب صديقه الشاعر الكبير فاروق جويدة فإن أنيس منصور عاش فترة طويلة من الخوف والقلق والانتصار فى بلاط السياسة ولم تكن تجربته مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر جيدة.. وإن اقترب كثيرا من الرئيس السادات وأصبح من أقرب الكتاب إليه خاصة فى أهم أحداث حياته وهو انتصار أكتوبر واتفاقية السلام مع إسرائيل. وفى تقديره أن رحلة أنيس منصور مع السلطة فى ظل الرئيس السادات كانت من أزهى وأجمل فترات حياته . ولكن المختلفين من المثقفين والكتاب مع أنيس منصور يرون أنه اقترب بقوة من السلطة واستفاد من هذا القرب وبالذات فى عهد السادات وكرس طاقاته فى التطبيع مع اليهود وعقد صداقات حميمة مع كبار الكتاب الإسرائيليين فباعد ذلك بينه وبين أغلبية الشعب المصرى، حيث اعتبروه خارجا عما كان ينادى به فى شبابه والغريب أن أنيس منصور لم يخجل يوما أن يتهم بالتطبيع، فموقفه واضح تجاه عمليه السلام مع إسرائيل، والتى قال عنها إن الأزمة الحقيقية تكمن فى نظرتنا لليهود، لذا لا شأن له بمن يتهمه بالتطبيع وزيارة إسرائيل. وفى النهاية نؤكد أننا خسرنا كاتبا مهما وبقدر ما أحب الناس كتاباته بقدر ما أثارت من الجدل والنقاش حولها وحوله هو شخصيا.