كانت تتجسد في هذا الرجل محنة الباحثين الإسلاميين الجادين ، الذين ضاعوا بين مجافاة المؤسسات البحثية القومية واللادينية لهم حيث كانت تتعمد تهميش من ينتمون إلى التيار الإسلامي وتوسع فضاءها ووظائفها للتيارات اليسارية والليبرالية ، وبين وجفاء المؤسسات الإسلامية معهم وعدم تقدير دورهم وعطاءهم ، وعدم تصور قيمتهم بالنسبة لتطوير العمل الإسلامي وتبصر المستقبل ، فكان الواحد منهم يشق طريقه بصعوبة بالغة بين العقبات والمتاعب والتجاهل ، حيث يصعب أو يستحيل أن يجد المؤسسة التي ترعاه أو تكفله ماديا بما يعينه على أداء رسالته وتطوير إمكاناته ، فيطوي قلبه ومشاعره على الهم والألم وهو يشعر بالتهميش رغم أن من هم أقل منه موهبة وقدرة يتبوأون مقاما عليا في مختلف المراكز والمؤسسات البحثية والعلمية ويرتعون في السخاء المالي . كان حسام تمام نموذجا لتلك الحالة ، حالة جيل بكامله من الباحثين الإسلاميين لم يحصلوا على حقهم ، ولا نصف حقهم ، في الحضور البحثي والإعلامي والعلمي أو الرعاية المادية المؤسسية العادلة ، رغم كفاءته الكبيرة وقدراته البحثية الرصينة وعمقه في التحليل الاجتماعي للحركات الإسلامية المختلفة ، والمساحة المحدودة التي انتزعها حسام تمام في بعض المنابر الإعلامية نحت في الصخر قبل أن يصل إليها ، على محدوديتها ، ونجح بعصاميته وإصراره وتميزه في أن يفرض نفسه على تلك المساحة الإعلامية والبحثية في الداخل المصري ، بعد أن لفت الانتباه للدوائر البحثية والعلمية الأوربية الرصينة ، حتى أصبح مقصدا لباحثين ودارسي الدكتوراة والدرجات العلمية المختلفة من الجامعات السويسرية والفرنسية والألمانية وغيرها الذين كانوا ينبهرون بقدراته المتفردة على التحليل الاجتماعي الرصين للحركات الإسلامية واتجاهات الإسلام السياسي بشكل عام بعيدا عن الأدلجة أو استحضار العصبية التقليدية للباحثين اللادينيين تجاه كل ما هو إسلامي . كان حسام تمام ابن الإخوان المسلمين في مقتبل شبابه ، وعمل في صحيفة آفاق عربية التي كانت النافذة الأهم لهم في مرحلة مبارك وحصاره المرضي للإسلاميين ، لكنه شعر بأن رسالته الفكرية أكبر من أن يستوعبها تنظيم أو حركة أو جماعة ، أو أن بعض ما يتأمل فيه ويكتبه ربما يسبب له أو للجماعة حرجا ، فانسحب بهدوء ، ورغم أنه كتب بعد ذلك مقالات وأبحاثا فيها رؤى نقدية للإخوان كما لغيرهم من التيارات الإسلامية إلا أنه لم يسف فيها ، وكان يهتم بممارسة دوره كباحث أقرب إلى علم الاجتماع السياسي منه إلى الأيديولوجي الذي يخاصم أو يصالح على الفكرة المجردة أو الولاء السياسي أو الفكري ، ثم زاد توهجه عندما وجد حاضنة إعلامية وبحثية ذات إمكانيات معقولة واستقرار مثل موقع "إسلام أون لاين" الشهير ، وعندما وقع الارتباك في الموقع تغيرت قيادته وسياسته حاول أن يؤسس موقعا متخصصا يعنى بدراسة شؤون الحركات الإسلامية ينقل فيه خبرته في مركز "إسلاميون" ولكن مداهمة المرض الصعب الذي ألم به وفاجأه لم يمهله وأخذ من طاقته وجهده وقدراته الكثير رغم مقاومته وإصراره على المواصلة بالحدود المتاحة . عندما علمت بمرضه قبل أشهر وذهبت أعوده في مستشفى الشيخ زايد وجدته قد استسلم لقدره ، إذ نادرا ما يفلت إنسان من هذا النوع من السرطان الأكثر خطورة ، ومع ذلك كان يوسط الأطباء لدى المستشفى كي يسمحوا له بالخروج يوما أو يومين يحضر حلقة تليفزيونية أو يتواصل مع أصدقاء ، ثم يعود ليكمل رحلة "الكيماوي" الذي دمر جسده ، ورغم ذلك كان يحافظ على هدوئه الفطري المعتاد ، وصوته الهادئ الذي يصعب أن تضبطه منفعلا أو صاخبا مهما كان الحوار ساخنا ، قلت له : يا حسام المصريون ستصدر قريبا في نسختها الورقية ، وننتظرك فيها ، في المكان والكيفية التي تحددها ، فأنت مكسب لأي صحيفة أو قناة فضائية ، كان يبتسم دون أن يعد بشيء ، كمن يدرك أن الوعد هنا لا معنى له ، رغم أنه في ريعان شبابه ولم يكمل عامه الثامن والثلاثين بعد ، وبينما نحن في مقر الصحيفة أمس نناقش الخطوات التمهيدية للأعداد التجريبية "العدد صفر" قبل الطبع ، جاءنا الاتصال الحزين : البقاء لله في حسام تمام . يا حسام ، لقد علمت أن هذه ليست دار عدل أو إنصاف ، ولكن حسبك أن تكون الآن بين يدي الحكم العدل ، الرحمن الرحيم ، الذي لا تضيع عنده ذرة الخير ، وحسبك أن تكون قد كحلت عينيك وملأت قبلك نشوة وأنت ترى وطنك وقد تحرر من زمرة الإجرام والطغيان ، ورأيت أمتك وهي تبدأ ربيع حريتها الذي طالما حلمت به معها ومعنا ، ورأيت التيارات الإسلامية التي طالما عتبت عليك نقدك وهي تتجه إلى نفس الاختيارات السياسية والفكرية والإنسانية التي كنت تدعوها إليها من قبل دون أن يقدروها قدرها ، يرحمك الله أيها الحبيب . [email protected]