■ بقلم: إسلام الكتاتني ويواصل فارسنا النبيل مسيرته الوطنية بأن يتولى وزارة الخارجية تارة، وتارة أخرى وزارة المالية حتى تفيض روحه إلى بارئها فى العام 1934 عن عمر ناهز 62 عاماً قضاها فى خدمة قضايا وطنه والدفاع عنه كى ينال حريته واستقلاله من المحتل ضارباً أروع الأمثال فى الوطنية المصرية الخالصة متخذاً قول أمير الشعر أحمد شوقى شعاراً له «وطنى لو شغلت بالخلد عنه.. نازعتنى إليه فى الخلد نفسى». وهكذا يجسد لنا مرقص باشا حنا معانى الوطنية المصرية الحقيقية، فلا فرق بين أبناء الوطن الواحد مسلماً أو مسيحياً.. صعيديا أو بحراويا.. بدويا أو نوبيا.. فكلنا أبناء وطن واحد تجمعنا قاعدة المواطنة، ولكن للأسف الشديد خرجت علينا منذ منتصف القرن الماضى بعض الأقلام والأصوات الغريبة التى انحرفت عن هذه القاعدة الذهبية الحاكمة (المواطنة) لتروِّج لمفاهيم غريبة عن هويتنا المصرية الأصيلة بذر بذورها حسن البنا الذى أسس جماعته تحت وسمع وبصر المحتل يضرب الوحدة الوطنية واللحمة الوطنية المتماسكة التى رفعت شعار (عاش الهلال مع الصليب) فى ثورة الشعب المصرى الخالدة ثورة 19، فتفتقت أذهان المحتل البريطانى فى كيفية ضرب هذه الوحدة الوطنية وتمزيقها لينعم هو بالسيطرة على مصر ونهب ثرواتها وخيراتها، تاركاً المصريين فى حالة من الانقسام عن طريق استحضار الدين واللعب على عاطفته التى تملأ قلوب المصريين منذ فجر التاريخ، فأتى بهذا الشاب المغمور حسن البنا وتبناه ورعاه لنشر فكرته بين جموع المصريين التى فى ظاهرها العودة إلى الدين، تحت شعارات براقة ورنانة يدغدغ بها عواطف ومشاعر الجماهير، ولكن فى باطنها هى فكرة خبيثة وُجدت لضرب الوحدة الوطنية بين جموع الشعب المصري والشعوب العربية وإحداث حالة من الانقسام والفوضى الفكرية والسلوكية وخلق أجيال جديدة مغيّبة وتفتقد الانتماء للوطن حين تصير هذه الفكرة (الانتماء للوطن) شائهة وتائهة، بل ومنعدمة في كثير من الأحيان بدعوى أن جنسيتك الحقيقية هى الانتماء للعقيدة !! وليست للوطن .. وأن الانتماء للأمة مقدم على الانتماء للقطر الواحد، تلك هى لُب المأساة التى أعلنها بوضوح حسن النبا في رسالة التعاليم قائلاً: «والخلاف الذى بيننا وبينهم أنهم يعتبرون حدود الوطن بالتخوم والحدود الجغرافية ولكننا نعتبرها بالعقيدة». ثم يتسلم الراية من بعد حسن البنا.. سيد قطب فيسهب فى هذه النظرية ويزيد ويقعِّد قاعدته الشهيرة «وما الوطن إلا حفنة من تراب عفن!!» وهكذا تربت أجيال تلو أجيال على هذه النظريات المنحرفة التى جسدها وعمّقها مرشد الإخوان مهدى عاكف، حين أعلنها بكل بجاحة منذ عشرين عاماً «طز فى مصر»، تخيلوا يا سادة هذه النظريات والأقوال المنحرفة حينما تتعمق فى أذهان ووجدان شبابنا وأجيالنا المختلفة ماذا سوف تكون النتيجة!! وماذا سوف يكون مآل الوطن!! مع أن الله سبحانه وتعالى قد رد على هؤلاء فى كتابه الكريم متحدثاً عن المؤمنين أتباع الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) مؤكداً فكرة الانتماء إلى الوطن وأنه لا خلاف بين الانتماء للوطن والانتماء للعقيدة وجعلهما فى شكل متوازن ومتناغم، فقال عز وجل فى مواضع عديدة عن المؤمنين ومدى تمسكهم وحبهم لوطنهم بقوله تعالى «الذين أخرجوا من ديارهم»، ومواضع أخرى ديارنا وأخرى دياركم، لاحظ هنا الضمير يعود على الوطن، وكأن المؤمنين يقولون إن الديار أى الوطن ملكنا وبالعامية (بتاعنا)، ولا ننسى قول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) حينما غادر مكة وطنه باكياً (والله يعلم أنكِ لأحب بلاد الله إلىّ ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت منكِ أبدا)، وهكذايرد الله ورسوله الكريم على هذه الأقاويل والنظريات المنحرفة رداً قاطعاً.. ولكن حينما تشربت بعض جماهيرنا هذه الأقاويل المنحرفة، بدءا من حسن البنا مروراً بسيد قطب.. وتأثر بها أجيال وأجيال، فإذا بأحدهم يخرج علينا ممن ينتمون إلى السلف بعد الافتتاح العظيم للمتحف المصرى الكبير الذى حوى على أكثر من مئة ألف قطعة آثار من آثارنا الخالدة ليقول: «المتحف المصرى جمعوا فيه بعض الأصنام والتماثيل والكنوز التى كانت عند الفراعنة وطريقة التحنيط. يا أهل مصر إن كنتم تصنعون متحفا يجمع آثار فرعون فليدخل الداخل على سبيل التذكُّر والاتعاظ لا على سبيل الافتخار بكفرة، أيها الإخوة انتبهوا لما نحياه فى هذه الأزمنة وانتبهوا إلى الفتن التى تمر بنا، أخشى على «شخص مسلم» أن يتلوث قلبه بمحبة فرعون وتأليهه». ثم يزيد أحد التنويريين يقول: «رأيتُ اليوم صور الحشود الهائلة للمصريين الذين ذهبوا لزيارة الهرم الأكبر والمتحف الكبير.. فرحتُ بهذه الصحوة، ثم أصابنى القلق والخوف من أن يتحوَّل الاعتزاز والتحميس إلى تقديس، فيقولون عبارات من نوع: سيدى خوفو رضى الله عنه.. الولى منكاورع حبيب الله.. ببركة سيدى خف رع.. سخمت سيف آمون المسلول.. العدرا إيزيس أُم الضوء، فالمصريون، وفقًا للمقولة المشهورة: أكثر شعوب العالم تديُّنا». ما هذا يا سادة!! وأى سخف هذا؟! فبعد أن حافظ فارسنا النبيل مرقص باشا حنا وكافح وناضل ليسترد السبيل، ليسترد مقبرة توت عنخ آمون كاملة غير منقوصة بقناعها الذهبى الذى يزن أكثر من 11 كيلوجراماً من الذهب الخالص فى تحفة فنية تاريخية لا مثيل لها، بالإضافة إلى أكثر من خمسة الآف قطعة، هى كل مقتنيات مقبرة الملك الصغير توت عنخ آمون، عجز العلماء والفنانون وكل أدوات العصر الحديث - من تقنيات وتكنولوجيا - أن يأتوا بمثله لتكون جوهرة التاج بالمتحف المصرى الكبير الذى رأى النور أخيراً بعد أن كان مجرد فكرة تشجع لها وتبناها الوزير الدكتور فاروق حسنى وزير الثقافة آنذاك. حينما قيل له (انتوا ازاى عايزين تستردوا الآثار بتاعتكم اللى عندنا بالخارج وانتوا الآثار بتاعتكم مرمية فى المخازن فى المتحف المصرى فى التحرير). من هنا بدأت مسيرة بناء وتصميم هذا المتحف المصرى الكبير التى تعطلت مرارا وتكرارا بفعل الأحداث الجارية فى المنطقة التى كان يُراد لها أن تنقسم إلى دويلات أصغر فأصغر فتعم الفوضى الخلاقة، الذى بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس مما عرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير أو ال«سايكس بيكو» الجديد الذى تم استخدام جماعات الإسلام السياسى كأداة رئيسية، لتنفيذ هذا المخطط فى هذه المنطقة وعلى رأسهم جماعة الإخوان والجماعات المنبثقة من عباءة الإخوان، وأرامل وأيتام حسن البنا مثل داعش والقاعدة والسلفية الجهادية إلى آخر هذه التنظيمات التى تبنت أفكار، ومقولة: وما الوطن إلا حفنة من تراب عفن!! هذا المخطط الذى نجت منه مصر فى ثورتها العظيمة فى الثلاثين من يونيو فى لوحة عظيمة رسمها المصريون بأغلبيتهم الساحقة، وحمى إرادتهم جيشهم العظيم، يقوده فارس نبيل آخر من فرسان هذا الوطن وهو الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع آنذاك الذى اتخذ قراره الوطنى حين تولى أمانة ومسئولية هذا الوطن وأمر باستكمال إنشاء المتحف المصرى الكبير، حتى خرج إلى النور فى حفل تاريخى مهيب فى الأول من نوفمبر فى العام 2025 وفتح أبوابه للمصريين والأجانب فى الرابع من نوفمبر 2025، فى نفس يوم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون يوم 4 من نوفمبر، ففوجئ هؤلاء المرجفون فى المدينة الذين تغيب عنهم فكرة الانتماء للوطن والمواطنة بهذه الحشود العظيمة من المصريين فى الاحتشاد لزيارة متحفهم العظيم ليقولوا للعالم أجمع: نحن مصر، نحن أحفاد القدماء المصريين العظام ونستمر فى رفع راية الحضارة المصرية القديمة لنعلو بشأن وطننا ونزيد فى رفعته وتقدمه كما فعل أسلافنا قدماء المصريين ورددوا الأنشودة الخالدة: «إن نبو عنخ: نحن شعب مصر إن رمث كمت: نحن أسياد الحياة إن نبو وسرو: نحن أسياد القوة إن نبو دجا: نحن أسياد الهيمنة (أو أسياد الازدهار) إن نبو قن: نحن أسياد الشجاعة إن نبو دجگ: نحن أسياد الصمود إن نبو شفيت: نحن أسياد المجد إن نبو مرى: نحن أسياد الطموح إن نبو نخت: نحن أسياد النصر إن نبو حتپ إپ: نحن أسياد المعرفة إن رمث كمت: نحن أسياد سلاح القلب»